الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مظاهر العنف كثيرة، فهو يمارس بأشكال متنوعة.

بلقاسم بن علي

2015 / 9 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يبدو أن مظاهر العنف كثيرة، فهو يمارس بأشكال متنوعة. هناك العنف الفزيائي من ذلك مثلا القتل و الاغتيال، لكن هناك العنف السيكولوجي أو الأخلاقي، مثل التعذيب عن طريق العزل. كما يوجد العنف الاقتصادي من خلال استغلال الطبقات أو البلدان الضعيفة. مثلما، أن هناك عنف الأنظمة التوتاليتارية ذو الأهداف السياسية و عنف العنصرية... إلخ و اللائحة طويلة إلى درجة تدفع إلى إثارة السؤال عما إذا كان هذا التعدد في صور العنف و أشكاله يعبر عن واقع ثابت أم أن استعمال مفهوم وحيد لا يعكس الإختلافات بين مظاهره ليس من الناحية الكمية فحسب. و إنما أيضا الجوهرية. إنه يوجد في كل مكان. و يمكن استعماله كموضوع للبروباغندا و إلا كعنصر من عناصر تاكتيك للوصول إلى السلطة و المحافظة عليها. إذا أدى العنف إلى تدمير الوجود برمته أو جزء منه، فإن العنف المنجز قد يكون أداة في خدمة مشروع يمكن ألا يكون عقلانيا، لكن شروط استعماله تبدو قابلة للعقلنة.يمكن أن نسلم بصفة أولية أن العنف يوجد كلما كان هناك إلحاق للأذى بالغير بصفة جسدية أو نفسية، سواء أخذنا الغير كفرد أم كجماعة أو مجموعة بشرية. إذا اعتبرنا هذا التعريف جيدا يجب أن نتصور العنف كواقعة تاريخية و يتحدد بإعتباره كمحرك أو دينامو للتاريخ من وجهة نظر معينة، و يقوم على استخدام القوة بشكل غير مشروع لسبب من الأسباب. فكيف يمكن مراقبة العنف و التحكم فيه إذا كان يجب أن نبدأ بقبول حضوره الجذري في الإنسان؟ لقد أنتجت البشرية على مدى التاريخ آليات و وسائل للحد من العنف حيث يعتبر الدين و الثقافة كعنصرين كابحين للعنف بشكل معنوي و أخلاقي، على أن أهم تقنية للتحكم في العنف تتمثل في التنظيم السياسي للمجتمع ينبني فيه هذا الأخير في صورة مؤسسات حديثة تجتث العنف و تجعل استخدامه حكرا على جهاز الدولة. و في هذا السياق تبرز الديموقراطية كنظام يتطلع إلى القضاء على العنف و تدبير الخلافات و الصراعات السياسية بكيفية حضارية تقوم على قوة القانون و ليس على قانون القوة: فإلى أي حد نجحت الدولة الحديثة في القضاء على العنف؟ و هل من حق الفرد أو الجماعة ممارسة العنف من أجل فرض ما يعتقد أنه حق و عدل و خير؟
المحور الأول:أشكال العنف:
ما طبيعة العنف؟
أفرز التاريخ البشري أشكالا متعددة من العنف، يمكن أن نميز ضمنهما بين نوعين، هما: العنف الجسدي المادي المباشر و العنف الرمزي. وكلاهما يمارس بطرق و وسائل متعددة تتطور باستمرار بقدر تطور العلم و التقنية. و ليس أن تكون هذه الأشكال دائما ظاهرة، ذلك أن العنف يتحقق أيضا من خلال أشكال متخفية مثلما هو الأمر في ما يشير إليه الفيلسوف الفرنسي إيف ميشو. و بما أن هذه الوسائل أصبحت في متناول الكل: أفرادا، جماعات ودول، فإن العنف يصير أكثر فتكا. كما أنه أضحى أكثر اتصالا بالإعلام، على اعتبار أن هذا الأخير يسخره عن طريق نشره أو السكوت عنه. و يخلص هذا الفيلسوف إلى أن الفعالية المضاعفة التي تم التوصل إليها فيما يخص أشكال التحطيم و التخريب . فإبادة مجموعة بشرية ما. كإبادة مزروعات، و تهديد حياة الملايين من الناس تتطلب وسائل و تنظيما لم يسبق له مثيل.
من حيث إن العنف أصبح قابلا للحساب و التحكم فإنه يمكن أن يحقق مردودية حيث أصبح من الممكن فرض السيطرة بواسطة التعذيب و القمع و التهديد به. فهل معنى هذا أن العنف هو ما يشكل ماهية الإنسان؟ هل الإنسان كائن عنيف بطبعه؟ هل يوجد العنف في طبيعة الإنسان؟
ان مجمل هذه التسؤالات تطرح نفسها بالنظر إلى قدم الظاهرة واستمرارها عبر التاريخ البشري، و هو يتعلق بما إذا كان الإنسان شغوفا بالتدمير. يجيب الفيلسوف و عالم الإجتماع و المحلل النفساني الألماني إيريك فروم عن هذا السؤال. بالتالي فإن التدمير ليس سلوكا ينتج بصفة عملية عن غريزة تدميرية توجد في طبيعة الإنسان بقدر ما ينتج عن دوافع ونزعات ليس من الضروري أن تكون طبيعية وذات علاقة بالممارسات والشعائر الطقوسية الدينية. ويترتب عن ذلك أن الطبيعة البشرية ليست هي التي تولد العنف وإنما هناك طاقة تدميرية كامنة تغديها بعض الظروف الخارجية والأحداث المفاجئة هي التي تدفع به إلى الظهور. وأما المقصود بالعنف الرمزي فهو مختلف أشكال العنف غير الفيزيائي القائمة على الحاق الأذى بالغير بواسطة الكلام أو اللغة أو التربية أو العنف الذهني. وهو يقوم على جعل المتلقي يتقبل هذا العنف. مثال ذلك العنف الرمزي الذي تقوم به الإديولوجيا من حيث هو عنف لطيف وغير محسوس. يعرف عالم الإجتماع الفرنسي المعاصر بيير بورديو هذا الشكل من العنف بالقول أنه هو ذلك الذي وبلغة أخرى و بالنظر إلى أن هذا العنف رمزي فإنه يمارس بوسائل رمزية، أي التواصل و التلقين والمعرفة.
المحور الثاني: العنف في التاريخ:
كيف يتولد العنف في التاريخ البشري؟
يتحدد وجود كل مجتمع بشري – حسب ماركس - بوجود صراع بين طبقتين اجتماعيتين، الأولى تمتلك وسائل الإنتاج و الأرض و الثانية لا تمتلكها. وذلك منذ أقدم المجتمعات البشرية و أكثرها بدائية إلى المجتمعات الرأسمالية المتطورة. و هكذا، فإن صراع الطبقات الإجتماعية يمكن أن يتخذ أشكالا فردية لا واعية عند الأفراد أنفسهم، كما قد يتخذ طابع صراع نقابي أو سياسي أو إيديولوجي واضح المعالم. كتب الفيلسوف الألماني كارل ماركس في هذا السياق السابق: > و قد أصبح الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي بين البرجوازية و البروليتاريا. وبالمقابل يرى المفكر الفرنسي روني جرار أن أساس العنف هو تنافس الرغبات، و ذلك أن الرغبات الإنسانية تخضع لقانون المحاكاة، أي كرغبات في ما يرغب به الأخرون، وهكذا فإن الصراع الإنساني يتولد عن صراع أو تنافس بين الرغبات. و إذا صح أن الرغبات تتشكل و تتطور من خلال المحاكاة، فإن العنف سيكون معديا من خلال انتشاره في الجماعة من فرد إلى أخر. و دواء هذا المرض المعدي هو القتل. وهذا الطرح يرجع بنا إلى تصور الفيلسوف الأنجليزي طوماس هوبز حول جذور العنف الذي يعتقد فيه أن مصدر هذا الاخير ثلاثي، و يتمثل في: التنافس، الحذر ، الكبرياء. و هي مجتمعة أسباب توجد في الطبيعة الإنسانية. الأول يجعل الهجوم وسيلة لتحقيق(( المنفعة ))، الثاني وسيلة (( للأمن )) و الثالث وسيلة لحماية (( السمعة )). على أن العنف له صلة أيضا بالتقديس و بالحقيقة.
المحور الثالث: العنف و المشروعية:
هل يمكن الإقرار بمشروعية العنف من زاوية الحق و القانون و العدالة؟
يرى عالم الإجتماع الألماني ماكس فيبر أن جوهر السلطة هو ممارسة العنف، و أنها وحدها تملك الحق و المشروعية في استعماله. من أين ينبع هذا الحق أو المشروعية؟ إنهما يرتدان إلى التعاقد الإجتماعي الذي بموجبه يتنازل الشعب للدولة عن حق استعمال العنف على أساس نظام سياسي حديث يتميز بتقسيم السلط و مراقبتها لبعضها و بإجراء انتخابات بصورة منتظمة من أجل تشكيل هذه السلطة. و بالتالي يصبح العنف مرتبطا بالدولة الديموقراطية الحديثة التي تضبط العنف و تحتكر استعماله. و يستشهد ماكس فيبر في هذا الصدد بقولة تروتسكي : > و هذه هي ميزة عصرنا الحالي، بحيث أنه لا يحق لأي كان استعمال العنف إلا عندما تسمح الدولة بذلك . فهذه الأخيرة > و ستكون السياسة هي (( مجموع الجهود المبذولة من أجل المشاركة في السلطة أو من أجل التأثير على توزيع السلطة )). لكن هل استخدام العنف حق مشروع لكل أشكال الدولة بما فيها الدولة الاستبدادية أم هو حق فقط للدولة القائمة على أساس ديموقراطي حديث؟ الإجابة عن هذا السؤال بالقول: إن عنف الدولة لا يكون مشروعا إلا عندما تكون هذه الدولة قائمة على أساس مشروع أي على التمثيلية، الإنتخابات، الحريات العامة، التعددية السياسية، و تداول السلط، و فصل السلطة. لكن يفترض هنا ان العنف هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على العنف أي مواجهة القوة بالقوة. و ضد هذه الفكرة يطرح غاندي المفكر و الزعيم الهندي أن العنف رذيلة، و إذا كان العنف قانونا حيوانيا، فإن اللاعنف هو القانون الذي يحكم البشر. و يعرف هذا الأخير على النحو التالي:((ا لغياب التام للإرادة السيئة تجاه كل ما يحيى )) إنسانا كان أم حيوانا أم نباتا، > الصداقة ستكون حلا لمشكلة العنف، إذا أصبحت عامة بين الأفراد و الأمم. و ذلك ليس فيه تخلّ عن الصراع الإنساني، بل على العكس من ذلك فاللاعنف مناهض للشر لكن بوسائل الخير. إن القوة الحقيقية بهذا المعنى هي قوة الروح التي تستطيع أن تنجح في جعل اللاعنف ينتصر على العنف و السلام على الحرب و القوة الروحية على القوة الفزيائية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عالم مغربي: لو بقيت في المغرب، لما نجحت في اختراع بطارية الل


.. مظاهرة أمام محكمة باريس للمطالبة بالإفراج عن طالب اعتقل خلال




.. أكسيوس: مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يوافق على توسيع عمليا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من الطلاب المتضامنين مع فلسطين ب




.. مئات المحتجين يحاولون اقتحام مصنع لتسلا في ألمانيا.. وماسك ي