الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيلان لن يستيقظ ...

نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)

2015 / 9 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إيلان لن يستيقظ !

كما الجندي القتيل في قصيدة "نائم دو فال" (1) ... إيلان لن يستيقظ.
هذا الطفل السوري الجميل الهانئ بموته على شاطئ المتوسط لن يستيقظ غدا ً ... ولن يذهب للحضانة كي يلعب ... ويتعلم ... ويعيش !
لقد جرحتني هذه الصورة كما جرحت ملايين الناس على كامل مساحة الكرة الأرضية. لكني لم أكن أبدا ً أفكر بالكتابة عن إيلان ... فالجرح السوري بات عميقا ً لدرجة عجزت معها أبجديتي عن التعبير عن الوجع المتكثف في عيون الأطفال الجامدة الخائفة الباردة ... التي فارقتها شعلة الحياة جراء شظية قذيفة ... أو برميل موت أسود ... أو رصاصة قناص ... أو سكين حاقد زنيم ...
لكني ... وجدت نفسي اليوم، فجأة، مجبرا ً على الكتابة عندما قرأت ما قاله أحد القتلة ذوي القلوب الحنونة بخصوص إيلان ...
يقول هذا "الإنسان" ... وقبل أن يُهال َ التراب على وجه إيلان الجميل في قريته السورية الشمالية التي قاتلت بشجاعة أسطورية، رجالا ً ونساءً، جحافـل الديناصورات اللاحمة الداعشية ... يقول إن الأسد الثاني كان قد خصص مناطق آمنة خاصة لاستقبال اللاجئين السوريين وأن أبواب هذه المناطق بقيت مشرعة حتى لأعدائه الأكثر ضراوة. يقول هذا السيد الأنيق (2) أن أب الطفل إيلان فضل أن يدفع مبلغا ً كبيرا ً من المال كي يهاجر ... في حين كانت مناطق الأسد الثاني " الآمنة " موجودة لاستقباله مجانا ً. متهما ً إياه بأنه مجرد واحد آخر من هؤلاء الخونة الذين يسعون لمغادرة الوطن وتركه لمصيره الأسود في ساعة الأزمة.
طبعا ً ... لو مات إيلان ... في دوما أو مخيم اليرموك الدمشقي أو تل الزعتر اللبناني أو حي بستان القصر الحلبي أو في السكنتوري في اللاذقية أو حتى على شواطئ غزة أو لبنان ... لما استحق ذلك أن يكتب هذا الشاب الظريف بضعة السطور التي كتبها. ما أحرج هذا الإنسان الحنون ذو ربطة العنق وياقة القميص النظيفة ... وأزعجه في هذه المأساة الصغيرة / الكبيرة المرمية على رمل الشاطئ أن إيلان مات غرقا ً وهو يحاول الهرب من مناطق الأسد الآمنة وغير الآمنة ... وهو أمرٌ لا يستطيع تحمله!!! أمرٌ يتطاول ليتجاوز معدل ذكائه الذي لا يزيد عن درجة حرارته الشرجية وهو في أحسن حال وأوفر صحة !!! لقد قـُـدر لإيلان أن يموت وحيدا ً على الشاطئ التركي وهو يحاول الهرب إلى الحرية ... وكرامة العيش ... ما لا يستطيع فهمه صاحبنا حتى في أحسن ساعات تجلياته وتفتح ذهنه ومداركه. لم يسأل هذا السيد الهمام نفســَه ... ترى لماذا فضل والد الطفل إيلان أن يغامر بنفسه وبأسرته الصغيرة ويواجه خطر الموت غرقا ً على أن يبقى تحت بسطار الأسد العسكري "الوطني" في هذا البلد الذي انتحرَ وما زال ينتحر ويـُـقتـَل عشرات الآلاف من المرات منذ خمس سنين وحتى اليوم. لماذا فضل إيلان الموت على أن يبقى في جنة الأسد؟ أمرٌ شنيع أليس كذلك؟؟ لا يستطيع هذا السيد فهمه ... رغم أنه من مـُلاك الحقيقة المطلقة والقناعات والأحكام الجاهزة المعلبة بأناقة والمعدة للاستهلاك الفوري. لماذا الهجرة في حين أن الأمن والأمان متوافر للمواطنين السوريين ... جميعا ً ... كما قال وأكد الأسد الثاني !
يبدو أن ليس للهمجية حدود !!!
وليسمح لي هذا الأخ السوري الوطني للغاية بأن أرد عليه ... بشكل سريع ٍغاضب ٍ ومقتضب ...
لا يوجد أي شيء في العالم يستطيع أن يبرر إغتيال طفل ... أي طفل ...
أسدك الثاني يا سيدي هو المسؤول الأول والأخير عـن هذه المجزرة المروعة التي راح ضحيتها آلاف الأطفال الذين ذهبوا بصمت دون أن يكون لهم الحق بمثل هذه الصورة التي حصل عليها إيلان ولا بالتغطية الإعلامية الهائلة التي حصل عليها إيلان.
أنت يا أخي السوري ... مجرد واحد من آلاف متطرفي الأسد البشعين الذين لا يضاهيهم في بشاعة رائحهم المنتنة إلا ديناصورات الحركات الإسلامية المتطرفة من داعش إلى النصرة إلى حماس وحزب الله وسواهم الكثير من ملاك الحقيقة الإلهية المطلقة المعممين والملتحين.
فليذهب هؤلاء جميعا ً إلى الجحيم ... وأنت أولهم ...
كثيرا ً ما يخطر ببالي هذه الأيام شتيفان تسفايج (3) ونهايته الفاجعة ... لكني سرعان ما أتراجع ...
سرعان ما أتراجع ... لأن موت أمثالي سيكون مصدر سعادة وأنس وطرب لك ولأمثالك يا سيدي ...
كلا ... سأبقى حيا ً كي أقول لكم جميعا ً رأيي بأفكاركم الكريهة ...
سأبقى حيا ً ... كي أصرخ بعالي الصوت ... إن سوريا تستحق منكم أكثر بكثير من هذا المستوى الإنساني الرقيع ... سوريا الأم أكبر من كل هذا الهراء الذي تجترونه كل يوم ... والذي تتقيأه شاشات تلفازاتكم ... وتلفظه فوهات بنادقكم ومدافعكم ...
سأبقى حيا ً علّي أرى الفجر يوما ً ... فجر سوريا الحلم ... سوريا العادلة الحداثية الديمقراطية المدنية العلمانية. سوريا الوطن والمواطن وحقوق الإنسان. سوريا الانتماء السوري وليس سوريا القوميات والطوائف والأديان ...
يا للعار ... ويا للهول ...

===========

(1) قصيدة للشاعر الفرنسي آرثور ريمبو (1854 - 1891) يصف فيها جثة ً غضة ً لجندي شاب مبتسم في حقل أخضر هانئ ... وفي خاصرته اليمنى ... ثقبان أحمران ...
(2) النص الكامل لما كتبه أحد " السوريين " تعليقا ً على موت إيلان : "الطفل السوري الغريق أدمى وابكى الحجر، هذا لا جدال فيه ولا مزايدة والحرب المجنونة في سورية هي المسؤولة الأكبر..ولكن - وهنا سأقول كلاماً قد لايُعجب البعض - ولكن ما مسؤولية أهل الصبي - أمه وأبوه - ولو بجزء بسيط من هذه المسؤولية؟ هل هم فارون من المجازر؟ حسناً ..ربما هم كذلك ... لكن الفارين من المجازر غالباً يلجؤون الى مناطق آمنة في داخل سورية - وبالمناسبة الحكومة السوريّة رغم ظروف العجز الاقتصادي بسبب الحر وفرت عشرات مراكز الايواء تُقدّم فيها كل أنواع الرعاية الصحية والغذائية والتعليمية مجانا - .
طيب ... لنفترض أنّهم فارّون من وجه "النظام" - وسأفترض هذا على غير قناعة لأن ما يسمونه " النظام " يقوم حتى اللحظة - وفي مراكز محترمة - بايواء ورعاية عائلات - نساء وشيوخ وأطفال - حتّى بعض الذين يحاربونه ويقتلون خيرة شباب الوطن من حماة الديار ومنضوون في صفوف عصابات الذئاب التكفيرية ولم تمارس الدولة السوريّة أي شكل من أشكال الانتقام ضدهم معتبرة أن لا ذنب لهم باجرام ذويهم - لنفترض أنهم فارون من النظام ... في هذه الحالة يلجؤون الى دول الجوار ومخيماتها القريبة هذا البديهي لكونهم من المفترض بانهم هربوا بثيابهم فقط ولا يملكون قوت يومهم وبالتالي لا يملكون ما يمكنهم من السفر أبعد من هذا ... أما أن يغامر البعض بأطفالهم الصغار ويركبون قوارب مطاطيّة ليس فيها الحد الأدنى من عوامل السلامة ويقصدون أوروبا -وهم ليسو في وضع "الميت ميت" فكل فرد من المهاجرين يدفع كحد أدنى 5000 دولار أميركي للمهرّب( ما يعادل مليون ونصف ليرة سورية وهذا رقم كبير في سورية) وعلى متن قوارب الموت المطاطية - فهذه اسمها رعونة واستهتار اذا لم نقل تشاطر ومجازفة غير مبررة بفلذات الأكباد واقتناص فرصة مواتية من خلال قوانين اللجوء المتساهلة لتأمين حياة "تنبلة" مجانية ومريحة في غرب اوروبا. هل من داعٍ لأوضّح وأشدّد بأن كلامي هذا لا يقلّل أو يسخّف من هول وفظاعة ما حلّ بالملاك الطفل السوري وبغيره من ضحايا الهجرة ؟ أرجو ألاّ يكون كلامي صادما ً... "
(3) شتيفان تسفايج : كاتب نمساوي من أصل يهودي (1881 - 1942). من أبرز كتاب أوروبا في بدايات القرن الفائت. قرر التخلص من الحياة وهو يشهد انهيار السلم العالمي وويلات الحرب العالمية الثانية. ولم ينسَ أن يشكر حكومة البرازيل، حيث انتحر، على حسن الضيافة والرعاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب