الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي خطاب ديني ممكن في مواجهة التطرف و الارهاب؟

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2015 / 9 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



لم تكن البلاد التونسية بمعزل عن موجة الارهاب التي عمت المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة ، كما مثلت الثورة و الانفراج على مستوى الحريات في انتعاش فكر تكفيري ينظر للإرهاب سيطر على المساجد و افتكها من القبضة التي كانت تطبق عليها طوال خمسة عقود ، واذ حاولت بعض تيارات الاسلام السياسي عبثا التنظير للفصل بين الدين و الارهاب و بين خطابها والتطرف الا أن الوقائع بينت التداخل بين مشروع الدولة الدينية التي تروج له هذه التنظيمات وبين الأرضية النظرية للحركات الارهابية .
ولما كشفت" داعش" عن الوجه الحقيقي لمشروع الدولة الدينية نظرية وممارسة وقفزت على بقية المراحل التي تتدرج فيها بقية الحركات، باعلان الخلافة و الدولة التيوقراطية على النمط القروسطي ، أصبحت البوصلة واضحة في اتجاه العدو مباشرة ، الفكر السلفي الجهادي الذي يمارس العنف و الارهاب أولا و الحركات التي تتبنى نفس المشروع وان على مراحل ثانيا و كيفية التصدي لمشاريعها و أي دور للخطاب الديني في ذلك ؟
لا شك أن الارهاب الذي بلغ المرحلة الدموية في المنطقة العربية هو ارهاب ديني له امتداداته الاستخباراتية و أذرعه المالية و سند ودعم من أنظمة و جهات اقليمية و دولية ، وذراع من أذرع المخطط الامبريالي ، غير أن محركه الداخلي يظل عقائديا قائما على فكر واضح المعالم واستقراء للنص الديني من الاحكام والتناسق بمكان الى درجة يسهل معها الاستقطاب و الانتشار في صفوف الفئات الشبابية و الهشة . لذلك أولى خطوات التصدي للارهاب من زاوية الخطاب الديني هو الاقرار أن الخطاب التكفيري هو جزء من المنظومة الدينية و له أسسه لا في الموروث الاسلامي و التراكمات الحضارية والتاريخية و الممارسات فحسب بل في النص الأصلي أو المتن ، والاعتراف بأن تأويل معين للنص الأصلي يمكن أن يفرز فكرا متطرفا ينبذ الاخر و يسعى لاقصاءه ويمهد للارهاب.
الميزة الثانية لهذا الفكر السلفي الجهادي هو الاطلاق و رفض النسبية فهذا الفكر يعتبر تفسير النص الديني وتأويله له نفس قداسة النص الاصلي بل ممارسات الجيل الاول بعد ظهور الاسلام لها نفس قدسية النص الأصلي و تصل به الوثوقية الى اعتبار الفتاوي نصوصا ملزمة رغم كونها لا تعدو أن تكون وجهة نظر لاصحابها ، هذا الاطلاق هو الدافع الاساسي للتكفير فعدم قبول وجود تنوع و اختلاف و نسبية و حرية الاجتهاد و التفسير و التفكير يدفع مباشرة الى اقصاء كل مختلف و تكفيره و بالتالي فتح بوابة العنف.
الفكر الديني المتطرف الممهد للارهاب ،يخلط بين المعتقد كشأن خاص و بين المعتقد كمحدد و متدخل في كل مناحي الحياة بما في ذلك السياسية فيفرض سلطة عليا على المجتمع و المؤسسات و النشاط السياسي و يحول وجهة نظر طرف سياسي أو طائفي او ديني معين الى مرجع اجباري للجميع فيضرب في العمق كل أسس الدولة المدنية القائمة على المواطنة و التنافس بين البرامج حسب نجاعتها لا حسب قداستها ،ويضرب التنوع و الاختلاف كما يضرب قيمة الحرية في جوهرها ، هذا الفكر عبر خاصيته تلك يعتبر النظم الديمقراطية نظما كفرية باعتبارها لا تسعى لتطبيق المشروع الذي يهدف اليه و يعتبر كل أعوانها و مكوناتها طواغيت وكفرة وجب قتالهم و ارساء " شريعة الله على الارض " فيدخل مباشرة في تناقض مع الدولة و المجتمع تنطلق عبر خطاب ديني تكفيري و تصل الى استعمال العنف و السلاح لمحاولة تغيير الواقع بالقوة .
السؤال الذي دائما ما يطرح كلما بدأ النقاش حول التصدي للارهاب ، هو هل الخطاب الديني نفسه يمكن أن يكون طرفا في مواجهة الارهاب ؟
لا شك أن الاشتغال على ماهو خارج المنظومة الدينية هو جوهر التصدي للخطاب التكفيري و الارهابي منذ المدرسة و ما قبل المدرسة وصولا الى السياسة الثقافية و التربوية و التعليمية وذلك يتكريس ثقافة عقلانية علمانية تقطع مع الوثوقية و تنشر الفكر التحليلي و تنسّب الظواهر و الأفكار و تجعل كل الموروث الثقافي و الحضاري بما في ذلك الموروث الديني مجالا للبحث و الدراسة و المراجعة و النقد .
غير أن الواقع و الوعي السائد يفرض على الباحث التفكير في خطاب مناهض للتشدد والارهاب من داخل المنظومة الدينية ذاتها لتحقيق نفس الغرض وهو التصدي للتطرف و نشر الفكر العقلاني ... و أول مراحل التصدي هو مراجعة الخطاب الديني و ضرب مقومات الفكر السلفي بالتركيز على نسبيته و تعدد القراءات و التفاسير عبر التاريخ و اضفاء الطابع البشري النسبي عليها لتخليصها من القدسية الموهومة ، و العمل على الاختراق الفكري لهذه المنظومة بطرح قضايا تكشف فقر هذه المنظومات و عجزها عن تقديم اجابات للواقع المعاش المتحول باستمرار .
العمل الفكري يكون بالنبش المتواصل في التراث و بيان التنوع و الاختلاف و التركيز على النقاط المستنيرة في التاريخ العربي الاسلامي و كشف النقاط السوداء التي ظلت على هامش الطرح و التناول من طرف الدين الرسمي او حتى الباحثين التقليدين خوفا من المساس بالتدين الموروث و المسلمات وحتى الخرافات التي لها مكانة قدسية عند العامة والتي لا علاقة لها لا بالعقل و لا حتى بالدين .
الخطاب الديني البديل يجب أن يكون متصالحا مع القيم العصرية و المنظومة الكونية لحقوق الانسان ينبذ العنف و يجعله حكرا على الدولة و ينشر قيم الحرية و المساواة و العدل و التسامح و ينبذ التعصب المذهبي و العقائدي و العرقي و يؤسس لمواطن لا يعيش تناقضا بين الخطاب المدني الذي يتلقاه في المدرسة و الحياة العامة و الخطاب الديني الذي يبث في المنابر قادرا على النقاش و المحاججة و دحض نظريات التطرف و التكفير ، خطاب يجعل من الدين شأنا خاصا بصاحبه دون غيره في اطار الحرية المطلقة في المعتقد و الضمير ما لم تمس بالتعايش بين المواطنين و يكرس ثقافة الحق و الواجب أو ثقافة المواطنة التي تجمع بين جميع الناس على اختلاف مستويات ايمانهم و فكرهم و عقيديتهم .
الخطاب الديني الذي يمكن أن يكون شريكا في مكافحة الارهاب هو خطاب متناسق وممأسس حيث تشرف الدولة دون غيرها على عملية انتاج ونشر الخطاب الذي يتم تدريسه للناشئة و بثه في المنابر و دور العبادة لكي لا تتحول هذه الفضاءات الى تفريخ الارهابيين متى رفعت الدولة يدها عن الشأن الديني مطلقا و تركته بيد تنظيمات أكثرها قدرة مالية و تأطيرية و تعبوية أكثرها تطرفا و استعدادا لدعم الارهاب . سيطرة الدولة على الشأن الديني ليس من باب احتكار الخطاب بل في اطار مشروع وطني متكامل لمكافحة الارهاب يسطر فيه جميع المتدخلين من أحزاب و جمعيات و منظمات و مؤسسات حكومية و أيمة ووعاض و مرشدين و باحثين و مربين و غيرهم أي خطاب ديني متصالح مع الدولة الديمقراطية المدنية الحداثية المنشودة لبثه في الفضاء العام في المساجد و البرامج التعليمية و القنوات الاعلامية الرسمية و المنتديات و الفضاءات الحوارية ، دون أن يكون ذلك قمعا للتنوع الفكري و المذهبي و العقائدي الذي يبقى مطلق الحرية ما لم ينظر للعنف و يدعو له أو يمارسه أو يساعد عليه .
عادة ما تجنح أنظمتنا في التعاطي مع الشأن الارهابي الى السياسة الامنية مباشرة و رغم أهميتها باعتبار الارهاب في أحد أوجهه عملا عنيفا و مسلحا يتطلب قوة رادعة وواقية ، فان العمود الفقري لمحاربة الارهاب هو تجفيف منابعه الفكرية و النظرية دون ترك فراغ يؤدي الى عكس الهدف المنشود بل تقديم خطاب ديني بديل ومشروع حضاري ثقافي ابداعي متكامل يروج لثقافة تقدمية عقلانية و يحصن الأجيال القادمة من الوقوع بين براثن الارهاب و التطرف الديني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استقرار عقيدة الإسلام المهرب الوحيد من القفشة
Arnab Awy ( 2015 / 9 / 3 - 20:22 )
استقرار عقيدة الإسلام المهرب الوحيد من القفشة ׃-;- (هذا لا يمثّل الإسلام) ‼-;- ما المقصود بالاستقرار هو الثبات على مفهوم واحد مُتّفق عليه في تفسير القرآن و الاستغناء عن (اختلافهم رحمة) ‼-;- بداية الاستقرار التخلُّص من كل الحشو المكذوب و كل القصص المُلفقة بهدف تجميل صورة الدين الإسلامي ٭-;- هو عمل شاق يحتاج {فريق عمل مُلتزم} مجموعة مُتَبحِّرة في فهم كل النصوص المكتوبة بالإضافة لتمكنهم من إنسانية روح العصر الذي نعيشه الآن ٭-;- فإثبات سلمية انتشار الإسلام تتوقف على نجاح إنتاج هذه المجموعة ليس بإنكار وقائع تاريخية ٭-;- مصداقية العمل في توازيه مع تاريخ الرسالة و الاعتراف بأخطاء المتنفذين و تركها في ذمة التاريخ ٭-;- مبحث آخر شديد الأهمية هو تسويق فكرة استقرار الإسلام للعامة و المتخصصين بدون إقصاء أو ترهيب ٭-;-
استمرار عقلية الأعلون و خير أمَّةٍ و العهدة العُمَرِيَّة و التمييز العقدي ׃-;-


2 - المواجهة قادمة.
احمد حسن البغدادي ( 2015 / 9 / 5 - 17:06 )
ان التنظير الفكري هو الأساس الذي تقوم عليه اي عملية تغيير جذرية في حياة الشعوب،

لذلك، فان الواجب الحالي يتطلب، توعية الجماهير بحقيقة الاسلام الإرهابية، من قران واحاديث وكتب سيرة.

وبعد ان تتوفر وتترسخ الارضيّة الجماهيرية في معرفتها بالجوانب السلبية للإسلام، وهي بدأت فعلاً، في العراق ومصر وتونس والبقية تتبع.

تبدأ الثورة الشاملة لمسح الثقافة الاسلامية العنصرية الإرهابية، وأول عمل هو إقامة الدولة العلمانية، وتضمين الدساتير مواد من لايحة حقوق الانسان.

تحياتي...

اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في