الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذات الشاردة

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2015 / 9 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الذات الشاردة( كلمات مهداة الى الارواح المغادرة لجسدها)
محمد طه حسين
سطور ألهبت كلماتها من شرارة الأحرف التي تحتك ببعضها غضبا، و تحتضن فيما بينها تارة اخرى هوسا في البكاء و صرخة الغربة عن الافواه،سطور تنتظم بنيانها من هشاشة العبارات التي تلم شمل الذوات الشاردة لبني جلدتي. عبارات لا تصف اغوار كائنات غابت عن ملذات الآله و هربت عن آلام اهلها و لا ترتفع الى مصاف الحقائق التي تصور هذه الذوات على خلقتها الأصيلة الممتلئة بالماضي السحيق و الفارغة من مستجدات الحال و الحاضر.
عبارات ليست اثقل من بعضها و لا توزن مقاطعها بموازين التعبير الهارموني، نكوص صوب الماضي و هروب الى الأمام، هذه هي جدلية الحركة لمجتمع أجدادي الذي ينتج الكائنات بشروط قبل تأريخية كي تبقى خارجة عن زمني البداية و النهاية لصلاحيات التعاطي.
ذوات لا تعيش الحاضر و لا تنتبه حركية الأشياء من حولها شاردة من معاكسات التأريخ و وقائع المحيط، تحمل ثقلا احدب ظهرها حيث لا ترى بأعينها امامها و لا تدرك الا حسيا، و هذا هو أصل الخصاء العقلي الذي اصابت به هذه الذوات.
ذوات شابة لا تحتمل شراسة الصراعات الحياتية التي تتحتمها الحياة في الزمن الحاضر، تميل هذه الذوات الى جغرافيتي الشر من جانب و الخير من الجانب الآخر. التجائها لجغرافية الشر يفرغها من لهيب غرائزها العدوانية و يفسح لها فسحة ممارسة سادية الجنس و القتل و النهب و يسنح لها مجالا واسعا لتنفيس نزواتها الحيوانية الأخرى.
أما التجائها لجغرافية الحياة و الخير يخدمها في الحصول على ما تحركها من حاجات اساسية فسيولوجية و أمنية التي افتقدتهما في موطنها، كلا الجغرافيتين تمارس فيها الكائنات المتشردة غرائزها اللاعاقلة، كل هذه النزوات تتشرد الفرد من زمكانيته في الواقع الحياتي له.
الوجود في الزمان و المكان الحقيقي يعطيك أصالة الهوية الوجودية الحقيقية التي لا تمارس بغير العقلانية المندمجة مع معطيات الحاضر. الوجود و البقاء في (الآن) الكردستاني و ال(هنا) المكاني هو أصل الاشكالية التي يعاني منها الفرد الكوردستاني و التي تجبره دائما الى تركهما (الزمان و المكان) و الذي تتجسد الترك هذا في الهجرة ذات الجذور السايكولوجية الاغترابية العريقة المغروسة في البنيان الذهني و الفكري للمجتمع.
اتعاطف دوما مع معلمي باشلار حين يكتب اجمل و أدل العبارات عن البيت.
هنا بعض من عباراته الثاقبة لمجاهيل البيت التي لحد الآن لم نكتشفها الى حين كتابته لأهمية المكان في (جماليات المكان) هو يقول فيه:-
• البيت جسد و روح و هو عالم الأنسان الأول ، قبل ان (يقذف بالأنسان في العالم) كما يدعي بعض الفلاسفة الميتافيزيقيين المتسرعين فأنه يجد مكانه في مهد البيت. و اي ميتافيزيقا دقيقة لا تستطيع اهمال هذه الحقيقة البسيطة لانها قيمة هامة،نعود اليها دائما في احلام يقضتنا. الوجود اصبح الآن قيمة،الحياة تبدأ بداية جيدة ، تبدأ مسيجة، محمية دافئة في صدر البيت.
• الآن يتضح هدفي:- يجب ان ابين ان البيت هو واحد من اهم العوامل التي تدمج افكار و ذكريات و احلام الانسانية، و يمنح الماضي و الحاضر و المستقبل البيت ديناميات مختلفة كثيرا ما تتداخل أو تتعارض و في احيان تنشط بعضها بعضا. و لهذا فبدون البيت يصبح الانسان كائنا مفتتا ، انه البيت يحفظه عبر عواصف السماء و اهوال الأرض.
• يشير باشلار الى مقتطف شعري ل( ريلكه):-
البيت، قطعة المرج، يا ضوء المساء
فجأة تكتسب وجها يكاد يكون انسانيا
انت قريب منا للغاية،تعانقنا و نعانقك.
وصف المكان و البيت داخله عند باشلار لا ينتهي بهذه السهولة و السرعة، باشلار يبني البيت من مكونات الكون و يزج الانسان فيه كمكون رئيسي آخر ، في النهاية يمتزج المزاج الانساني بمزاج المكان يتعانقان و يحتضنان البعض، هذا ليسا حبا نزويا لأجل ملذات آنية تأتي و تزول بقدر ما هو عشق يبعث عن السعادة التي تتكامل بها شخصية الانسان كفرد ممثل لروحانية الآله.
المكان يتحرك وفق مزاج الكون و قوانينه التي لا نفهمها الى الآن، يعادل اختلالاته بفعل جدلية الكون و تحولاته الفيزيائية و لكننا ليس بمقدورنا فهم انفسنا كمكان بايولوجي ضيق لذاتنا و لهذا بقينا مغتربين عنها و عن المكان و لا زلنا هاربين منه و نعود عنوة اليه.
الانسان عندما انتقل من مبدأ مسايرة الطبيعة الى مبدأ الصراع معها برزت فيه طاقة عقلية كانت الاستعداد لظهورها وراثيا و لكن السحرة من البشر و المشعوذين تلاعبوا بعقول الناس ليبعدوهم عن ذواتهم الاصيلة و هذا هو اصل الارتداد التي انحرف بنا كأناس انبتنا طبيعتنا ككائنات مزودة بالاستعداد العقلاني.
الهروب المليوني الذي يحدث الآن باتجاه الغرب هو اللجوء الى العقل و لكن ايشفينا العقل بعد ان دمرنا مكاننا و اخليناه ؟! .
فلنفق من غيبوبتنا الأزلية و لنرجع الى مكاننا و زماننا، أنا لا اترك أرضا امتزجت معها كيميائيا و فيزيائيا و روحيا، أنا بشر ذو كبرياء (هنا) افقد كبريائي (هناك)، انا اعيش الحاضر بكل قساوته و لا امتلأ بزمان الآخرين الذين يسبقونني بمائتي عام.
انا مع السفر و لست مع الهجرة، فالنسافر الى العالم و نزور الآخرين، فالنهجر الى الارض الأم والنهجر الى ذواتنا الاصيلة. أبقى هنا و لا أترك أرضي لمن لا يحبها و يعشقها و يفهما مثلي.
............
* كاتب و اكاديمي - اربيل / كردستان العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟