الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللانهاية في المدرسة الأيونية

مازن ريا

2015 / 9 / 13
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


اللانهاية في المدرسة الأيونية*:
إن الكلمة اليونانية per as تترجم عادة "كحدّ" أو "قيد" في حين يدل ape iron على الذي ليس له حدّ per as أي غير محدود أو غير مقيد،أي اللانهاية. ومن هذا الجذر اللغوي للكلمة كان بحث عدد من الفلاسفة اليونانيين في اللامتناهي بوصفه مبدأً وأصلاً للوجود.
أول من تحدث عن اللامتناهي في تلك الحقبة كان "انكسميندريس" (610-547) ق.م حيث افترض أن المادة الأولى التي تتكون منها كل الأشياء هي ape iron رافضاً رأي معلمه طاليس القائل: (( إنَّ أصل الأشياء هو الماء، لأن مبدأ الأشياء الأول لا يمكن أن يكون معينا ً لذا أطلق على المادة الأولى التي هي مبدأ الأشياء اللامتناهي، وهي لا متناهية بمعنيين من حيث الكيف، أي لا متعينة، ومن حيث الكم أي لا محدودة ))1 .
يرى انكسيمندريس أن مبدأ الأشياء يجب أن يكون لا متناهي الامتداد ليشمل كل الوجود ((أصل الكون مادة لا شكل لها ولا نهاية ولا حدود))2 ، وهذه المادة هلامية مما يجعل تجلياتها في الوجود لا متناهية، ولما كانت غير متعينة من ناحية الكيف ،فإنها غير محددة من ناحية الكم، لذا اعتقد انكسميندريس أنَّ هذه المادة تمتد إلى ما لانهاية في المكان، وينتهي انكسميندريس إلى القول: بعوالم لانهاية لها توجد وتفنى، حيث إن الفناء تكفير عن وجود هذه العوالم اللانهائية وهذه العوالم لا توجد معاً إنما توجد متتابعة، فإذا فني الواحد وجد الآخر الذي يليه.
أما "هيراقليط" فيتجلى الصراع بين المتناهي واللامتناهي عنده في مبدأ التغير والصيرورة والذي يفترض فسادا وكوناً مستمرين، فالفساد هو تناهي الشيء في حين أن التكون المستمر هو عملية لا متناهية حيث نجد الحركة الشاملة والصيرورة الشاملة مصدرهما وحدة الأضداد، ((الأشياء في تغير متصل))3 ، ((والشقاق أبو الأشياء وملكها))4 ، وصراع الأضداد لا متناهي لأنه صراع مستمر في عالمنا المادي، (( وهذا العالم هو واحد بالنسبة للجميع لم يصنعه واحد من الآلهة أو البشر وإنما كان منذ الأزل وهو الآن وسيكون دائماً ناراً لا تخبو أبداً تشتعل بقدر وتنطفئ بقدر))5
وبالتالي فإن فكرة اللانهاية عند "هيرقليط" تبدو بشكل واضح من خلال نظرته إلى العالم حيث يفترض أن العالم ليس له بداية ولانهاية، وهو في حركة دائمة وتحول مستمر، بحيث لايوجد شيء دون حركة أو تغير ((الأشياء في تغير متصل، أنت لا تنزل النهر الواحد مرتين، فإن مياهاً جديدة تجري من حولك أبداً))6 ، ثم ينتهي إلى القول بوجود دورات كونية لا متناهية العدد ما أن تنتهي دورة حتى تبدأ دورة كونية أخرى، ((ويستمر هذا العالم في التغير والتطور حتى ينتهي تطوره إلى حد يفنى فيه كل الوجود، ثم يأتي من جديد وجود آخر يبدأ من حيث انتهى الوجود الأول ويكرر تمام التكرار الوجود السابق))7 .
ولذلك يمكن القول وفقاً ل "هيرقليط" إن جملة العالم ككل، الذي يحكمه التغير والتطور، هو متناهٍ ثابت من حيث هو تكرار لا متناهٍ لما سبقه، فالعالم الجديدككل لا يختلف عما سبقه، إلا في اللحظة الزمنية.
وتتجسد فكرة اللانهاية عند "أمبيدوقليس" بالقول إن العالم منظم وفق دورات كونية، هذا العالم يتحرك حركة لا متناهية تأخذ شكل الحركة الدائرية على اعتبار أن الدائرة أقوى وأكمل الأشكال الهندسية فهي متصلة ولذا ((سيرورة العالم دائرية وليست لها بداية أو نهاية ))8وبما أن الدورة الكونية ليس لها بداية أو نهاية إذا فهي ذات حركة لا متناهية.
ويتعين المتناهي عند "ديمقريطس" بوجود جزء غير قابل للانقسام سماه الذرة في حين يتجلى اللامتناهي من خلال وجود عدد لا متناه من الذرات المتناهية إذ ((اعتبر أن المادة مكونة من أجزاء لا تتجزأ، أطلق عليها اسم الذرات، وهذه الذرات لا متناهية العدد، وتتحرك في الخلاء حركة ذاتية لا متناهية، وبفعل حركتها تلك يتم اتحادها وانفصالها، فيحدث الكون والفساد))9 .
أما عند "انكساغوراس فإن اللانهاية تبرز من خلال القول بفكرة قابلية المادة للانقسام إلى ما لانهاية، وذرات المادة الواحدة عند انقسامها تظل محافظة على الكيف ذاته، إلا أن طبيعة الذرات عند "انكساغوراس" تختلف عن الذرات عند"ديمقريطس" في أمرين اثنين:: الأول لا يوجد أبدا ما هو بسيط لا يقبل القسمة، أي أنها تقبل الانقسام إلى مالا نهاية له، والأمر الثاني الذرات عند "انكساغوراس" متحركة بفعل محرك مفارق لها وهو العقل .
لكننا لا نجد عند "ديمقريطس" تعليلا لماذا الذرة جزء لا يتجزأ؟ كما لا نجد تعليلا عند "انكساغوراس" لماذا الذرة قابلة للانقسام إلى ما لانهاية؟
وماهي مبررات افتراض أن الذرات لا متناهية العدد والحركة عند كليهما؟
المراجع والمصادر
* المدرسة الأيونية: نشأت هذه المدرسة في مقاطعة أيونيا بآسيا الصغرى على ساحل البحر المتوسط، بحثت في أصل الوجود من اشهر فلاسفة هذه المدرسة طاليس،انكسمندر، انكسمين، هيرقليط .1-كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة اليونانية، دار القلم، بيروت،د.ت،ص14.
2-أمين،أحمد/محمود،زكي نجيب، قصة الفلسفة اليونانية،دار الكتب المصرية،القاهرة،1935،ص23.
3-بدوي، عبد الرحمن، ربيع الفكر اليوناني، دار القلم، بيروت، 1979،ط5،ص100.
4-كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة اليونانية، ص17.
5-رسل، برتراند، حكمة الغرب، ترجمة فؤاد زكريا،ج1، عالم المعرفة، العدد 62، 1983،ص14.
6-ستيس، وولتر، تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار الثقافة، القاهرة، 1984، ص70.
7-بدوي، عبد الرحمن، ربيع الفكر اليوناني، دار القلم، بيروت، 1979،ط5،ص141.
8-ستيس، وولتر، تاريخ الفلسفة اليونانية،ص70.
9- بدوي، عبد الرحمن، ربيع الفكر اليوناني،ص151.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقاب محمود ماهر القاسي لجلال عمارة بعد خسارته التحدي.. ????


.. قتل قادة في حزب الله وحلفائه بمقراتهم وسياراتهم.. اختراق أمن




.. ctإسرائيل تعزز سياسة الاغتيالات في لبنان.. مقتلشرحبيل السيد


.. عبر مسيّرة إسرائيلية.. مقتل شخصين في الهجوم الإسرائيلي على س




.. كتائب القسام تستهدف دبابة -مركافاه- وناقلة جند إسرائيلية بقذ