الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظمات المجتمع المدني بين الهيمنة وغياب الدعم / العراق انموذجاً

اسماعيل جاسم

2015 / 9 / 6
المجتمع المدني


منظمات المجتمع المدني بين الهيمنة وغياب الدعم / العراق انموذجاً

اسماعيل جاسم

ان دوامة المجتمع المدني في العراق ذي التجربة الفتية تجعلنا نقف وقفة تأمل امام هذه المنظمات التي اسدل عليها الستار تقريبا وهُمشَ دورها من قبل الحكومة نفسها أولا ومن لجنة منظمات المجتمع المدني البرلمانية ثانيا ومن دائرة المنظمات غير الحكومية ثالثا ومن رؤساء المنظمات نفسها رابعاً ، بسبب غياب الدعم المادي والمعنوي والاعلامي حتى جعلتها الحكومة والمسؤولون كيانات تعاني من الخمول والضمور والشلل وجعلتها كيانات فاقدة الدور فلا تقوي على مواجهة التحديات والهجمات من قبل كثير من الجهات الحزبية والدينية والمتنفذين في السياسة العراقية وصنّاع القرار ما ادى بها الى الزوال والتلاشي تدريجيا .
يقول جون لوك ... ان السلطة المدنية لا ينبغي لها أن تفرض عقائد الأيمان بواسطة القانون المرئي ،سواء تعلق الأمر بالعقائد أو بأشكال عبادة الله ...
اما مفهوم العقد الاجتماعي عند لوك ، فهو اتفاق ثنائي ، طرفاه الأفراد وقد تعاقدوا مع بعضهم البعض من ناحية ، والحاكم الذي اتفقوا على اختياره طوعا من ناحية ثانية ، بما يعني التزام الحاكم بقيود تعاقدية ، وما يؤدي بالنتيجة الى تقييد سلطة الدولة حتى لا تكون مطلقة ، وذلك لضمان المحافظة على مصالح الناس وحقوقهم وحرياتهم تطبيقا للقانون الذي يكون وثيق الصلة بالدولة وأكد لوك على وجوب الفصل بين السلطة المدنية والسلطة الدينية لحماية حقوق الناس ممن يسلَطون عليهم ظلما وقهرا باِسم الدين .
فالسلطة والهيمنة قد فرضتا قوتهما على منظمات المجتمع المدني ، اما استجابة لمضايقات السلطة الحاكمة ومنع التمويل عنها وهي ورقة دائما تلوح بها الدولة خدمة لمصالحها لئلا تتفاعل هذه المنظمات مع القوى المدنية الاخرى والمواطنين لكشف تجاوزات السلطة الغاشمة بتجاوزاتها المتكررة على حقوق الانسان وممارستها الاقصاء والتهميش لمكونات الشعب العراقي وعدم اشراكها في قيادة الدولة وفي تشريع القوانين وما الى ذلك ، فمنظمات المجتمع المدني قد عملت منذ سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 بتقديم الخدمات التي عجزت عنها الدولة وتلكأت في مناطق نائية وبعيدة عن المدن وحتى هذه المنظمات قدمت جل خدماتها في مدن العراق وقصباته ، كتقديم المساعدات العينية وتعليم مهارات الخياطة والفصال ومهارات الحاسوب والاسعافات الاولية ومكافحة الامية وعودة الطلاب المتسربين الى مقاعد الدرس والقضاء على الجهل والتخلف الى جانب تقديم المحاضرات في الثقافة الصحية للمرأة والطفل وفي حقوق الانسان مع تقديم هدايا للمتفوقات كمكائن الخياطة والاقمشة والهدايا الاخرى ذات النفع للعوائل ، هذه الخدمات قُدمت لمنظماتنا المحلية حينما انفتحت المنظمات الدولية بالتمويل والدعم وبعد العام 2010 توقفت اغلب المنظمات الدولية عن الدعم واختصر الدعم على بعضها بشكل بسيط لا يلبي طموحات المواطن العراقي ربما لأسباب انتشار الفساد المالي وعدم جدية تنفيذ المشاريع بموجب العقد المبرم ، من خلال عملنا بين المواطنين لاحظنا ان رجال دين يواصلون الليل بالنهار وخاصة في المناسبات الدينية وهم يتوغلون في صفوف هذه الشرائح وتقديم النصح والرشد الدينيين الى جانب التثقيف الطائفي وتحت مسميات عدة بأستخدام مفردات تأريخية عفى عليها الزمن ولكن تعاد صناعتها من جديد ، ولا يهم هؤلاء "الدعاة " المواطنين عن كيفية مطالبتهم بحقوقهم وواجباتهم ولا يبحثون لهم عن فرص العمل والسكن اللائق بهم .ولا يتعرضون الى السلطة واحزابها وكتلها وفسادهم واستحواذهم على مليارات الدولارات ولا ينبهون المواطنين الى خطورة الوضع الاقتصادي وانعكاساته السلبية على العراقيين ، بل بالعكس استمروا يمجدون برموز هذه الكتل ولا يمكن التعرض اليهم ونقدهم يعتبروها خطوطا حمراء وحرام مسهم وتناولهم بسوء .
عند تأسيس الدولة العراقية 1921وقيام النظام الملكي في العراق ارتبط النظام نفسه برؤساء العشائر ورجال الدين وشيوخ الجوامع والمجتهدين والوجهاء من العوائل المعروفة آنذاك، فأصبح هؤلاء المقربين والمدافعين عن النظام الملكي وحسبهم مع العثمانيين ايضا ، فالتأريخ يتكرر مع كل حقبة من الزمن ولا من مواقف جديدة الا القليل منها ،أغدقوا الاموال وأعطوا الاراضي الشاسعة والوظائف المدنية والعسكرية ، واليوم أُعيد السيناريو نفسه في العصر العثماني الملكي الجمهوري الديمقراطي الجديد ، فأصبح المجتمع المدني ومنظماته متراجعة وهو يعاني من الضعف والانهيار بسبب تدخل الدولة وشيوخها وتدخل رجال دينها ...
يقول الاستاذ فالح عبد الجبار " لا نغالي اذا قلنا ان الريوع النفطية ساعدت في بناء وارساء النموذج الشمولي وامدته بالوسائل اللازمة لانتصار الدولة على المجتمع المدني وتفكيكها اياه ..."
هنا لا نلوم الدولة بالهيمنة والسيطرة والتدخل ، والاسباب معروفة سلفاً ، ولكن علينا أن نرجع سبب التراجع والنكوص لمنظمات المجتمع المدني بسبب غياب دور المثقف ووعيه الثاقب في ارساء قواعد المنظمات ومطاولته في الدفاع عنها رغم ما يعتريها من اجراءات تعسفية ومضايقات مستمرة ، فليس من المعقول أن حوالى 1789 منظمة مجتمع مدني مجازة بموجب شهادة التسجيل و30 منظمة تشبيك ، هل هذه المنظمات فارغة أو خالية من المثقفين ؟ وهنا قسَّمَ كرامشي المثقفين الى قسمين من الناحية الوظيفية ، فهناك أولا ، المثقفون المحترفون " التقليديون " كالادباء والعلماء وغيرهم ، وهناك ثانيا المثقفون "العضويون " ذلك العنصر المفكر والمنظم في طبقة اجتماعية اساسية معينة .... من مقولة كرامشي عن المثقف ، هناك صراعا سياسيا بين السلطة والمجتمع المدني ، سلطة تريد أن تكون منظمات المجتمع المدني واجهة لها وهذا لم يحصل عدا بعض المنظمات التي اسسها برلمانيون أو سياسيون يعملون في كتل واحزاب منضوية تحت لواء السلطة السياسية .
اما ابن خلدون يؤكد... " أن الدعامة الاساسية للحكم في العصبية ...والعصبية عنده أصبحت مقولة اجتماعية احتلت مكانة بارزة في مقدمته ... ان العصبية نزعة طبيعية في البشر مذ كانوا ، ذلك تتولد من النسب والقرابة وتتوقف درجة قوتها أو ضعفها على درجة قرب النسب أو بٌعده ... ثم يتجاوز نطاق القرابة الضيقة المتمثلة في العائلة وبين درجة النسب في الولاء للقبيلة وهي العصبية القبلية ، اما اذا أصبح النسب مجهولا وغامضا ولم يعد واضحا في اذهان الناس ، فان العصبية تضيع وتختفي هي ايضا .
أبن خلدون كان يرى ان السلطة السياسية اذا تمركزت بأيدي اناس ينتمون ويؤمنون بالعصبية القبلية كما هو معلن ومتعارف ومتداول فان باقي المواطنين يبحثون عن انتماءاتهم العصبية ، وبذلك تقوى شكيمتها ويصبح ويمسي الناس يتفاخرون بها كتفاخر الجاهلية الاولى، وفي حالة يكون النسب غامضا ومجهولا وغير متداول سيكون الارتباط العائلي والقبلي منعدما وبذلك تتلاشى الالقاب وتنعدم العشائرية المزدهرة في قرننا الواحد والعشرون ، من هنا نستطيع تجاوز المحن والنكسات والنظر الى المجتمع بجمعه وجميعه على انه مجتمع مدني واحد من شماله الى جنوبه

دائرة المنظمات غير الحكومية / رئاسة مجلس الوزراء
لهذه الدائرة واجبات ، اصدار شهادات التسجيل بعد تقديم المستمسكات المطلوبة وفق المادة 12 من قانون منظمات المجتمع المدني لسنة 2010 ، هذه الدائرة ما هي الا جهة رقابية ، فعلى جميع المنظمات الامتثال الى قوانينها ، لها التحقق من موقع المنظمة على الارض ومدى صلاحيته وكذلك التحقق من المنح ومبالغها والجهة المانحة مع تقديم كشف سنوي لنشاط المنظمة المالي والثقافي والنشاطات الاخرى ولكن ليس بشكل جدي ومركز .
ولكن لدينا بعض الملاحظات : أولا – ان دائرة المنظمات غير الحكومية عليها أن تحقق من مكان المنظمة، ألا تكون المنظمة في غرفة واحدة محشورة مع عائلة أو مع منظمة اخرى أو أن تكون منظمة " حقيبة " تحت الابط " مقاول"، ثانيا :- عليها أن تكون رقيبة على اجتماعات الهيئات الادارية الدورية ويجب أن يكون لديها سجلا لمتابعة الاجتماعات وهل المنظمة تمارس عملها حاليا والى اي مكان انتقلت ، في حالة تغيير موقعها ؟ مسائلة المنظمات عن انتخابات رئيس المنظمة ، متى جرى الانتخاب مع تحديد الفترة القانونية لبقاء رئيس المنظمة ، التحقق من مصداقية اسماء الهيئة الادارية ، هل هم موجودون فعلا أم اسماء فضائية ليس الا ؟ الزام المنظمات بعدم تداول الالقاب العشائرية والعوائل والمناطقية ، لأن المنظمات منظمات مجتمع مدني وليس تجمعات عشائرية وعائلية ، وسيكون هم المنظمة ورئيسها العائلة والعشيرة وليس استهداف الفئات المستحقة لتقديم الخدمات لها ، ولأن المجتمع المدني يسمو ويترفع عن كل ما هو غير مدني .
على دائرة المنظمات غير الحكومية أن تسعى ايضا وبشكل دائم تقديم طلب لدعم المنظمات ماليا لإيجار المكتب ومصاريف بعض الاحتياجات والمتطلبات وهذه الفقرة غير موجودة في قانون الدائرة ولن تكتفي الدائرة بمقترحات "تأسيس صندوق دعم المشاريع التشغيلية " أو تنسيق العلاقة المشتركة ،
لو طلبت دائرة المنظمات من مجلس رئاسة الوزراء وهي المرتبطة به اداريا ، تخصيص نسبة يتفق عليها البرلمان العراقي من واردات النفط ، ونسبة من الشركات المستثمرة في العراق ، كشركة اسيا واثير وكورك وزين للاتصالات والشركات المنقبة عن النفط في الاراضي العراقية وحتى فرض ضرائب على المقاولين والتجار مع استقطاع نسبة ايضا من رواتب ذوي الدرجات العليا والبرلمانيين ، هل تحتاج منظماتنا ال مد يد العون من المنظمات الدولية والارتباط بها ..؟

من يقود هذه المنظمات ؟
لو تجردنا عن انتماءاتنا العشائرية والقومية والاثنية والسياسية والحزبية ، لوجدنا أن رؤساء المنظمات بشكل عام هم من ذوي الالقاب بأنواعها ، ولو الوضع الحالي قائم على الالقاب ، السيد ، الشيخ ، الحاج ، الموسوي ، الساعدي ، المالكي ، الحسيني ،الوائلي ، السامرائي الخ....
ولكن نحن في المنظمات يجب علينا ان نكون المبادرون لتصحيح الاخطاء لا السكوت عليها ونركب موجة الالقاب فرحين .
ثم لو وقفتَ ودققتَ بأسماء رؤساء المنظمات لوجدتها تتداول منذ اعوام خلت وكأن الهيئات الادارية لا يوجد بديل غيرهم من دون الاعتماد على دماء جديدة ، يطالبون بتغيير الزعماء وتغيير الوجوه السياسية وهم ثابتون وملتصقون بها مدى الحياة وهذا تناقض يؤدي بالمنظمات الى التراجع ويلقون اللوم على الحكومة بينما هم العقبة لتخلخل وضع المنظمات ، فرؤساء المنظمات يمثلون اراداتهم وسطوتهم في المنظمة ولا يمثلون الوجه الحقيقي للديمقراطية والحوار ولا لثقافة المجتمع المدني ، وكأن المنظمة عقارا وملكا لا يزول مهما تقلبت الاحوال وتبدلت السياسات ، اما الهيئات الادارية شكل ديكوري يضيف للمنظمة شرعية مزيفة ، هل يمكن لعضو الهيئة الادارية معرفة مبالغ المنح والمانح وكم صرف وكم بقي واين يذهب ؟ اسئلة تسمى في عرف المسؤول " توقيفية "بمعنى لا توجد اجابة عليها ، الخلل كل الخلل كما اسلفت في المنظمات وليس في الدولة ، وهنا لا اريد ابرأ ساحة الدولة بل الدولة هي المتهمة بالإهمال ومحاولات الاحتواء والتسييس ،
ولكن المنظمات متهالكة على الاموال قبل تهالكها على تثقيف المواطنين فهي تصرف المبالغ ولكن تفكر بمقدار المبلغ المتبقي والى اين يذهب ؟ وخلاصة القول ان الامم المتحدة هي المشاركة في بناء المجتمع المدني وتدعو الى تنامي دوره وابرازه كقوة فاعلة وضاغطة في صنع القرارات والمشاركة في تدبير السلطة السياسية ، يجب ان تتمتع المنظمات بقدر كبير من الاستقلالية وهي المشاركة في الورش والندوات والاجتماعات سواء في اقليم كوردستان أو في الاردن أو لبنان وغيرها من المشاركات الدولية وليس اختصار الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية عل منظمات معلومة سلفا " زبون دائم" وهو تكرار لهذه المنظمات ولدكتاتورية مسؤوليها ، من الخطأ اعتماد المنظمات الدولية المانحة على عدد من الاشخاص من المنظمات المحلية وكأنهم وكلاء أمن لتزكية المنظمات المحلية الاخرى ورفع تقارير دورية عليها وتقييمها وتزكيتها ، من هنا تبدأ المساومة ويبدأ الفساد ، لذلك نطلب من هذه المنظمات وخاصة دائرة المنظمات غير الحكومية ان تتدخل في التقييم واعلام المنظمات الدولية بالمنظمات الفاعلة التي تعمل بصدق بتنفيذ المشاريع وهي تتمتع بسمعة طيبة في المجالات التي تعمل بها ولها موطئ قدم على الارض ولن تكون منظمة خاملة وهيئتها ورئيسها معا . وبذلك تستطيع دائرة المنظمات غير الحكومية ان توقف الهيمنة واختصار التمويل الدولي على منظمات معلومة وفاعلة بغض النظر عن حجمها ولكن ربما تكون صغيرة وهي فاعلة اكثر من غيرها .
اسماعيل جاسم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ساري عرابي: السياسة الحربية الإسرائيلية أدت لمعاناة الأسرى ا


.. عائلات الأسرى الإسرائيليين تعلق على إعلان أبو عبيدة




.. كيربي: الأنباء بشأن اتهام إسرائيل بإساءة معاملة المعتقلين مث


.. الآلاف يتظاهرون تضامنا مع غزة في مدينة مدريد الإسبانية




.. ما مكاسب فلسطين من قرار الأمم المتحدة بتأييد عضويتها؟