الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم تحرر الإنتلجنسيا .. المنهج الشحروري : أيصمد أم يصمت ؟!

موسى راكان موسى

2015 / 9 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ضمن سلسلة وهم تحرر الإنتلجنسيا , أتناول هنا المنهج الشحروري (أيصمد أم يصمت ؟) -;- المنهج المُتبع في التعامل مع التنزيل الحكيم وفق قراءة معاصرة , للدكتور محمد شحرور , كما هو وارد في موقعه الرسمي .

و ما فهمته مما يعنيه "التنزيل الحكيم" هو أكثر من مجرد الحصر في القرآن و السنة _و الأخيرين معناهما مختلف عن المُتداول السائد , وفق المنهج الشحروري_ , و يمكننا أن نتحسس بداية المعنى بالأخذ بظاهر الكلم من "التنزيل الحكيم" , فهناك ما هو أعلى أو أرقى يهبط إلينا منه _فنكون في حُكمه أدنى_ , و هو حكيم _و الصفة هنا تشمل التنزيل ذاته و ذات التنزيل , بغض النظر عن الحَكم في ذلك_ . لكن نهاية المعنى مفتوحة , فالتنزيل غير ثابت الشكل فهو مُتغيّر و مُتعدّد , بل هو مُتغيّر و متعدّد لا بذاته فقط بل أيضا بأتباعه , من خلال قراءتهم للتنزيل , من تفسير و تأويل .

لكن هذا ليس كل شيء عن التنزيل , فالتنزيل وفقا لما يورده الدكتور محمد شحرور _أو المنهج الشحروري_ في موقعه هو {نقلة موضوعية خارج الوعي الإنساني ، تم فيها تنزيل الإنزال على مدى ثلاثة و عشرين عاما . و في الرسالة تلازم الإنزال و التنزيل لأنها من عند الله مباشرة} . و كي لا نستعجل معالجة هذا القول بخصوص التنزيل , فلنبقى طوال الآتي مستذكرين هذه {النقلة الموضوعية} ! .

و لعل السؤال الذي يطرح نفسه : كيف نعرف أن ما يشمله التنزيل الحكيم هو فعلا كذلك و ليس مجرد إدعاءات و أوهام ؟! . لا نجد إجابة صارمة , فللتنزيل الحكيم أشكال مُتغيّرة و مُتعدّدة , بل كذلك هو في أتباع التنزيل الحكيم , و لا أدري كيف يُعتبر ذلك حكيما أو مُحكما ! (ربما هو كذلك عند ذات التنزيل , لكن في هذه الحالة تسقط صفة الحكيم بالنسبة لنا تجاه التنزيل) . و المنهج الشحروري ليس إلا {محاولة فهم التنزيل الحكيم} و كذلك {إعادة تأسيس فقه إسلامي معاصر} , و كم هي مدهشة كلمتي (محاولة) و (معاصر) ! , و كل ذلك يتلخص في نقاط أساسية يراها الدكتور {صالحة كمنطلق لقراءة ثانية للكتاب و السنة} , لكنه يحذرنا إذ أنه علينا {ألا ننسى أنها ليست القراءة الأخيرة} ! . يمكننا بعد ذلك أن نقول أن المنهج الشحروري هو منهج مذهبي , أي هو فكر مذهبي ديني , و ليس الدين ذاته . فالمنهج الشحروري من خلال ما سبق لا يلغي أو ينفي القراءات الأخرى , سواء تلك السابقة _كمثل السلفية_ أو تلك اللاحقة , هو فقط يجعل الدين متعدد القراءات مُتمذهبا بالمنهج الشحروري ! .


و يبرر المنهج الشحروري نفسه بطريقة ملتوية , لكشفها تحتاج لبعض التركيز :

1) {وعلينا أن نعي حقيقة تاريخية هامة جدا و هي أن التاريخ الإنساني حسب التنزيل الحكيم يمكن أن يُقسم إلى مرحلتين : المرحلة الأولى مرحلة الرسالات التي إنتهت برسالة محمد . و المرحلة الثانية مرحلة ما بعد الرسالات و التي نعيشها نحن} .

2) {و نحن قرأنا التنزيل الحكيم على أنه خاتم الرسالات ، بعيون و عقل عصر ما بعد الرسالات على أساس أنه جاء للأولين بمستوى ، أي قرؤوه بعيونهم و بمستوى معارفهم ، و لنا بمستوى آخر نقرأه بعيوننا و بمستوى معارفنا ، و لا يمكن أن تكون الصلاحية إلا هكذا} .

كبداية ينطلق المنهج الشحروري لإقرار {حقيقة تاريخية} من {التنزيل الحكيم} , و كان من الأولى أن يقيم حقيقة {التنزيل الحكيم} من خلال (علم التاريخ) . أما بخصوص المرحلتين , فلا نجد مانع يمنع من إضافة مرحلة ثالثة : ما بعد بعد الرسالات , مادام المنهج الشحروري يبتذل مراحل تاريخية ليبرر نفسه ! , بل و كذلك ليطلق حكما قاطعا {لا يمكن أن تكون الصلاحية إلا هكذا} ! .

كذلك لا يستنكر أو ينفي المنهج الشحروري قراءة الأولين , لكنه بطريقة يمكن أن نسميها (تحتية) يحيل الدين إلى تعددية , بجعله مُتمرحل القراءة , بالتالي يبرر نفسه كقراءة مرحلية ! .

لكن قبل كل ذلك , لا يخبرنا المنهج الشحروري عن أصله و مشروعيته من التنزيل الحكيم , بل يكتفي بسلوك مسلك غامض و ملتوي , فهو يبرر ذاته بالإعتمال في التنزيل الحكيم . إذ بدل أن يكون التنزيل الحكيم هو خالق المنهج الشحروري , يصبح المنهج الشحروري هو خالق التنزيل الحكيم . و بدل أن يضفي التنزيل الحكيم مشروعية على المنهج الشحروري , يصبح المنهج الشحروري هو من يضفي المشروعية على التنزيل الحكيم .

و بعد ذلك يحق لنا أن نغمز المنهج الشحروري في زعمه بجديته في {قراءة معاصرة للتنزيل الحكيم} , المُستند على {إختراق كثير مما يُسمى ثوابت} , إذ أن هذه الثوابت المزعومة لا تتعدى ثوابت مذهبية لا دينية الأصل , بالتالي التجديد المزعوم ليس إلا عملية (( خلق مذهب )) , ليس إلا . إذا فالقراءة هي قراءة مذهبية للدين , و ليست قراءة تجديدية للدين , و الأصول أو الثوابت المُخترقة هي مذهبية لا دينية _و إن بدا للبعض أن المذهب دين و الدين مذهب_ .



أما النقاط التي يتلخص فيها المنهج الشحروري فتتوزع بين : إيمانيات , أوّليات , لغويات , المنهج الفكري , أسس الفقه الإسلامي المعاصر .

و لنقف عند (( إيمانيات )) المنهج الشحروري :

1) {إن آيات التنزيل الحكيم عبارة عن نص إيماني و ليست دليلاً علمياً ، يمكن إقامة الحجة بواسطتها على الأتباع المؤمنين بها فقط ، أما على غيرهم فلا يمكن . و على أتباع الرسالة المحمدية المؤمنين بالتنزيل الحكيم أن يوردوا الدليل العلمي و المنطقي على مصداقيتها} .
آيات التنزيل الحكيم نص إيماني لا دليل علمي , رغم ذلك على الأتباع المؤمنين إيراد الدليل العلمي و المنطقي على مصداقيتها ! . هذا سبيل للذرائعية لتعتمل في العلوم و المنطق , فماذا لو كانت الأدلة العلمية و المنطقية ضد النص الإيماني , بالتالي ضد مصداقيته ؟! .

2) {إن التاريخ الإنساني ككل في مسيرته العلمية و التشريعية و الإجتماعية منذ البعثة المحمدية إلى أن يرث الله الأرض و من عليها ، هو صاحب الحق في الكشف عن مصداقية التنزيل الحكيم ، و هذه المصداقية ليس من الضروري أن ترد على لسان صحابي أو تابعي أو فقيه} .
ألا تتناقض هذه النقطة مع النقطة السابقة ؟! , و كذلك فيما تناولناه سابقا من الزعم بإقامة {حقيقة تاريخية} من خلال {التنزيل الحكيم} ؟! .

3) {إن الوجود المادي و قوانينه هما كلمات الله ، و أبجدية هذه الكلمات هي علوم الفيزياء و الكيمياء و الجيولوجيا و البيولوجيا و الفضاء … إلخ ، و إن الكم المنفصل (Digital) و الكم المتصل (Equations) هما آلية هذه العلوم ، و هذا الوجود مكتفٍ ذاتيا و لا يحتاج إلى شيء من خارجه لفهمه ، و هو لا يكذب على أحد و لا يغش أحداً ، و بنفس الوقت لا يساير أحداً و هو عادل في ذاته} .
يمكننا أن نفهم هذه النقطة حقا من خلال النقطة الأولى , فهذه النقطة لا تعبر عن نقطة {إيمانية شحرورية} بقدر ما تعبر عن {ذرائعية المؤمن الشحروري} . و إلا فما الداعي لوجود {كلمات الله} في هذه النقطة إن كنت لست {مؤمنا شحروريا} ؟! . و يحق لنا فوق كل ذلك أن نتساءل مُتعجبين : مادام هذا الوجود مكتفٍ ذاتيا , فما الداعي إذا إلى {التنزيل الحكيم} , هو حتما ما كان ليكون {التنزيل الحكيم} إلا لنقص في الوجود ؟! .

4) {بما أن التنزيل الحكيم هو كلام الله (...) , فوجب بالضرورة أن يكون مكتفٍ ذاتيا ، و هو كالوجود لا يحتاج إلى أي شيء من خارجه لفهمه ، هذا لإيماننا واعتقادنا بأن خالق الكون بكلماته هو نفسه موحي التنزيل الحكيم بكلامه ، و هو الله سبحانه و تعالى . لذا فإن مفاتيح فهم التنزيل الحكيم هي بالضرورة داخله ، فلنبحث عنها داخل التنزيل الحكيم و بدون صحاح و مسانيد ... إلخ و بدون قول صحابي أو تابعي ، و يمكن سماع كل الأقوال و الإستئناس بها . إن أبجدية كلام الله هي فهم المصطلحات ، (...) حيث أن المعرفة أسيرة أدواتها (...) . لذا فإن التنزيل الحكيم مطلق في ذاته ، نسبي لقارئه و نسبيته تتبع تطور نظم المعرفة و أدواتها ، و هذا ما نطلق عليه ثبات النص في ذاته و حركة المحتوى لقارئه} .
نشهد محاولة للمماثلة بين {الوجود} و {التنزيل الحكيم} , فكلاهما كلام الله , و كلاهما مكتفٍ ذاتيا , و كلاهما لا يحتاج شيء من خارجه لفهمه , نحن لا نشهد محاولة للمماثلة فقط , بل أكثر من ذلك , أننا نشهد محاولة توحيد و تطبيق {الوجود} مع {التنزيل الحكيم} ! . لكن هذه المحاولة تحمل بذاتها تناقضا رهيبا , فإن كان {الوجود} مكتفٍ ذاتيا و لا يحتاج شيء من خارجه , و في المقابل كذلك {التنزيل الحكيم} , فهذا يجعل من أحدهما للآخر نقيضا , و أي محاولة للمماثلة أو التوحيد أو التطبيق بينهما , على أساس أنهما كلام الله , تلحقهما نتيجة مفادها أن كلام الله و الله هو ذاته , بالتالي نكون أمام وجود ليس مكتفٍ بذاته , بل أمام الله ذاته , و كذلك لا نكون أمام تنزيل حكيم مكتف بذاته , بل أمام الله ذاته , فيما يشبه عقيدة الحلولية الكمونية ! .

أما بخصوص جملة {مفاتيح فهم التنزيل الحكيم هي بالضرورة داخله} , فلا تتجاوز كونها شكل من أشكال الإلتواء و المواربة الماكرة , و قد سبق و إن تناولنا حقيقة أصل و مشروعية المنهج الشحروري _إذ من ينتج الآخر : هل التنزيل الحكيم هو من ينتج المنهج الشحروري , أم العكس ؟!_ , و كذلك علقنا بخصوص {التنزيل الحكيم} في تعدّده و تغيّره كما أيضا يتعدّد و يتغيّر عند أتباعه . و أما في الجانب اللغوي فلا يعدو كونه تلاعب مُنمق , أقرب للشعوذة , فماذا يعني أن {التنزيل الحكيم مطلق في ذاته} و تفسير ذلك ب {ثبات النص في ذاته و حركة المحتوى لقارئه} ؟! , و ذلك ما يمكن أن ينطبق على أي نص أو كتاب مع بعض التلاعب و قليل من الشعوذة ! .

5) {الأساس في الحياة هو الإباحة ، و صاحب الحق الوحيد في التحريم هو الله فقط ، و هو أيضا يأمر و ينهى ، لذا فإن المحرمات أُغلقت بالرسالة المحمدية ، و كل إفتاءات التحريم لا قيمة لها . أما غير الله ، إبتداء من الرسل و إنتهاء بالهيئات التشريعية ، فهي تأمر و تنهى فقط (...) حيث أن الأمر و النهي ظرفي زماني مكاني ، و التحريم شمولي أبدي . لذا فإن الرسول لا يحرم و لا يحلل ، و إنما يأمر و ينهى لذا فإن نواهيه كلها ظرفية} .
و نجدنا بصراحة متعجبين , إذ الطرح السلفي في هذه أكثر إتزان و معقولية من الطرح الشحروري _و حين الإطلاع على التعريفات و المصطلحات الشحرورية , صُدمنا بصاحب الحق الوحيد في التحريم الذي جعل الحرام أكثر من 600 في رسالة موسى , ثم جعلها 13 في رسالة محمد ! . و قد عرفنا أن التحريم شمولي أبدي , و الأوامر و النواهي كلها ظرفية_ .

6) {إن محمدا كان مجتهدا في مقام النبوة (...) ، و معصوما في مقام الرسالة (...) ، لذا فهناك سنة نبوية و سنة رسولية ، و في السنن الرسولية أو النبوية لا يوجد محرمات إطلاقا و إنما هي أوامر و نواهٍ} .
إذا ما عساها تكون المحرمات ال13 في رسالة محمد , إن لم تكن هناك محرمات إطلاقا ؟! .

7) {إن الإيمان بالله و اليوم الآخر هو تذكرة الدخول إلى الإسلام ، و الإسلام يقوم على هذه المُسَلَّمة ، و العمل الصالح هو السلوك العام للمسلم ، و كل قيمة إنسانية عليا ليست وقفا على أتباع الرسالة المحمدية هي من الإسلام مثل بر الوالدين و الصدق و عدم قتل النفس و عدم الغش و الأمانة .. إلخ . و بما أن العمل الصالح من الإسلام ، فأبدع ما شئت ، فلك أجر أنت و من إتبعك . و رأس الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله شهادة شاهد (...) . أما شهادة أن محمدا رسول الله فهي رأس الإيمان ، و الإيمان بها تصديقا . و أتباعه هم المسلمون المؤمنون ، و كل عمل هو وقفٌ على أتباع الرسالة المحمدية و لا يقوم به غيرهم هو من الإيمان ، مثل الصلوات الخمس و صوم رمضان و نصاب الزكاة و صلاة الجنازة ، حيث أن هذه الشعائر هي من أركان الإيمان و ليست من أركان الإسلام و فيها الإبداع بدعة و مرفوض . لذا نرى أن هناك إيمانان : (...) . و بما أن الإسلام عام إنساني ، فهو الدين الوحيد الذي إرتضاه الله لعباده ، و هو دين الفطرة ، و قد تراكم من نوح حتى محمد . أما أركان الإيمان فهي ضد الفطرة تماما كصوم رمضان و الصلوات الخمس . و لا يمكن للإنسان أن يقوم بها إلا إذا أمره أحد بها و هداه إليها ، (...). لذا فإن أهم إصلاح ثقافي نحن بحاجة إليه هو تصحيح أركان الإسلام و أركان الإيمان ، حيث تم وضع أركان الإيمان على أنها أركان الإسلام ، مما أوقعنا في أزمة ثقافية و أخلاقية كبيرة جدا ، حيث أن الأخلاق و القيم العليا أصلا غير موجودة في أركان الإسلام المزعومة ، فالإسلام فطرة و الإيمان تكليف} .

تذكرة الإسلام , الإيمان بالله و اليوم الآخر , و العمل الصالح من الإسلام , بعد ذلك أبدع ما شئت , فلك أجر , أنت و من إتبعك ! . قد يكون الطرح الشحروري هنا أوسع من الطرح السلفي من ناحية توسيع دائرة المسلمين , لكنه يعطي نفس النتيجة تقريبا _في مقاربة للمقولة السلفية المُتداولة (إجتهد , فإن أصبت فلك أجران , و إن لم تصب فلك أجر الإجتهاد)_ , فإبداع أو إجتهاد التنظيمات المُسماة إرهابية و تكفيرية لا تخفى على أحد . لكن قبل ذلك هناك إشكالية تعريف و تحديد العمل الصالح , ففي حين مضينا وفق المنهج الشحروري بكون {العمل الصالح من الإسلام} بالتالي فإن العمل يتحدد بكونه صالح أو لا وفقا للإسلام , و إن بدا لغيره طالحا ! . و لو عكسنا فقلنا أن {الإسلام من العمل الصالح} لأصبحت التذكرة إلى الإسلام العمل الصالح لا الإيمان بالله و اليوم الآخر , لكن رغم ذلك تبقى إشكالية تحديد و تعريف العمل الصالح , فالعمل متى يكون صالحا و متى لا يكون ؟ , و لمن يكون صالحا و لمن لا يكون ؟ , و هل في ظروف معينة يكون صالحا و في غير ذلك لا يكون ؟ , و هلم جرا _و لا ننسى النوايا و الغايات و ما يرتبط بالأعمال بشكل عام_ .

و يعيد المنهج الشحروري ذات الإسطوانة السلفية لكن بنغمة أخرى _و لعلنا بذلك نضع أيدينا على التجديد المزعوم !_ , فالإسلام دين فطرة , لكن ليس الإسلام بأركانه الخمس كما هو مُتعارف عليه , لا , بل الإسلام وفقا لموزع التذاكر الشحروري : الإيمان بالله و اليوم الآخر فقط ! . و يرى الدكتور محمد شحرور مشكلتنا الثقافية و الأخلاقية الكبيرة سببها الخلط بين الإسلام و الإيمان , فقط ! . و لا أدري عن أي أخلاق و قيم يجري الحديث عنها , فكما تقدم بنا الإسلام هو الإيمان بالله و اليوم الآخر , ثم أبدع ما شئت ! . كما أن الحديث عن أخلاق و قيم تظهر و تختفي بمجرد تصحيح أركان الإسلام و أركان الإيمان هراء محض . و قبل ذلك الفطرة كما يخبرنا بها المنهج الشحروري متأصلة , و قد تم نفي كل تأصيل عقائدي و أخلاقي إجتماعي علميا . أضف إلى ذلك تناقض الفطرة كتأصيل , فماذا يعني أنها متراكمة منذ وقت نوح إلى محمد ؟! , و هل يحتاج الشيء المُتأصل إلى تراكم ؟! (و كونه تراكمي فهذا يعني أنه نسبي و مُكتسب لا فطري , كما يُزعم) , و لماذا ليس من وقت يسبق به نوح , ألم يكن هناك بشر قبل نوح ؟! . و لا يجب أن نتجاهل حقائق علم التاريخ من كل ذلك .


و أما مع (( أوّليات )) المنهج الشحروري , و التي نراها تكرار للنقطة الرابعة الواردة في (( إيمانيات )) المنهج الشحروري , فيورد :

{عند دراسة أي نص لغوي ، مهما كان نوعه ، لدينا الأركان التالية : المؤلف – النص – القارئ أو السامع . فالقارئ يتعرف على المؤلف من خلال النص و قراءاته له ، و ليس ضروريا أن يذهب القارئ إلى المؤلف و يجلس معه ليفهم منه ماذا يريد بكتابه . فإذا فهم القارئ النص مئة بالمئة كما أراده المؤلف ، فهذا يعني أنه دخل إلى عقل المؤلف و صار مثله في المعارف الواردة في النص . و عندما يقرأ القارئ النص فإنه يوظف معلوماته المكتسبة تلقائيا ليفهمه ، فإذا لم يفعل ذلك فإنه يعطل فكره و لا يفهم شيئا ، (...) . ففي التنزيل الحكيم ، و لله المثل الأعلى ، المؤلف هو الله مطلق المعرفة ، و النص هو التنزيل الموحى ، و السامع هو الناس محدودو المعرفة من زمن التنزيل إلى أن تقوم الساعة ، بمختلف مداركهم و معارفهم المتطورة دائما و المتقدمة دائما . لهذا ، لا يمكن لإنسان واحد ، أو لمجموعة من البشر في جيل واحد ، أن يفهم النص القرآني بشكل كامل مطلق كما أراده صائغه ، و إلا أصبح شريكا لله في المعرفة (...) . و لما كان ذلك كذلك ، و بما أنه لا وحي و لا تنزيل بعد محمد الخاتم ، يضع الأنباء في مستقرها ، و بما أن الله يعلم بعلمه الكلي إختلاف القارئ – إلى أن تقوم الساعة – في الأرضية المعرفية و في المدركات ، فجاء تنزيله يحمل ظاهرة التشابه ، أي ثبات النص و حركة المحتوى في النبوة ، و جاءت الأحكام في هذا التنزيل حنيفية ، تحمل مرونة التطابق مع المتغيرات الزمانية و المكانية ، في تحركها بين حدود الله الدنيا و العليا في الرسالة ، تاركة للمجتمع و للأرضية المعرفية في المجتمع فهمه و صنع المعاني ، و إختيار النقطة الملائمة لها ، ضمن هذه الحدود حصرا ، لتقف عليها و تأخذ بها ، و مقلدة للتشريع الإلهي في مؤسساتها التشريعية بإصدار شرائع حدودية ظرفية} .

{ففي التنزيل الحكيم , و لله المثل الأعلى , المؤلف هو الله مطلق المعرفة} , و نحن {محدودو المعرفة} , إذا {لا يمكن لإنسان واحد ، أو لمجموعة من البشر في جيل واحد ، أن يفهم النص القرآني بشكل كامل مطلق كما أراده صائغه ، و إلا أصبح شريكا لله في المعرفة} ! . لكن في ذلك ثغرة خطيرة : من أين للمنهج الشحروري أن يعرف أن فهم النص القرآني بشكل كامل مطلق كما أراده صائغه غير ممكن ؟! , أليس هذا ما يسمى (نكوص) , فإن كان المنهج الشحروري يقود لفهم التنزيل الحكيم كما أراده المؤلف {الله} , الذي هو التعدد و التمرحل و ما سبق بنا أن تناولناه , ألا يصبح بذلك المؤمن الشحروري شريك لله في المعرفة بطريقة ملتوية ؟! . هذا إن تجاوزنا عن عجز المؤلف {المطلق} عن الإتيان بنص يجبرنا أن نفهه رغم أنفنا .

إن التلاعب اللغوي _و الذي نراه مجرد شعوذة_ الذي يورده المنهج الشحروري تحت مسمى {ثبات النص و حركة المحتوى} , لا يصح فقط على التنزيل الحكيم بل و على غيره , و بذلك فهو لا يتميز بشيء عن غيره من هذا الجانب . و حجة ذلك كونها {تاركة للمجتمع و للأرضية المعرفية في المجتمع فهمه و صنع المعاني} , و التي نعتقد أن هذا يهز النقطة الإيمانية المُتعلقة بالتنزيل الحكيم الذي {لا يحتاج إلى أي شيء من خارجه لفهمه} ! _إلا أن كان الأمر , كما علقنا سابقا , تشبّه بالعقيدة الحلولية الكمونية_ .


و الآن مع (( لغويّات )) المنهج الشحروري :

1) {الألفاظ خدم للمعاني ، فالمعاني هي المالكة سياستها المتحكمة فيها . و وظيفة اللغة هي آلية التفكير و نقل ما يريده متكلم إلى سامع} . إن كانت المعاني هي المالكة و الألفاظ خادمة لها , لا يعني أن التفكير لا يتم إلا من خلال اللغة , فالتفكير يتجاوز اللغة و حصره باللغة .

2) {حين يخاطب المتكلم سامعا ، فهو لا يقصد إفهامه معاني الكلمات المفردة ، لذا فالثقافة المعجمية غير كافية لفهم أي نص لغوي ، فما بالك إذا كان النص هو التنزيل الحكيم . و المعاني موجودة في النظم ، و ليس في الألفاظ كل على حده} . و كما قيل سابقا {و لله المثل الأعلى} {فما بالك إذا كان النص هو التنزيل الحكيم} ! , و لا أدري , إن جاء أحدهم بهذا القول لكتاب آخر , هل ينعته محمد شحرور بالشعوذة و الدجل ؟! , أم يرى أنه مشمول ضمن التنزيل الحكيم ؟! .

3) {اللغة حاملة للفكر ، و تتطور معه . و هناك تلازم لا ينفصم بين اللغة و وظيفة التفكير عند الإنسان ، حتى الأحلام التي يراها النائم ، يراها ضمن حامل لغوي} . هذا التلازم ليس شرطي , إذ بالإمكان أن يكون التفكير بغير اللغة _و يكفي في ذلك متابعة نشأة اللغة_ , كما أن الأحلام التي يراها النائم , يراها ضمن حامل لغوي و لا لغوي _و ليس أدل على ذلك كون الطفل يحلم , و الحيوان يحلم_ .

4) {التنزيل الحكيم يحوي أعلى مستوى من البلاغة التي لا يمكن تجاوزها أو الإتيان بمثلها في أداء المعنى و توصيله إلى السامع . فهو الكتاب الوحيد الذي يمثل في جميع آياته الخيط الفاصل بين التطويل الممل و الإيجاز المخل ، و لهذا فعلينا أن نقرأ المسكوت عنه الذي اقتضته البلاغة} . هذه النقطة كان الأصح لها أن تكون ضمن نقاط (( إيمانيات )) المنهج الشحروري , لا هنا .

5) {التنزيل الحكيم خال من الترادف ، في الألفاظ و في التركيب . فاللوح المحفوظ غير الإمام المبين ، و الكتاب غير القرآن ، و للذكر مثل حظ الأنثيين لا تعني للذكر مثلا حظ الأنثى . و من يقول بالترادف في المفردات و التراكيب فكأنه يقول إن التنزيل الحكيم نزل على مبدأ ما أعذب هذا الكلام لا أكثر من ذلك مقارنة بالشعر الذي لا يعيبه الترادف و الكذب . و إن القول أن الناقة لها خمسين اسما ، فهذا يمثل مرحلة ما قبل التجريد النهائي في اللغة ، و يمثل بدائية اللغة ، لذا فإننا لا نأخذ به الآن} . و هذه كما النقطة السابقة مكانها ليس هنا , إذ يجوز القول بكون التنزيل الحكيم {يمثل مرحلة ما قبل التجريد النهائي في اللغة ، و يمثل بدائية اللغة} عند البعض , و لإثبات العكس يقتضي في الشارع في الإثبات أن يكون "مؤمنا شحروريا" , ذرائعيا .

6) {التنزيل الحكيم خالٍ من الحشو و اللغو و الزيادة ، فما اعتبره النحاة زائدا في النحو ، ليس زائدا في الدلالة ، و لا يمكن حذف كلمة من التنزيل الحكيم دون أن يختل المعنى ، و لا يمكن من جهة ثانية تقديم أو تأخير أي من كلماته و ألفاظه ، دون أن يفسد النظم الحامل للمعنى ، و ليس مجرد خلل في جمالية الشكل أو الوقع الموسيقي} . و هذه تتبع (( الإيمانيات )) .

7) {التنزيل الحكيم دقيق في تراكيبه و معانيه ، فالدقة فيه لا تقل عن مثيلتها في الكيمياء و الفيزياء و الطب و الرياضيات. و هذا أمر طبيعي ، فصانع هذا الكون (...) هو ذاته صاحب التنزيل ، الذي لا بد وأن تتجلى في دقته وحدة الصانع و وحدة الناموس . فلكل حرف فيه وظيفة ، و لكل كلمة فيه مهمة ، (...) . لذا فإن تطور مستوى الدقة عندنا أعلى بكثير من مستوى الدقة عند السلف ، فالكون هو الكون ، و لكن مستوى الدقة عندنا الآن في دراسة الكون أعلى بكثير مما كان عليه في القرن الماضي. و استعمال دقة العصر في العلوم و التشريع هو من أساسيات القراءة المعاصرة} . الجزء الأول من هذه النقطة يتبع (( الإيمانيات )) . لكن حقا لا نعتقد أن الدكتور محمد شحرور يقصد ب {فالكون هو الكون} هو ثبات الكون , الذي ينتظرنا نتطور و نتقدم لنكشفه هو . و القراءة المعاصرة بشكل عام تعني أن نواكب المُستجدات فهما و إدراكا , لا أن نمارس دور "سرير بروكروست" _و إن كان البروكروستية الشحرورية تختلف عن البروكروستية السلفية_ .

8) {عند تأويل آيات التنزيل الحكيم لا بد من الإمساك بالخيط اللغوي الرفيع الذي لا يجوز تركه ، و الذي يربط و يصل الشكل بالمضمون ، لأنه اذا انقطع هذا الخيط بين البنية و الدلالة ، تصبح احتمالات معاني الآية لا نهائية} . على غرار شعرة معاوية , لكن غير واضح , الخيط الشحروري ضرورة عند تأويل آيات التنزيل الحكيم ! . أليست هذه النقطة تمثل مقتل المنهج الشحروري ؟! , إذ يقيد نص التنزيل الحكيم الذي هو من تأليف {المطلق} , فيكون المنهج الشحروري هو منهج {الله} ذاته _و هذا كما مرّ بنا شرك !_ , عدا عن كونه بهذا يؤسس فهما معيّنا للتنزيل الحكيم , هو بالضرورة فهم مطلق ! .

9) {نحن ننطلق من أن إرساء أسس التدوين و التقعيد ، جاء لاحقا للسان العربي و لاحقا للتنزيل الحكيم و ليس سابقا له. (...) . إن أسس النحو و الصرف جاءت بعد أن وُجدت اللغة و اللسان و ليس قبلها . و المتأمل في هذه القواعد و الأسس ، يجد أنها تتبع النصوص كيفما تحركت ، و أنها مصاغة أصلا استخراجا مما تحركت به النصوص ، و أن الحكم في صحة القاعدة أو في عدم صحتها لما قاله العرب و سمعوه ، و نحن نؤكد أن السلطة للنص على القاعدة و ليس العكس} . و على الرغم من كون التدوين و التقعيد جاء لاحقا , إلا أن ذلك لا يعني البتة أن السلطة للنص على القاعدة , إذ إن القاعدة ما كانت لتكون إلا إستنادا على عدة (( نصوص )) و كذلك (( الكلام )) المُتداول , فلا يأتي بعد ذلك (( نص )) مُفرد ليتسلط على القاعدة . كما أن القاعدة منطقية الأصل , و النص لا يستوجب فيه ذلك , و بأي حال لا يعني قولنا هذا تصنيم القاعدة , فحتى رغم كونها قاعدة يجوز أن تُنسخ لصالح قاعدة أخرى , لأسباب هي بالضرورة منطقية .

10) {لقد جاء التنزيل يحمل في ذاته تطويرا لغويا لم يعرفه الجاهليون في لسانهم قبله . ففيه مفردات أتى بها من لغات أخرى غير العربية ، و فيه أسلوب متميز بالنظم يخرجه كلية من دائرة الشعر أو الخطابة التي عرفها العرب قبله ، و فيه مصطلحات مستحدثة إنفرد بها ، لم تكن موجودة قبله ، و هذا و أشباهه كثير كثير ، يؤكد استحالة إعتبار مفردات الجاهلية كافية بذاتها لفهم التنزيل الحكيم} . هذه النقطة جديرة أن تكون ضمن (( الإيمانيات )) , و لعل هذه النقطة صيغت في الأساس للخروج من مأزق "الشعر الجاهلي" لطه حسين و غيره ممن ذكر ألفاظ أجنبية و محدثة في التنزيل . و من هنا نتساءل بجدية : ما نفع الخيط الشحروري إن كان هنالك مفردات أجنبية و مُحدثة إنفرد بها التنزيل ؟! .

11) {لقد وضع الخليل و سيبويه قواعد اللسان العربي على مبدأ الشكل : المرفوعات و المنصوبات و المجرورات ، و هو ما يسمى بعلم النحو . ثم جاء علم البلاغة (المعاني) و كأنما هناك فصل بين النحو و البلاغة كل على حده . فسيبويه و الجرجاني و ابن جني و أبو علي الفارسي و كل علماء اللغة ظهروا في القرون الهجرية الأولى . و نحن الآن في بدايات القرن الحادي و العشرين ، نعلم أن علوم الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و الفلك و الطب و كل العلوم الأخرى تقدمت بشكل هائل لا يقاس أصلا بالماضي . و نسي علماء الدين عندنا أن علوم اللغات تطورت أيضا بشكل هائل . فكيف لم يؤخذ بعين الإعتبار هذا التطور الهائل لعلوم اللسانيات عند دراسة آيات التنزيل الحكيم لفهمها بشكل أفضل و معاصر} . هذه النقطة تتبع (( الإيمانيات )) , و إن كان بالمقدور إيرادها تحت مسمى (( الذرائعيات )) .


و الآن مع (( المنهج الفكري )) للمنهج الشحروري :

1) {لا يمكن فهم أي نص لغوي إلا على نحو يقتضيه العقل} . و في العقل إختلاف و أجناس , فأي عقل سنستعمل لنفهم نص "التنزيل الحكيم" ؟! , و هل هو عقل "التنزيل الحكيم" ذاته ؟! , فإن كان كذلك فهو شرك وفق المنهج الشحروري , و إن لم يكن كان مسلوب الشرعية إذ أنه ليس من داخل "التنزيل الحكيم" , و هو نص مكتفٍ ذاتيا أيضا وفق المنهج الشحروري , و لا يوجد مخرج من ذلك إلا بأن يُقال : أن هناك رجل في الداخل و رجل في الخارج ! .

2) {اللغة حاملة للفكر الإنساني ، لكن الفكر الإنساني يمكن أن يكون صادقا ، و يمكن أن يكون كاذبا ، و هذا يعني أن توفر الرباط المنطقي ، و صحة الشكل اللغوي في النص لا يعني بالضرورة أنه حقيقي ، و جمال التركيب اللغوي و متانته في النص لا يعني بالضرورة أنه صادق . و من هنا لا يمكن الإقتصار على إعجاز التنزيل بالقول أنه استعمل مختلف أدوات و أساليب البلاغة و البيان التي عرفها العرب ، بل يجب بالإضافة إلى ذلك الإيمان بأن النبأ القرآني صادق و حقيقي . و كل من يعمل في حياته للبرهان على صدقية التنزيل الحكيم في أنبائه و واقعيته في تشريعاته فهو من الصدّيقين . لقد كان يعنيني كثيرا صدق النبأ في النص القرآني ، و واقعية التشريع في آيات الأحكام أكثر مما يعنيني جمال التركيب و الصياغة فصدق النبأ الإلهي عندي أهم من تصديق المراجع كائنا من كان مؤلفها} . و هذه النقطة مكانها ضمن (( الإيمانيات )) , لا هنا . لكن لا مانع أن نتساءل : مثلما أن {اللغة حاملة للفكر الإنساني} , ألا تكون كذلك "اللغة حاملة للفكر الإلهي" ؟! , لكن ألا تكون "اللغة" مُقيّدة و مُعيبة لل {المطلق} ؟! , إلا إن كانت اللغة هي من {المطلق} _لكن هذا يعيدنا إلى إشكالية التشبه بالعقيدة الحلولية الكمونية_ .

3) {بالإضافة إلى أن التنزيل الحكيم يحوي المصداقية ، أي أنه صادق متطابق مع الواقع و مع القوانين الطبيعية و الفطرة الإنسانية ، فهو أيضاً يحوي الأهمية و هو خالٍ من العبث و من الأخبار غير المهمة و المعروفة عند الناس (...)}. و هذه كذلك مكانها ضمن (( الإيمانيات )) .

4) {لا يمكن فهم التنزيل الحكيم ، من خلال فهم الشعر الجاهلي و مفرداته ، فالمجتمع الجاهلي له أرضيته العلمية و علاقاته الاجتماعية و الجمالية و الأخلاقية ، التي جاءت مفردات شعره عاكسة لها و معبرة عنها و مقيدة بها ، و نحن لا نجد كلمات أو مفردات عند العرب وقتها ، تدل على الجاذبية الأرضية أو على كرويتها ، لأنهم لم يعرفوها أصلا . و لو حصرنا فهم التنزيل الحكيم بها ، لما حق لنا أن نقول إن المكتشفات الحديثة العلمية أكدت مصداقية القرآن . و من هنا قلنا إن المجتمعات هي التي تشارك في صنع المعاني حسب تطور معارفها ، لكن هذه التطورات نفسها محسوبة في التنزيل ، بحيث مهما امتدت و اتسعت ، فسيجد الإنسان أنها منسجمة مع النص القرآني ، مصدقة له ، و دائرة في فلكه} . هذه النقطة تعطينا مثالا على (( الذرائعية الشحرورية )) : {و لو حصرنا فهم التنزيل الحكيم بها ، لما حق لنا أن نقول إن المكتشفات الحديثة العلمية أكدت مصداقية القرآن} . و العجيب أن "التنزيل الحكيم" و هو المُكتفي ذاتيا و لا يحتاج لما هو خارجه : {المجتمعات هي التي تشارك في صنع المعاني حسب تطور معارفها} , و لا يجد الدكتور محمد شحرور من فظاظة أن يقول بعد ذلك {هذه التطورات نفسها محسوبة في التنزيل} , و على نسق سرير بروكروست {بحيث مهما امتدت و اتسعت ، فسيجد الإنسان أنها منسجمة مع النص القرآني ، مصدقة له ، و دائرة في فلكه} ! .

5) {التنزيل الحكيم كينونة في ذاته فقد جاء من عند إله هو كينونة في ذاته (موجود في ذاته) ، و يظهر هذا جليا في ثبات النص .. و بتعبير آخر ثبات الذكر في صيغته اللغوية المنطوقة . إن النص اللغوي المنطوق للتنزيل هو الشكل الثابت فيه ، الذي لا يخضع لا للصيرورة و لا للسيرورة . و لا أحد يملك الإدراك الكلي للتنزيل الحكيم في كلياته و جزئياته ، حتى و لو كان نبيا و رسولا ، لأنه يصبح بذلك شريكا لله في علمه الكلي ، و شريكا لله في كينونته بذاته ، تعالى الله عما يصفون . و لكننا نستطيع الإحاطة به تدريجيا من خلال الصيرورة المعرفية النسبية المتحركة ، و تصبح الإحاطة كلية يوم تقوم الساعة ، أي عند قيام الساعة و البعث و الحساب يتم التأويل الكامل و النهائي للقرآن . إن الإنسان يقرأ التنزيل الحكيم ضمن مستوى معارفه و أدواته المعرفية و مشاكله الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و إشكالياته المعرفية ، فيجد فيه أشياء لم يجدها غيره ، و يفهم منه أشياء لم يفهمها غيره . و هذا يثبت أن التنزيل يحمل صفة الحياة ، و انه كينونة في ذاته ، و أنه سيرورة و صيرورة لغيره ، و هذا ما نعنيه دائما حين نتحدث عن ثبات النص و حركة المحتوى و الجدل بين النص و المحتوى . من هنا فإن التنزيل الحكيم يحمل دائما صفة القراءة المعاصرة . فأنت حين تقف كقارئ في نقطة معينة من التاريخ ، منطلقا من نظام معرفي معين ، حاملا إشكاليات اجتماعية و معرفية معينة ، ستفهم من التنزيل ذي النص اللغوي الثابت أمورا ، سيفهم غيرك غيرها مع تغير إحداثياته و منطلقاته . هنا فقط نستعمل المنطق (قوانين العقل)} .

التنزيل الحكيم كائن في ذاته , و هو كذلك لأن الله كائن في ذاته , و الدليل على ذلك هو {ثبات النص} أو {ثبات الذكر} _و هي الصيغة اللغوية المنطوقة للتنزيل الحكيم_ ! . أما مسألة فهم و إدراك "التنزيل الحكيم" فقد سبق و تناولناها , لكن يزيد عما سبق بقوله بالقدرة على الإحاطة تدريجيا ! . و لا يثير العجب إلا قوله بأن الإحاطة الكلية لل "التنزيل الحكيم" ستكون يوم تقوم الساعة , و لا أدري ماذا سيهم وقتها الإحاطة بالتنزيل الحكيم ؟! . أما بقية النقطة فهي شعوذة , و الزعم بإستعمال المنطق ليس أكثر من إنتهاج نهج ذرائعي .

6) {إن التنزيل الحكيم هو كلام الله غير المباشر ، أما كلمات الله فهي الوجود بفرعيه الكوني و الإنساني ، و هي القوانين الناظمة لهذا الوجود بفرعيه أيضا . فمن فهمنا لكلمات الله نفهم كلامه . أي أن مصداقية كلام الله (الرسالات السماوية) لا تظهر إلا في كلماته (الوجود الموضوعي الكوني و الإنساني) ، و ما علينا لنفهم كلامه إلا أن ندرس كلماته في الوجود الكوني و الإنساني بسننه و قوانينه . لكن فهمنا لهذه السنن و القوانين يخضع للسيرورة و الصيرورة ، و عليه نقول إن فهمنا لكلام الله بالتالي فهم متطور غير ثابت ، بينما كلام الله ثابت في كينونته كنص} . لا أدري إن كان المقصود بالفرع الإنساني هو المجتمع و قوانينه , فهذا يفتح النار على المنهج الشحروري بجعل ذاته مطابقا للمنهج السلفي في نظرته للمجتمع و قوانينه . أما فيما يتعلق بالكلام , المباشر و غير المباشر , و ربط ذلك بالتنزيل و الإله و الوجود , كله يصب في إشكالية التشبّه بالحلولية الكمونية , أو فهو يعرض تناقضا جذري في المنهج الشحروري الذي أكد كما سبق و تناولنا على إستقلالية و إكتفاء كل من الوجود و التنزيل ! . و أما فيما يتعلق بفهمنا لكلام الله , فعجبي كيف يرضى هذا الإله بأن يكون نصه "التنزيل الحكيم" كالطلاسم التي نسعى لأدراكها و فهمها , و المُفترض أن يكون النص هو الذي يسعى لتدريكنا و تفهيمنا أياه , بلا حذلقات و تمويهات لا داعي لها بين (( الله )) و (( نحن )) . فعجبي من هذا (( الإله العابث )) الذي يُلغزِنْ رسالته و يُغمْضِنها ؟! .

7) {التنزيل الحكيم هدى للناس و رحمة للعالمين ، و من هنا فهو يحمل الطابع الإنساني لا العروبي ، و يجب بالتالي أن نرى مصداقيته رأي العين في كل أنحاء العالم و ليس في المجتمع العربي فقط ، و على مر العصور و الدهور و ليس في عصر النبوة و الصحابة فقط . أي أن التنزيل يحمل الخاصيتين التاليتين: آ – الوحي لا يناقض العقل (...) . ب – الوحي لا يناقض الحقيقة (...)} . و هذه النقطة مكانها ضمن (( الإيمانيات )) . لكن بخصوص {التنزيل الحكيم هدى للناس و رحمة للعالمين} , فهذا يتناقض مع عبث الإله كما بيّنا بالنقطة السابقة , فأي هدى و رحمة هذا مع التلغزنْ و التغمْضنْ ؟! .

8) {إن القرآن يؤكد النظرية المادية في المعرفة الإنسانية و هو أن العلم يتبع المعلوم و أن المعلومات تأتي من خارج الإنسان عن طريق الحواس و الوحي (الإلهام) و غيرها . أما أن المعلوم يتبع العلم فهو من صفات الله فقط} . و لئن كان القرآن الشحروري يؤكد النظرية المادية في المعرفة الإنسانية , فهذا لا يعني , كما قد يتوهم البعض , أن النظرية المادية في المعرفة الإنسانية تؤكد على القرآن الشحروري , إلا أن تكون "مؤمن شحروري – ذرائعي" .


(أما النقاط الثلاث الآتية فلا تعليق عليها – اللهم في كونها رغم تمظهرها البريء , إلا أنها تعتمل لغايات شحرورية , مما يجردها من ظاهرها البريء : و هذا ما يتجلى لنا بوضوح في النقطة رقم "12") .
9) {إن المعرفة الإنسانية تقوم على مبدأ التقليم (تمييز الأشياء بعضها عن بعض) يتبعها التسطير ، و هو ضم الأشياء بعضها إلى بعض في نسق و هو ما نطلق عليه التصنيف . و الفؤاد هو الإدراك المشخص بالحواس و هو الذي يعطي المادة الأولية الخام للفكر و العقل} .
10) {إن مبدأ الكم و الكيف (العدد و الإحصاء – القدر و المقدار) هو النافذة التي يطل بها الإنسان على العالم الخارجي . فيبدأ الإنسان بالكيف ثم ينتقل إلى الكم و العكس} .
11) {إن عناصر المعرفة الإنسانية بالعالم الموضوعي هو المادة و البعد و الموقع و الحركة . و من هذه العناصر الأربعة تنتج الوظيفة و التطور} .
12) {إن العالم الموضوعي في التنزيل الحكيم يقوم على جدلية أساسية هي الصراع بين البناء و الهلاك ، و النصر دائما للهلاك . و من هذه الجدلية نستنتج الجدليات التالية في الطبيعة : آ – جدلية التناقضات في الشيء الواحد (...). ب – جدلية الأزواج – التأثير و التأثر المتبادل – بين الأشياء (...). ج – جدلية الأضداد (في ظواهر الأشياء أو في السلوكيات) : الليل و النهار – الفجور و التقوى – الهداية و الضلال} . و يمكن ذكر هذه النقطة دون أي داع لذكر {التنزيل الحكيم} و آياته .

13) {إن أساس الحياة الإنسانية هي الحرية و هي القيمة العليا المقدسة و فيها تكمن عبادية الناس لله . و هي الكلمة التي سبقت لأهل الأرض . و العبودية غير مطلوبة أصلا لا من الله و لا من غيره . و إن كان هناك عبودية أصلا فهي لغير الله حتما} . ما أجملها من كلمة : {الحرية} , لكن ما عساها تكون , كيف يُعرّفها المنهج الشحروري ؟ , و إستنادا على ماذا ؟ . نحن نعلم أن الغزو الإسلامي أو الفتح الإسلامي قام على فكرة {الحرية} , و التي تتمثل بكل وقاحة بالتخيير بين ثلاث : الدخول في الإسلام - دفع الجزية – القتال ! . و ما دام المنهج الشحروري أحاط {الحرية} بهالة فجعلها {قيمة عليا مقدسة} , فمن الواجب تعريفها , و الأتيان بالمرتكزات و المسانيد على التعريف , فيتم تناول التعريف على المكشوف الواضح , لا الموارب الغامض . أما بخصوص التلاعب اللفظي بين {العبادية} و {العبودية} فهي محاولة سخيفة للإنتصار لل {القيمة العليا المقدسة} : {الحرية} ! . فأي ساذج أحمق تسأله عن الفرق بين (( عبادية الناس لله )) و (( عبودية الناس لله )) , سيجيبك بأنه لا فرق , مجرد تلاعب لغوي . و القائل بالفرق ليس إلا متوهم .


و أخيرا تأتي (( أسس الفقه الإسلامي المعاصر )) في المنهج الشحروري , و لن نتناولها لسببين : الأول يُعتقد بما سبق أكثر من كافٍ لإصدار حكم على المنهج الشحروري ككل , الثاني أنها "أسس فقه" .


و في الختام نترك الحكم للقارئ ليحكم على المنهج الشحروري : أيصمد أم يصمت ؟ . و يمكن الرجوع إلى الصفحة الوارد فيها المنهج بالموقع الرسمي للدكتور محمد شحرور :
http://www.shahrour.org/?page_id=3








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah