الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التاريخانية في قراءة التراث الفكري الإسلامي

هشام حمدي

2015 / 9 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ أواخر القرن التاسع العشر وبداية القرن العشرين بدأت محاولة العلماء والمفكرين لما أسموه إعادة قراءة التراث وطرح مشروعات فكرية للنهوض بالأمة والتحرر والانعتاق مما أطلقوا عليه أسر الحضارة الغربية، فكانت أفكار محمد عبده وأطروحات تلميذه جمال الدين الأفغاني وقبلهما رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين وغيرهم، ومحاولاتهم للتوفيق بين النص الشرعي "المشكل من المقدس والبشري" وبعض الإبداعات الغربية بفروعها الفلسفية والنظرية، لكن هذه الأفكار والأطروحات في قراءة النص القرآني والسني النبوي ظلت حبيسة داخل المحيط التداولي الإسلامي للنصوص محتفظة بطريقة الاجتهاد المتعارف عليه في السياق المعرفي الإسلامي.
ثم في خمسينيات القرن الماضي بدأت موجة أخرى من المشروعات الموجهة للتعامل مع النص الشرعي، ومع هذه الموجة بدأت منهجية قراءة النص الشرعي بواسطة المناهج الحديثة وخاصة في مجال قراءة القصص القرآني والذي يتضمن مادة تاريخية دسمة، كما ورد عند الكاتب محمد أحمد خلف الله في كتابه "الفن القصصي في القرآن الكريم" والذي جاء في أطروحة طه حسين التجديدية والحداثية التي اصطدمت مع الأفكار السائدة والتي أثارت موجة جدا عالية من الانتقاد بكتابيه "ذكرى أبي العلاء" و "في الأدب الجاهلي" ثم صاحب المقولة الشهيرة أول التجديد قتل القديم بحثا وفهما ودراسة الشيخ الأزهري والكاتب الرائع أمين الخولي في كتبه "مناهج تجديد" و "المجددون في الإسلام" و "كتاب الخير" هذا الأخير هو عبارة عن محاضرات في فلسفة الأخلاق من الفكر الشرقي القديم حتى عصره والتي يدافع فيها بشراسة عن نظرية التطور لتشارلز داروين والفلسفة التطورية مع هيربرت سبنسر و لزلي ستيفن وأمثالهما، حيث استخدموا في قراءتهم لتلك القصص آليات أسموها العقل الإنساني التاريخي، فريق آخر من المفكرين كانت مشاريعهم تستمد آلياتها من خارج نطاق التداول الإسلامي للاجتهاد والتأويل بالاعتماد على مناهج حديثة في قراءتها للنص وهو ما ينحو منحى قراءة النص الشرعي باستخدام العقلانية وكان من روادها محمد عابد الجابري بكتابيه "كتاب التراث والحداثة - دراسات و مناقشات ط1 ص 35 مركز دراسات الوحدة العربية" "كتاب تكوين العقل العربي – ط1 ص 134 و ص 347 دار الطليعة بيروت " أو تتجه نحو اتجاه القراءة التفكيكية للنص الديني والكشف بنظرهم عن استغلال منطقة الفراغ أو اللا مفكر فيه كما يحب تسميته محمد أركون (كتاب صادر بالإنجليزية سنة 2002 - ما لم يفكر فيه بعد في الفكر الإسلامي المعاصر) في ذلك النص مستعينا بالحفر الأنثروبولوجي والأركيولوجي والقراءة السيميائية لهذا النص.
لقد اتخذ بعض المفكرين والباحثين من القراءة التاريخية منهجا لدراسة النص الإسلامي بشقيه القدسي والسني النبوي، ورغم الثغرات المنهجية التي تعاني منها هذه القراءة لابتنائها على القول بنسبية النصوص الدينية انطلاقا من رؤيتهم بأن السياقات الثقافية المنشأة على النصوص الإسلامية هي سياقات نسبية، كذلك تأثر هؤلاء بفكرة سادت في العلوم الاجتماعية وتعتقد بنسبية جميع القوانين الإنسانية والاجتماعية ومنها الأديان.
إن التيار أو الاتجاه التاريخي هو اتجاه يحكم بعدم شمولية القوانين المختلفة ومنها الأحكام الشرعية، ما يعني بالقول بتاريخية النص الديني أي نسبيته فيما يتضمن من أحكام ونسبيته فيما يرسِي من تصورات ومسائل عقدية ونسبيته فيما يحث عليه من أخلاق وآداب، تلك النسبية التي تعني أنه صالح فقط لبيئته الاجتماعية التي انطلق وتكون في إطارها وعليه مادامت الأزمان قد تغيرت والأمكنة قد تبدلت فلا مناص من القول بلزوم التخلص من النتاجات التاريخية التي أضفى عليها التاريخ صفة القداسة، هذه الدعوة لها ما يستتبعها من النواحي الفكرية والاجتماعية والسياسية حيث أنها تصل بالضرورة إلى النداء بفصل تام بين الدين والدولة في مجال السياسة والحكم كأهم رؤية قريبة قد تشكلت عن المقدمات التي سلفت.
كما أن هذا الاتجاه يهدف لدى أنصاره إلى الحد من الامتداد المتأسلم زمانا ومكانا بأكبر قدر ممنوح ومتاح، هذا الطرح في السياق الإسلامي أدى إلى تصعيدات كبيرة وتصدعات كثيرة في الفكر الإسلامي، حيث ساعد الخطاب الحداثي التنويري التحرري وبعض القراءات التراثية على اتساعه إلى درجة الانفصال عن النص الديني ورفضه كمرجعية أساسية لمختلف انشغالات العلم الاسلامي، هذا الأمر يفتح الباب أما تساؤل آخر أخطر وهو ما موقع التاريخ في بناء العقل والفكر الإسلامي عقيدة وفقها وأيضا حول مدى واقعية ونفعية المنهج التاريخي في تحليل وتأويل ما يتضمنه الدين الإسلامي رؤى وأفكار وأطروحات.
إن البحث عن الفكر الإسلامي الأصيل يخوض نزاعا مخيفا وصراعا عنيفا مع نقيضه التكفيري التفجيري والصهيوني الغربي والعربي في دائرة فارغة من الجدال العلمي ومفرغة من السجال الإيديولوجي ولم يتجاوز ذلك حتى الآن إلى تأسيس وفاق فكري وأفق معرفي جديد، فإذا كان الفكر الإسلامي يجعل الله قائل النصوص هو محور اهتمامه ونقطة انطلاقه فإننا في المقابل كمسلمين ينبغي أن ننطلق من جعل المتلقي أي الإنسان بكل ما يحيط به من واقع اجتماعي وتاريخي هو نقطة البدء في الفهم والتحريك نحو الفاعلية التطبيقية.
أخيرا، إن معضلة الفكر الإلغائي أنه يبدأ من تصورات مغلقة عن الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية وعلاقة كل منهما بالأخرى، ثم يتناول النصوص الدينية جاعلا إياها تنطق بتلك التصورات والعقائد التي يريدها وبعبارة أخرى نجد المعنى والفهم مفروضا على النصوص من خارجها وهو حتما معنى إنساني تاريخي يحاول الفكر الديني دائما التحرر منها ولكن الفكر الإلغائي يلبسها لباسا ميتافيزيقيا ليضفي عليه طابع الأبدية والسرمدية في آن واحد.
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ


.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا




.. اتهامات بالإلحاد والفوضى.. ما قصة مؤسسة -تكوين-؟


.. مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف




.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي