الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ام ميلاد .. صورة ام عراقية في الغربة

مؤيد عبد الستار

2015 / 9 / 17
المجتمع المدني


امراة عراقية الارومة لها وجه نوراني تأنس بالحديث اليها حين تضع صينية الشاي امام الضيوف بينما يرحب المناضل المعتق ابو ميلاد بالجميع في بيته المتواضع ، الذي فرضت مصاعب الغربة مساحته التي تسع بالكاد الاصدقاء من مختلف المشارب ، تجمعهم روح العناد لمواجهة اقسى دكتاتورية عرفها العراق ..
في بيت الصديق طلال شاكر ( ابو ميلاد ) تجلس امام صينية الشاي وكأنك احد افراد الاسرة رغم انك تزورهم لاول مرة . كان ذلك اللقاء خلال زيارتي لسوريا من اجل اتمام مراسم الزواج ، يوم قررت ان اعقد قراني في دمشق عام 1987 .
في تلك السنوات العجاف كان النظام الصدامي يحكم قبضته على الوطن ، فلا احد من المعارضين لنظامه يستطيع اختراق المطار او الحدود ليحل ضيفا على الاهل . منع السفر ، منع زيارة الوطن ، منع الكلام كان سمة ذلك العهد الصدامي اللعين ، كل شيئ ممنوع في عرف دكتاتور جاهل تميز عهده بالغباء، والبديل كان بلاد الشام .. دمشق .
كان انتشار العراقيين في الاحياء الدمشقية القديمة كثيفا .. استأنست في الحي الشهير مساكن برزة حيث كان العديد من المعارف والاصدقاء يعيشون هناك ،واجمل ما كان يبهجني هو تلك اللقاءات الحميمة بين العراقيين ، والتعاطف الكبير من سكان الحي السوريين ، بحيث لم يكن احدنا يشعر بالغربة ، كانت المشاعر الفياضة والودية تزيل الحدود بين العراق والشام .
كان بيت ابو ميلاد واسرته الصغيرة منتدى مصغرا للعراق ، يتسع للجميع في حوار متواصل طويل من اجل فهم وتحليل الظواهر السياسية التي تحيط بنا ، والبحث عن طرق لتذليل العقبات امام العمل السياسي المناهض للديكتاتورية ، وايجاد السبل لتسهيل لقاء الاصدقاء والمناضلين في بلد تعصف به مشاكل الحرب ويفتقر الى الكثير من لوازم العيش الكريم ، حيث كان العوز وقلة مصادر الرزق والتمويل تفرض التـقـتـير على الجميع ، بينما كانت الفرصة تتاح لنا حين كنا نقدم من الجزائر مع بعض الفائض من النقود لعقد لقاءات حميمة مع الاصدقاء وترتيب بعض الاماسي التي تشيع البهجة في النفوس ، وتقديم بعض التبرعات للقوى السياسية المناضلة ضد الدكتاتورية .
في تلك الاجواء كانت السيدة ام ميلاد منارة عطاء تفيض برعايتها ومشاركتها افراح واتراح الجميع ، تشد العزم من اجل استمرار وهج العلاقات الاخوية والانسانية بين العراقيين في وقت كان البعض يفرض المقاطعة اسلوبا للتعامل في الوسط السياسي المتشنج بازمات الواقع المتخلف لبعض المسؤولين في قوى اليسار والتقدم على عكس المرجو منهم في تلك الظروف بالغة الصعوبة .
رحلت ام ميلاد قبل ايام قليلة ، طوت بساط العمر بعجالة مفاجئة بعد سفر طويل في بلدان الغربة ، متنقلة من بغداد الى بيروت ثم الى الشام ، واخيرا في ربوع المنفى الحقيقي السويد منذ عام 1990 مجبرة على تحمل مصاعب العيش في بلاد لا تمت لها بصلة قرابة او بلسان ، ولكنها مع ذلك كانت تسير بكبرياء بين دروب الغربة القاسية ، تقابل الواقع المر بجنان ثابت لا يلين في مواجهة قسوة النظام الصدامي الذي شهدت نهايته بسعادة لا توصف ..
وداعا ام ميلاد .. لك من ابنائك تحية وسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الذكر الطيب للمرحومة ام ميلاد-مع تحياتي لك ورجاء
الدكتور علي الساعدي ( 2015 / 9 / 17 - 21:53 )
اشاركك الاحوان بوفاة الام العراقيه المظلومة والمناضله ام ميلاد وخصوصا في ديار الغربه لعائلتها الكريمه تعازيي وللمرحومه الذكر الطيب
عزيزي دكتور مؤيد اكتب اليك وانا طريح الفراش فلتوي قبل يومين انهيت جلسات العلاج الاشعاعي المتعب وبتداعياته الشديدة الألم-ولكني علمت قبل اقل من ساعه وعبر قراءتي للنعي في موقع الناس الخبر المحزن بوفاة صديق العمر ومنذ 1951 المناضل البطل والانسان النبيل الخارق في طيبته ونبله واستقامته محمد جعفر-أبو عادله
لم اجد طريقا اخر الا ان اكتب اليك راجيا تزويدي بعنوان اسرة الفقيد او اقرب اقرباءه الأستاذ زكي رضا ولك شكري الجزيل مقدما-وللأسف انا في حالة لااستطيع فيها كتابة نعي بمستوى الفجيعه وبمستوى التعريف بالفقيد وانا بالانتظار وشكرا


2 - رحيل المناضل ابو عادلة
مؤيد عبد الستار ( 2015 / 9 / 17 - 22:41 )
تحياتي د. علي الساعدي المحترم
تمنياتي لكم بالصحة والشفاء العاجل
ادناه عنوان الاخ زكي رضا وبامكانك مراسلته
بخصوص رحيل المناضل ابو عادلة
[email protected]
مع التحيات
مؤيد


3 - أحر التعازي للصديق الأستاذ طلال شاكر
عبدالخالق حسين ( 2015 / 9 / 18 - 08:51 )
بمناسبة هذا المصاب الجلل ، أتقدم بأحر التعازي للصديق العزيز الأستاذ طلال شاكر (أبو ميلاد) برحيل رفيقة دربه أم ميلاد ، ونشاركه أحزانه وآلامه، فمصابه مصابنا، فللفقيدة المجد والخلود والذكر الطيب، ولصديقنا العزيز أبو ميلاد الصبر والسلوان. وشكراً لصديقنا العزيز الأستاذ مؤيد عبدالستار على إعلامنا برثائه البليغ والمؤثر.

عبدالخالق حسين

اخر الافلام

.. موريتانيا.. تقرير أميركي يشيد بجهود البلاد في محاربة الاتجار


.. اللاجئون السوريون -يواجهون- أردوغان! | #التاسعة




.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال


.. الاعتداءات على اللاجئين السوريين في قيصري بتركيا .. لماذا ال




.. الحكم بالإعدام على الناشطة الإيرانية شريفة محمدي بتهمة الخيا