الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نوري السعيد / الحلقة العاشرة

حامد الحمداني

2015 / 9 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



رابعاً: نوري السعيد يتآمر لإسقاط حكومة المدفعي:
كان نوري السعيد كما ذكرنا قد هرب حال سماعه بتقدم قوات الانقلابيين نحو بغداد، ومقتل صهره وزير الدفاع [جعفر العسكري]، والتجأ إلى السفارة البريطانية التي قامت بدورها بنقله خفية في سيارة السفارة ممداً في الحوض الخلفي للسيارة وقد غطي بالسجادة لإخفائه عن الأنظار، كما جاء في كتاب [ دي غوري] ثلاث ملوك في بغداد،الصفحة 157 حيث تم نقله إلى قاعدة الهنيدي [ معسكر الرشيد] حالياً، ومنها تم نقله بطائرة بريطانية إلى القاهرة، حيث مكث فيها فترة من الزمن، ثم انتقل إلى [لندن].

بدأ نوري السعيد في لندن بنشاطات واسعة واتصالات مع المسؤولين البريطانيين للعمل على التخلص من بكر صدقي وحكومة حكمت سليمان، وعندما جرى اغتيال بكر صدقي، وتم إسقاط حكومة حكمت سليمان، وجرى تكليف السيد[ جميل المدفعي] بتأليف الوزارة، حاول نوري السعيد العودة إلى بغداد، وفي ذهنه تسلم السلطة، والانتقام من الانقلابيين، والضغط على جميل المدفعي من أجل استقالة حكومته مستعيناً بثلاثة من كبار قادة الجيش، وهم العقيد [صلاح الدين الصباغ ] و[العقيد فهمي سعيد] و[الفريق طه الهاشمي].

رفض الملك غازي، ورئيس الوزراء جميل المدفعي عودته، وطلبا من السفارة البريطانية تأخير عودته لفترة من الزمن ريثما تهدأ الأوضاع، ويتم تجاوز أحداث الانقلاب، وقد أجرى السعيد اتصالات مع العقيدين صلاح الدين الصباغ، وفهمي سعيد عن طريق ولده صباح من أجل التوسط لدى المدفعي لتسهيل عودته، وقد تمكن العقداء من إقناع المدفعي بعد أن تعهدا بأن يمتنع السعيد عن ممارسة أي نشاط ضد الحكومة.

وهكذا عاد السعيد إلى بغداد في 25 تشرين الأول 1937 وهو متعطش للانتقام من قتلة صهره جعفر العسكري، وتشريده وإبعاده عن السلطة، فلم تمضِ سوى خمسة أيام على عودته حتى باشر في حبك المؤامرات محرضاً العقداء الأربعة قادة الجيش على إزاحة حكومة المدفعي، فما كان من المدفعي إلا أن توجه إلى السفير البريطاني يشكوه من تصرفات نوري السعيد، وطلب منه أبعاده إلى خارج العراق في الوقت الحاضر على الأقل، أو القبول بمنصب وزير العراق المفوض في لندن. وبالفعل أوعز السفير البريطاني للسعيد بمغادرة البلاد، حيث بقي بعيداً عن العراق حتى تشرين الأول 1938. (11)
قامت الوزارة بإحالة عدد كبير من ضباط الجيش المحسوبين على بكر صدقي على التقاعد، وعينت آخرين بدلاً منهم، كما شنت الحكومة في 18 تشرين الثاني حملة شعواء ضد المشتبه بقيامهم بنشاط شيوعي وأحالتهم إلى المحاكم التي أصدرت أحكاما بالسجن ضد معظمهم .

وفي 18 كانون الأول باشرت الحكومة بإجراء الانتخابات البرلمانية بنفس الأسلوب الذي درجت عليه الوزارات السابقة، حيث تقوم الحكومة بترشيح العناصر المؤيدة لها، وتفرضهم على المنتخبين الثانويين فرضاً، وبذلك استطاعت الحكومة إبعاد كل العناصر اليسارية عن المجلس الجديد، كما جرى أبعاد جميع العناصر العسكرية أيضاً.

خامساً:إسقاط حكومة المدفعي بضغط من العسكريين:
منذ أن عاد[ نوري السعيد] و[طه الهاشمي] إلى العراق، بعد أن ثبّت حكومة المدفعي مركزها في الحكم، أخذا يمارسان الضغط على الحكومة لمحاكمة رجالات الانقلاب، والحكم بإعدامهم، لكن حكومة المدفعي لم تكن ترى من مصلحة البلاد اللجوء إلى ذلك، وبالتالي عارضته بشدة.

وبسبب هذا الموقف سعى كل من السعيد وطه الهاشمي إلى إسقاط الحكومة بالقوة، مستعينان بما عرف بالعقداء الأربعة، قادة الجيش الذين أخذ دورهم في الحياة السياسية يتنامى في أعقاب الدور الذي لعبوه في إسقاط حكومة حكمت سليمان، وهم كل من [صلاح الدين الصباغ ] و[فهمي سعيد] و[محمود سلمان] و[كامل شبيب]، وقد انضم إلى جانبهم عدد من الضباط الناقمين على بكر صدقي.

شعر جميل المدفعي بما يدبره له نوري السعيد، وطه الهاشمي، ورشيد عالي الكيلاني من مكيدة، فسارع إلى نفي الكيلاني إلى [عانة]، وحاول نفي العقداء الأربعة، ومعهم العقيد [يوسف العزي] والعقيد [عزيز ياملكي] .

لكن نوري السعيد كان أسرع حركة منه، واستطاع أن يرتب الأمر مع العقداء الأربعة للقيام بانقلاب عسكري لإسقاط الحكومة، وحدد له موعداً في 24 كانون الأول 1938، وقام العقداء المذكورون بتهيئة قواتهم للقيام بالحركة، أرسلوا العقيد [عزيز ياملكي] إلى جميل المدفعي يطلبون منه الاستقالة فوراً. كما أرسلوا الفريق [ حسين فوزي ] رئيس أركان الجيش، وهو من المشاركين في التمرد على الحكومة، إلى الملك غازي ليطلب منه إقالة حكومة المدفعي . (11)
استاء الملك غازي من تصرف الضباط ، ومن وراءهم نوري السعيد وطه الهاشمي، وأراد أن يستخدم القوة لقمع التمرد، لكنه تراجع عن موقفه بعد أن وجد جميل المدفعي ينوي الاستقالة، ليجنب البلاد إراقة الدماء، وربما يحدث ما لا يحمد عقباه فآثر الاستقالة في 24 كانون الأول 1938، واضطر الملك غازي تحت ضغط العسكريين إلى تكليف نوري السعيد بتشكيل الوزارة الجديدة. (12)

سادساً: نوري السعيد يشكل الوزارة وينتقم من الانقلابيين:

عاد نوري السعيد ليشكل حكومته الثالثة بضغط مباشر من العسكريين على الملك غازي الذي كانت تتقاذفه أمواج الزمرة السياسية المتعاقبة على سدة الحكم، والتي تسير بهدى وتوجيهات السفارة البريطانية، واضطر الملك غازي وهو الذي لا يطيق رؤية نوري السعيد، إلى دعوته إلى تشكيل الوزارة على مضض، في 25 كانون الأول 1938.

وهكذا قبض الثنائي نوري السعيد ـ طه الهاشمي على أخطر الوزارات الداخلية والخارجية والدفاع إضافة إلى رئاسة الوزارة، ثم عاد نوري السعيد بعد يومين، فعين[ ناجي شوكت] وزيراً للداخلية. (13)
كان أمام الوزارة السعيدية مهمة حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة، حيث أن حكومته لا تتمتع بتأييد أغلبية أعضاء المجلس، وكان في جعبة نوري السعيد الانتقام من خصومه السياسيين، وعلى رأسهم الملك غازي، وحكمت سليمان، والعديد من الضباط الذين آزروا بكر صدقي في انقلابه، وتسببوا في مقتل صهره جعفر العسكري، وزير الدفاع في حكومة الهاشمي.

ففي 22 شباط 1939 استحصل نوري السعيد إرادة ملكية بحل المجلس النيابي، لكن الحكومة تلكأت في إجراء الانتخابات بحجة قيام حكمت سليمان بالتعاون مع عدد من الضباط بمؤامرة مزعومة لقتل عبد الإله و50 شخصية سياسية، وضباط كبار في الجيش كانوا مدعوين في قصر الأمير إلى مأدبة عشاء.

وفي حقيقة الأمر، وكما ورد على لسان العديد من الوزراء، وأعضاء المجلس العرفي الذي شكله نوري السعيد لمحاكمة المتهمين بالمؤامرة بأن المؤامرة المزعومة كانت من صنع [نوري السعيد] الذي كان يضمر لحكمت سليمان، والضباط [حلمي عبد الكريم ] و[إسماعيل عباوي] و[جواد حسين] و[عبد الهادي كامل] و[علي غالب] روح الانتقام، وينتظر الفرصة المناسبة لذلك حيث أحالهم إلى المحاكمة أمام المجلس العرفي العسكري الذي حكم على حكمت سليمان وأربعة من كبار الضباط بالإعدام، وعلى أثنين آخرين بالسجن لمدة 7 سنوات.
لكن نوري السعيد لم يستطع تنفيذ حكم الإعدام بسبب عدم موافقة الملك، وتم استبدال الحكم إلى السجن المؤبد بالنسبة لإسماعيل عباوي، ويونس عباوي، وجواد حسين، فيما خفض الحكم على حكمت سليمان إلى السجن لمدة 5 سنوات، وسيق إلى السجن، وأصيب هناك بمرض صدري وبقي في السجن حتى قيام حركة رشيد عالي الكيلاني في عام 1941
حيث أطلق سراحه من السجن. (14)
التوثيق:
(11) فرسان العروبة ـ صحيفة 91 ـ صلاح الدين الصباغ.
(12) الخلاف بين البلاط الملكي ونوري السعيد ـ صحيفة 56 ـ خيري العمري.
(13) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء الخامي ـ صحيفة 66 ـ الحسني .
(14) نفس المصدر السابق ـ صحيفة 72 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة