الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ مؤدلج .. وواقع مؤلم .

طه يوسف

2015 / 9 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يمر الوطن العربى اليوم بمحن عديدة لعل أبرزها ما يحدث فى سوريا والعراق القطرين العزيزين على قلب كل انسان قرأ ولو سطراً واحداً عن تاريخ وحضارة هذين البلدين ، تفجيرات واشلاء هنا وهناك ، آلاف النازحين الذين هجروا أوطانهم بحثاً عن الأمان فى دول الجوار أو فى دول يفصلها عنهم محيطات وبحار ، صراعات سياسية ودينية أودت ببراءة الأطفال ، مؤتمرات واصوات لوضع الحلول ذهبت أدراج الرياح وبقى صوت واحد لا ينازعه أحد هو صوت الدماء لأعتقاد المتطرفين أن ذلك هو الحل الأمثل لإقامة الحكم الإلهى ! .
لا أزعم اننى محلل سياسى فالساحة مليئة بمثل هذه الوجوه التى دمرت أكثر مما عمرت ، بل انسان يزعجه ويؤرق مضجعه تلك الاهانات الانسانية التى يعيشها مواطنو تلكم الدول التى مزقتها الصراعات الطائفية التى تعتبر واحدة من اشرس الصراعات التى تُستغل فى كل شئ بغيض فالدول الاسلامية ذات حساسية كبيرة من هذه الزاوية فما أسهل اشعال الفتن الدينية داخل أراضيها والتى تحمل فى طياتها كل تجريف وتخريب وينساق العامة وراءها بدافع حماية الدين ويلعب الصراع السنى الشيعى الدور المحورى فيما يحدث داخل معظم الدول الاسلامية نتيجة موروثات قديمة يسير عليها متعصبو الفريقين دون ميل متغاضين عن كل طرق العيش بسلام .
إن إدراك المرحلة الراهنة ينبع من رحم التاريخ فهو مرآة يمكن من خلالها تفسير الوقت الراهن واستشراف المستقبل فالصراعات الطائفية التى اندلعت فى العصور الغابرة كانت لها اليد العليا فى سقوط دول وانهيار امبراطوريات وتفسخ أوصال أمم يجمعها دين واحد وهو ما نراه يتكرر بالتفصيل أمام أعيننا الآن فعلى سبيل المثال لا الحصر ما حدث من نزاعات مسيحية فى العصور الوسطى وظهور المذاهب المختلفة حول طبيعة المسيح وتمسك بعض أباطرة بيزنطة بمذهب واحد وفرضه على كل الأراضى التى يحكمونها وقمع الفصائل المعارضة بأبشع أنواع التعذيب والقتل كما منعت هذه الصراعات الامبراطورية من صد المخاطر الخارجية التى كانت تأتيها من الامبراطورية الفارسية والدولة الاسلامية الناشئة الأمر الذى مزق أوصال الامبراطورية وعجل بانهيارها وفشلت كل المحاولات فى الالمام بشتات الامبراطورية بعقد العديد من المجامع المسكونية التى زادت الهوة اتساعاً وذهبت الدولة البيزنطية أعظم دولة فى التاريخ الوسيط بلا رجعة .والتاريخ الاسلامى شبيه بوقائعه المذهبية بما حدث للامبراطورية البيزنطية فبعد انقضاء العصر الاسلامى الاول بمقتل الخليفة الرابع الامام على ومع تولى الامام الحسن زمام الأمور صالت وجالت الخلافات الدينية التى اتخذت طابعا سياسيا فى كل أرجاء الدولة فالحركات التى قام بها الشيعة والخوارج فى وجه الحكم الاموى أثرت بشكل كبير عليه ومزقته شر ممزق وبعدها الخلافة العباسية التى قامت اساسا على اساس طائفى والتى عمدت فى بداية أمرها على تبنى الابادة الجماعية لكل ما هو أموى فلم تكن أوفر حظاً من سابقتها فقد انفصلت عنها دولا اتخذت من المذهب الشيعى محركا لقيام دولهم واصبح العالم الاسلامى تتنازعه عدة قوى (الاسماعيلية الشيعية الفاطمية فى مصر والمغرب) والسنية العباسية فى بغداد والسنية الأموية فى الأندلس متمثلة فى الحروب المستمرة التى دارت رحاها بين المنصور بن أبى عامر أمير الاندلس وبين الخلافة الفاطمية للخلاف المذهبى وللجوار الجغرافى أيضا الأمر الذى تمخض عنه وقوع العالم الاسلامى تحت نير العدوان الاوروبى والاجتياح المغولى بعد ذلك، ولا يمكن التغافل عن ما وقع بمدينة الرى الايرانية التى خربت تخريبا تاما على يد أرباب المذاهب والطوائف الاسلامية فيروى ياقوت الحموى فى كتابه معجم البلدان أنه كان يعيش فيها ـ أى الرى ـ أهل السنة من شافعية وحنفية وشيعة اثنى عشرية وهم الأكثرية فاشتعل اوار الصراع الطائفى بين هذه الفرق وفتكوا ببعضهم البعض فيقول " وقعت العصبية بين السنة والشيعة فتضافر عليهم الحنفية والشافعية وتطاولت بينهم الحروب حتى لم يتركوا من الشيعة ما يُعرف ، فلما أفنوهم وقعت العصبية بين الحنفية والشافعية ووقعت بينهم حروب حتى كان الظفر فى جميعها للشافعية " .!
وليس بخاف ٍعن البعض أن الصراعات الطائفية لا تنفصل عن الأطماع السياسية فكثيرا ما تتدثر السياسة بالطائفية والتعصب لبلوغ المراد ويتمخض عن ذلك انهيار الأمم والذمم .
هذه أمثلة من زمن فات لكنها لا تزال تتكرر بنفس الطريقة مع اختلاف الأدوات واتفاق النتائج ألا وهى السقوط المدوى للدول الاسلامية وتفتيتها وتشتيت مواطنيها ، فلازال المتطرفون أسرى الماضى يعيشون داخل دهاليز التاريخ فبدلا من الاستفادة من مزاياه وتفادى مثالبه يتسابقون على تكراره ايمانا باستعادة الامجاد الضائعة وسيادة الأمم على حد زعمهم.!! من هنا يكمن فداحة خطأهم فى نظرتهم للوقائع التاريخية التى ينبغى تفسيرها فى ضوء الظروف التى حدثت فيها وليس بمقتضيات عصرنا الحالى معنى ذلك أنه إن كان مقبولا فى وقت ما مصطلحات مثل خلافة أو فتوحات أو غزوات او دار اسلام ودار حرب فمن قبيل السفه اليوم استدعائها واستخدامها مرة أخرى وإن كان مقبولاً فى وقت ما خوض الحروب هنا وهناك فذلك لأن طبيعة العصر كانت تفرض ذلك على الدول والامبراطوريات فمن كان يظهر منه وهن أو خنوع يتم التهامه من الآخرين ، ومن هنا وجب النظر بكل موضوعية للتراث دون ما تحيز لدين أو مذهب أو جماعة وبعيداً عن وضعه داخل أيدلوجية مذهبية تحول دون فهمه واستيعابه بطريقة صحيحة حتى يتسنى للأجيال الحالية والقادمة قراءته قراءة توسع مداركهم ولا تجعلهم ينبذون الآخر ويمسكون بالسلاح ظناً منهم بأنهم يتبعون سلفهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تدني تأييد ترامب وسط المستقلين بعد إدانته جنائيا | #أميركا_ا


.. فواز منصر يجيب.. ما خطورة نشر الحوثيين للزوارق المفخخة الآن؟




.. تضرر مستوصف في جنوب لبنان إثر قصف إسرائيلي


.. قادة أوروبا يبحثون مستقبل الاتحاد في ظل صعود اليمين في الانت




.. ما دلالات الكشف عن وثيقة تؤكد أن الجيش والمخابرات كانا على ع