الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرام النوعي لسلوك المرحاض في المجتمع العراقي

محمد لفته محل

2015 / 9 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الحديث عن سلوك المرحاض أمر معيب اجتماعيا وينم عن الفظاظة وقلة الأدب لكل واحد منا، ويثير التقزز والاشمئزاز عند المستمعين، لكن المجتمع نفسه لا يجد حرجا بالتدخل في توجيه سلوك الأفراد بالمرحاض بالتفاصيل بدأ من الدخول بالقدم اليمنى مع الدعاء الخاص بها إلى طريقة التشطيف و(الخرطات التسعة) حتى الخروج! دون أن يثير فينا تقزز وعيب وحرج! حيث ترتبط عندنا روحيا بالطهارة والنجاسة وليست مكان للفضلات فقط لهذا قاومت المرحاض أي تغيير ثقافي وافد لها حتى أصبح هناك مرافق شرقية في مقابل مرافق غربية! فنحن نقلد الغرب في كثير من الأشياء دون أن يصل إلى المرحاض؟ فلماذا نتجنب الحديث عنها وهي مكان للطهارة؟ ولماذا نتهم الغرب بالنجاسة لكون مرحاضه مختلف عن مرحاضنا لأنهم يتمسحون بالمناديل وليس بالماء؟ كل هذه الأسئلة تجعلني أتخطى الانتقادات الاجتماعية للحديث عن هذا الموضوع من منظور الحرام النوعي.
من أكثر الأشياء التي حضيت بأسماء وتوريات هي المرحاض فسميت (تواليت، مرافق، خلاء، حمام، مغاسل، بيت الراحة، دورة مياه، دبل يوسي، صحيات(1)) وفعل التغوط كذلك لا يسمى صراحة فيقال (ادخل تواليت، رايح للحمام، عندي ثقيلة، ألبي نداء الطبيعة، أقضي حاجتي) واسم البراز لا يلفظ صريحا كذلك فيسمى (خروج، ثقيل، نجاسة) وفي اللغة الفصحى يسمى (براز، غائط، فضلات) ولا تلفظ التسمية الصريحة إلا عند الشتيمة والمزاح والغضب وبين الأصدقاء (خره، زراب) والبول كذلك يستعاض عن تسميته الصريحة (درار، خفيفة) وتصل درجة المنع الصريح للتسمية إلى لفظ النقيض للنجاسة فتسمى (طهارة) إذا كان الشخص ملوث بماء غائط أو مجاري مراحيض! والتواليت تخضع للفصل للجنسي كما هو معروف تواليت للرجال والنساء وهي ظاهرة عالمية. أن للمرحاض وظيفة روحية كونها مكان للنجاسة والطهارة في نفس الوقت بالمعنى الروحي التي تفرق عن النظافة الطبيعية، فهي مسكن الشيطان وهناك دعاء خاص بالدخول للمرحاض ويجب أن يدخل المؤمن بقدمه اليمنى، ويجب أن يتنظف الداخل فيها بالماء وفي وضعية الجلوس فقط ويمنع منعا باتا البول وقوفا لأنه ينجس الإنسان وتذهب عنه الطهارة الروحية، عندها أي ملامسة له تنقل النجاسة للآخرين فلا يجب مصافحته أو ملامسته، فالماء ليس وسيلة تنظيف بل هو غاية لأنه يطهر الجسد روحيا من النجاسة ولا يجب التنظيف بغيره أبدا من هنا اتهام الغرب بالنجاسة لأنه يتنظف بالمناديل وليس بالماء، ويجب استخدام الإبريق وليس خرطوم مياه (صونده) خوفا من ملامستها ارض المرحاض أو ملامسة جسد غير طاهر، لهذه الأسباب الروحية لمكانة المرحاض أصبح تسميتها الصريحة نجسة ولا تلفظ إلا بأسماء مرادفه أو تورية ويجب أن تسبق لفظها (تكرم) وهي تعني احترام واعتذار عن لفظها أمام الشخص الآخر، وهي رديف كلمة (حاشا)، وهذه الأشياء واجب اجتماعي إجباري عدم الالتزام يعني قلة الأدب والنجاسة، والمجتمع يعلمنا أخلاقيات الدخول والخروج فإذا رأيت الباب مغلق يجب أن تطرقه وعلى من في الداخل بالنحنحة (أحم أحم) وإذا أردت إدخال ضيفك لمرحاض بيتك يجب أن تقول له (أتكرم) ورغم تأثير البروك على مفاصل كبار السن فان التحريم من المرحاض الغربية ظل إلى أن تم ابتكار مرحاض إسلامية محورة عن المرحاض الغربية يجلس فيها الإنسان كالكرسي لكن لا يوجد في حوضها ماء حتى لا يتناثر على الأفخاذ والمؤخرة، وبذلك صار عندنا مرافق شرقية وإسلامية! وإذا صادف أن يدخل المسلم مرحاض غربية فانه لا يجلس عليها بل يعتليها ويستخدم ماء القناني بدل المنديل.
بعد الوصف الحيادي للسلوكيات الاجتماعية للمرحاض كيف نستطيع أن نفسر أصلها من منظور الحرام النوعي؟ سأبدأ بالسؤال كيف احتوت المرحاض على صفتين متناقضتين هما النجاسة والطهارة؟ ولماذا يحرّم لفظ التسميات الخاصة بها وبوظيفتها؟ الإجابة على هذه الأسئلة هي من ستعطي المقالة مبرر وجودها بوجه الرافضين أخلاقيا لها، وتفسر ازدواجية المرحاض عندنا، ولماذا هذه الأهمية التي أعطاها المجتمع لها وخصص أخلاق وفروض دينية في التعامل معها؟ لم يخصصها للمطبخ أو الاستقبال أو للنوم؟ أن جميع الصفات التي ذكرتها بالمرحاض هي بعض من خصائص (التابو=الحرام) فهذا التحريم في لفظ الاسم الخاص بالمكان والوظيفة والنجاسة والطهارة كلها تعطينا مفتاح الأحجية، ويخطئ من يظن أن هذا التحريم نابع من النفور الطبيعي من الفضلات؟ والسؤال لماذا المرحاض دون غيرها خصت بهذه التحريم وهناك أشياء قذرة مثل حاوية النفايات وغسالة الملابس والمطبخ لم تحضى بهذا التحريم؟ ويجيبنا الحرام النوعي لأنه السلوك الذي يقترب به الإنسان من الحيوان الذي هو نجسا، ولا عجب حين يسمي البعض الذهاب للمرحاض (أللبي نداء الطبيعة)، والطهارة هي التي تفصل الإنسان عن الحيوان (الطهارة والنجاسة بالمعنى الديني)، وهذا التصنيف الأول الذي وضعه المجتمع بين الإنسان والحيوان ووضع حظرا (تابو) على انتهاكه، فحين يشعر الإنسان بأنه نجس يبيح لنفسه انتهاك المحظور خصوصا حين تكون النجاسة لاإرادية كحالة المرحاض، وعندما تمارس الأنا الحرام النوعي السلبي على نفسها فتصبح الأنا حيوان أو شيطان لا يأبه للانا الأعلى(2) لهذا يكثر اللواط والعادة السرية بالمرحاض وهو التفسير ذاته الذي به نفهم لماذا يكتب الإنسان على جدار المرحاض جمل ونكات ورسوم بذيئة وجنسية، والمسلم يجب أن يكون طاهرا حتى يستطيع التواصل مع الله ومع المسلمين، وعليه بعد عملية التغوط يجب عليه أن يتطهر حتى يستطيع التواصل مع أقرانه وربه، لهذا السبب جمعت المرحاض صفتين متناقضتين وحضت بهذه الأهمية الاجتماعية، فهي فعل نجس يجب أن يخرج منه الإنسان طاهرا بواجب البروك والغسل بالماء، وهي سميت (حمام) لأنها نظير الاستحمام يجب أن يتطهر الإنسان من النجاسة مثلما ينظف جسده من الأوساخ، وهذا أسلوب التطهير بالماء المفروض الغرض منه عدم التواصل مع الأديان الأخرى كونهم نجسين، فالمرحاض احد وسائل الحفاظ على الإسلام من الغرباء في الأديان الأخرى مثلها مثل تحريم اللحم الحرام (غير المذبوح على الطريقة الإسلامية) وتحريم الزواج من غير المسلمين. ونحن حين نعظم شخصا فإننا لا نفكر به يدخل المرحاض ومعروف أن بعض الناس تعتقد أن الشخصيات ألمقدسه كالأنبياء لا يدخلون المرحاض، وهناك مزحة بين الشباب تستخدم لكسر الانبهار بامرأة جميلة فمجرد القول (أنها تزرب مثلنا)، وإذا أردنا الاستهزاء بشخص فنقول عنه (أبو خرية) وهو كما قلت لأنه فعل حيواني نجس ينزل بالإنسان إلى مرتبة الحيوان والشيطان.
مع ذلك فالمرحاض من الجانب النفسي تعتبر وسيلة راحة أي إشباع رغبة طفولية سماها عالم النفس (سيغموند فرويد) الطور الايروسي الشرجي حين كان الطفل يحصل على اللذة من احتفاظه بالبراز وإفراغه فيما بعد عبر الصارة التي تتيح له الحصول على اللذة، وعلى أساس هذه الرغبة سميت المرحاض (بيت الراحة) ولا ننسى أن كلمة (راحة، ارتاحيت، يرتاح) هي ذاتها التسمية التي تطلق شعبيا على اللذة الجنسية، وكثير منا يفكر بقضايا وقد يحلها بالمرحاض، والتفكير معلوم انه يأتي وقت الراحة والصفاء الذهني وهذا ما توفره عملية التغوط باللذة التي يستشعرها.
ــــــــــــــــ
1_تسمى انابيب مجاري المياه الثقيلة وكل ما يمت لها من صنابير ومغاسل (صحيات) في المجتمع العراقي ولا تسمى باسمها الصريح لكون لفظها محرم أو مكروه اجتماعيا.
2_في حياتنا اليومية حين نفعل سلوكا شائنا نبرره بقولنا (آني ما استحي، لابس وجه جينكو، آني ابن قحبة، آني ابن كلب، آني ساقط، آني كبحي"أي قبيح") الخ أي انه يُسّقط نفسه حتى ينتهك المحرمات والالتزامات فمثلما لا عتب على الحيوان أخلاقيا كذلك لا عتب أخلاقي على الأنا المتحيون (أي تحول لحيوان)، وهذا مثل تقريبي على ممارسة التحريف النوعي السلبي على الأنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا