الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازدراء الأديان في ميزان المسؤولية

فاتن نور

2015 / 9 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما هي المسؤولية الملقاة على عاتق كل إنسان إزاء معتقدات الآخرين؟
هل هي مسؤولية احترام أم مسؤولية نقد وتواصل؟
هل المزاوجة بين الدين والسياسة ازدراء للدين؟
هل هناك معتقد في هذا العالم أو دين، يمتلك أتباعه الحق دون غيرهم في تصنيف المعتقدات وتصفيتها على أساس ما هو جدير منها بالاحترام وما ليس بجدير؟
أن نحترم معتقدات الآخرين يبدو شيئاً عظيماً ورائعاً؛ وواجباً إنسانياً مسؤولاً يؤمن التعايش مع الآخر بمحبة وسلام. لكنه في نفس الوقت ولو تأملناه عن كثب؛ يبدو نقشاً نظرياً يفضح هشاشته الواقع.
ونسأل: ما الغرض من قانون ازدراء الأديان؛ هل هو فعلاً موضوع من أجل حماية الأديان أم حماية مؤسساتها السلطوية من تبعات حرية الفكر والتعبير؛ من أجل ضمان حرية السيطرة على الوعي العام وتقنين حيويته؛ وما لذلك من منفعة متحققة لصالح السلطة السياسية تباعاً.

أن نقحم الدين في السياسة فهذا بتصوري ازدراء واضح للدين؛ لماذا؟
أولاً؛ لأن العمل أو الفعل السياسي يكون دائماً تحت مشرط النقد اللاذع وعلى طاولته. وإذا كان الدين لاعباً سياسياً في المعترك السياسي فسيصيبه ما يصيب السياسة وينزل به ما ينزل بها قطعاً، وفي هذا ازدراء للدين بالمزاوجة لا يريده من يطالب بفصله عن السياسة.

ثانياً؛ أدلجة النزاعات والخلافات السياسية عقائدياً؛ ينطوي أيضاً على ازدراء عظيم لروح الدين إذ قد يصبح التنازع على السلطة عقيدة، والخلاف السياسي قد يؤدلج فقهياً ويصبح شقاقاً دينياً، والتاريخ يشهد بأن الصراع الدموي لانتزاع السلطة تحول لاحقاً بعد أدلجته دينياً الى تناحر عقائدي ما زالت الأجيال تعاني منه.

ثالثاً؛ أن يكون دين بعينه مصدراً للتشريع؛ يعني ثمة ازدراء لمعتقدات الآخرين يفرض انصياعهم لقوانين مستمدة من معتقد لا يؤمنون به، وفي هذا ازدراء أيضاً لحق المواطنة في ذات الوقت وحق الوطن.

من أجل أختبار جوهر هذه المقولة أو الشعار " احترام معتقدات الآخرين واجب إنساني" أو مرادفاته بنفس المعنى؛ نسأل بواقعية وعن مجتمعاتنا قبل أي شيء:
كيف نقفز بمجتمعاتنا قفزة نوعية الى مرحلة احترام معتقدات الآخرين إذا كان أتباع المعتقد الواحد متناحرين طائفياً دون احترام أو أدب؟ وحكاية النواصب والروافض على سبيل المثال؛ حكاية سرمدية تنزل بالمعتقد الى الدرك الأسفل من ثلاثية الاحترام والمحبة والتسامح المروّجة على مستوى الكلام المجرد. ثم كيف يحترم المتمسك بالتراث الديني أباً عن جد، معتقدات الآخرين وقد صنفهم تراثه الى كفار وأبناء خنازير وأنجاس ملاعين…؟
أين نقف؟ وإلى أي مدى ينبغي أحترام ما يؤمن به الآخر وما يعتقد، هل نقف مثلاً على تخوم الأديان السماوية ثم نغلق باب الاحترام أم نبقيه مفتوحاً لكل المعتقدات أياً كانت طالما هناك إنسان يعتقد بها؟
ولمن يريد الوقوف عند السماوي من الأديان فقط، نسأله بمودة؛ لماذا؟ هل تريد أدلجة مفهوم الاحترام والواجب الإنساني وخصخصته وفق مفاهيم معتقدك أنت؟
هل في النفوس فعلاً ثمة سعة لاحترام المندائية/البهائية/ اليزيدية/ الشيطانية/الدرزية/ البوذية/ الهندوسية/ السيخية/ الزرادشية/الوثنية/ الرائيلية/ وكل ما يعتقده أناس الارض أياً كان؛ أم هناك أزمة سعة وهناك المحظور والمنبوذ والخ؟

ويبقى السؤال قائماً: أين نقف من موضوعة احترام معتقدات الآخرين وقول حقيقة تاريخية يعدها البعض ازدراءً وتجريحاً. قول حقيقة أركيولوجية أو حقيقة أحفورية داروينية يعده البعض تطاولاً وطعناً بمعتقدات الآخرين. حتى التزام المنطق العقلاني والعلمي يعده البعض هرطقة هدفها تسفيه هذا المعتقد أو ذاك. مع أن التسفيه الحقيقي والازدارء هو تلفيقات الإعجاز العلمي والرقمي وخزعبلات رجال الدين وما يطلقونه من فتاوى وحكايا في كل حدب وصوب. بل تسفيههم للذات الإلهية وكأن الله متسكع في الأزقة يختم أسمه على ظهر طفل رضيع، أو على حبة طماطم أو خيار، بل ويتسكع بين القبور ويبعث بعض الموتى قبل يوم البعث لينطقوا بالشهادة؛ لأنهم ماتوا قبل الهداية فيلحقهم الى القبور لهداية متأخرة. وتتفاخر خير أمة بتلك المهازل التي تزدري دينها ويشتدّ إيمانها وجهلها.
هؤلاء الذين يصورون الله كياناً فاشلاً فقد كل وسائله مع البشر فراح يشتغل على الفواكه والخضروات والموتى كي يلفت الانتباه؛ هم أهل الازدراء للدين ويستحقون المحاسبة وليس من يفكر ناقداً ويسأل أو يحاجج مستثمراً عقله لخير المجتمع وتنويره. لابد أن يُستَثمر قانون ازدراء الأديان أينما وجد؛ وأن ينقلب السحر على الساحر برفع دعاوى قضائية ضد هرطقات رجال الدين ومشايخه ولما فيها من تجهيل واستخفاف بعقول الناس.

حتى نفهم مقولة "احترام معتقدات الآخرين واجب إنساني" بشكل صحيح لابد بتصوري؛ من فصلها الى مقولتين تخدم ذات الغرض ولا نخرج من ورائها باحترام الجهل المقدس أو التخاريف التي يؤمن بها البشر في مختلف أنحاء العالم ولا بازدراء أي معتقد أو دين، كما لا نغلق في ذات الوقت باب النقد بل نتركه مشرعاً على مصراعيه:

الأولى.. احترام الإنسان للإنسان واجب إنساني لا بد منه.
هذا النص واضح وصريح؛ فاحترام الإنسان لا يحتم بالضرورة احترام فعله أو منتجه الفكري أو ما يعتقد به.
الثانية.. احترام "حق" الإنسان في أن يؤمن أو يعتقد بما يريد.
النص واضح هنا أيضاً وصريح. أن نحترم "حقوق" إنسانية فهذا واجب إنساني، أما احترام منتجات فكرية أو ميثولوجية فهذا أمر نسبي عالق بتشريح المنتج ودراسته لمن يريد نقده أو الوقوف على قيمته الفعلية التي ستكون بدورها قيمة نسبية بأي حال وحسب ثقافات البشر وميولهم الثقافية.
بهذين المفهومين سنؤمن احدى مقومات التعايش بمحبة وسلام. ونبقي على حق الإنسان في نقد الأفكار والمعتقدات ومكامن الجهل والتجهيل أو مكامن المعرفة والتنوير وكل شيء دون استثناءات أو تابوهات. وهذا واجب إنساني لابد إن يكون بابه مشرعاً للجميع ومن الجهل غلقه أو تقنينه تحت أي شعار أو راية.

من يهمه أن يُبقي على دينه نظيفاً مقدساً؛ لا يزجّه في مواخير السياسة ويزوجه للسياسيين زواج متعة، ثم يسن بكل وقاحة قانون ازدراء الأديان؛ لأنه أول المزدرين وتحق عليه لعنة القانون والدين. وهذه أول خطوة رشيدة ملقاة على عاتق الأتباع لتحصين دينهم والحفاظ على نزاهته.


فاتن نور
Sep 03, 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -من غزة| -أبيع غذاء الروح


.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز




.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل