الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيدي هاني فحص ... طال ارتحالك ما عودتنا سفرا

مسعود محمد

2015 / 9 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لبناني الهوية، فلسطيني الهوى، كتب عنه مكرم رباح على صفحته وقال "عمامته سوداء، قلبه ابيض، وعقله نور هو سيد بمنازل كثيرة.
كان لقاؤنا الأول في منزلي بدبي برعاية الصديق كمال ريشا، جلسة ضيقة بعدد أصابع اليد أردت ان أتعرف فيها على ابن فتح الذي لم يقصر بعض الشيوعيين جهلاً بقول الكلام الجارح بحقه باعتباره من خارج القالب والتركيبة، وهو حقاً كان خارج كل القوالب حتى في فتح التي انتمى اليها بقلبه وعقله. طبعاً لا ينطبق هذا الكلام على عقال وكبار قيادة الحزب غسان الرفاعي، كريم مروة، وحبيب قلب السيد جورج حاوي الذي قال عنه السيد يوم 26 حزيران 2005 في جريدة المستقبل بعد استشهاده " جورج حاوي لا يستغنى عنه ولا عن الخلاف معه ..." كانت تربطهم علاقة ود فيها الكثير من تقاطعات التمرد والخروج عن المألوف. هذه المجموعة القيادية من متنوري الحزب خرجوا او أخرجوا منه لرفضهم التصلب بالتفكير، والتبعية حتى للسوفيات، وإصرارهم على حرية الفكر والتعبير.
سمعت عن السيد هاني من الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني وكان استفزني للتعرف عليه، وصدم حين علم انني لا أعرفه بالشخصي، ومعرفتي بعلومه محدودة وقال لي عنه " هو نور استثنائي يخترق الظلمة المحيطة بنا". كان لقائي الأول به كافياً لترتبط القلوب بود برحلة امتدت عبر الجغرافيا من بيروت الى دمشق الى العراق فطهران. كان الهم واحد الدفع باتجاه اشغال العقل والعمل على تنزيه العلاقات العربية الكردية من الشوائب التي زرعها الاستعمار ليمنع وحدة المسار والمصير.
كان السيد معجباً بشخصيات يسارية ولكن ليس باليسار عامة، رغم انه لم يعاديهم بل ترك فسحة من الود للحوار، كان يرى في حركتهم السياسية طفولية غير ناضجة لا تؤهلهم للقيام بدور ريادي في المجتمع، وعند الحديث كان يفصل ما بين اليسار وبعض شخصياته كجورج حاوي ويعتبر انهم اكبر من احزابهم، ولم تستطع احزابهم استيعابهم كطاقات تتطلع للعمل في فضاء أوسع من قيود احزابهم ونظمها الستالينية. كان يعتقد ان على اليسار الجنوح اكثر نحو أنسنة أفكاره. كان معجب بجيفارا ويمازحني بلطف ويقول " ما فيك تكون جيفارا، كان حالة استثنائية لن تكرر" كان يعجبه ما في داخل جيفارا من حب للعدالة وكان يقول " من يحب الإمام علي سيرى نضال جيفارا بوضوح، ومن يحب الحسين سيحب بابلو نيرودا".
عن علاقته بفتح يقول في مقابلة مع ثناء عطوي نشرت في جريدة النهار في 18 أيلول 2014 " ان فتح كانت فضاء واسعاً، ولا مرة تلقينا أمراً، ولا مرة جاءنا تعميم تنظيمي، ولا التزمنا برأي او موقف". فهمت فتح جنوح السيد نحو الحرية المطلقة ففتحت له الفضاء وتركته يغرد على سجيته وهذا ما ربطه بها وأبعده عن غيرها.
كانت الحرية بالحركة والتفكير والنقد هم من هموم السيد هاني وهذا ما لم يستطع اليسار بأطره التنظيمية الحديدية ان يؤمنه للسيد لذلك لم يستطع ان يجذبه.
كان السيد هاني فطيناً يقرأ بين السطور وكنت كلما التقيته أقبل جبينه الطاهرة فكان يحتضنني بود وعاطفة أبوية ويأخذ بيدي الى زاوية لنتكلم بانفراد عن هموم الكرد والوطن فكان يبدأ بأسئلته من سوريا، وكان مستغرباً من موقف كرد سوريا من الثورة وحريص ان يفهم مني تفاصيل تلك العلاقة وموجبات اشراك الكرد بالثورة كشريك كامل له كل الحقوق وعليه كل الواجبات. وينتقل بالجغرافيا الكردستانية من سوريا الى العراق، فيعبر بحزن عن استنكاره لتصرفات بعض القيادات العراقية الشيعية تجاه الكرد، وبنفس الوقت يعتب على الكرد حين يخطؤن التقدير، كان ببعض المواقف العراقية كردياً اكثر من الكرد. كانت ايران من همومه الدائمة وكان يحرص ان يستمع مني الى رأي أكراد ايران، ويحب ان يساعد على تقريب وجهات النظر، الا اننا اختلفنا بالقراءة من مواقعنا المختلفة فكان الاختلاف بالموضوع الايراني حتى حول الخميني، فهو كان يحبه، ويعاتبني حين كنت أتكلم عنه بلغة قاسية ويقول لي هو استثناء، اختلفنا حول ايران والخميني الا ان الخلاف لم يفسد الود والعلاقة الأبوية. كان يعجبني بالسيد هاني تواضعه وقدرته على الاستماع والاستنتاج، كنت أقول له تحبباً انت سيد الكرد ونصيرهم، كان يبتسم خجلاً، فهو لم يكن يحب المديح ويقول " انا كردي فقير أقول ما يلهمني به الله"، كان السيد هاني يعتز بحب الأكراد وتقديرهم له.
بآخر زيارة لي لبيروت قبل ست سنوات، وكانت الضغوط تشتد علي واتهمت زوراً بالعمالة لإسرائيل من قبل حزب الله وصحافتهم الصفراء، اتصلت بالسيد هاني على عادتي لأطلب البركة واللقاء طلب مني ان أحضر الى منزله لأنه يريد ان يحدثني بموضوع مهم، وانا على سذاجتي اعتقدت انه قد يكون موضوع يتطلب العمل على احدى الملفات الكردية، او رسالة يريدني السيد ان انقلها لبعض الأصدقاء المشتركين في القيادة الكردستانية، تفاجئت به بعد السلام يسألني بلا مقدمات " مزعل بنتي" وكان يقصد زوجتي هناء التي كانت تتذمر من تطرفي بالعمل السياسي وكتاباتي وتعتبر انها السبب بعدم استقرار أحوالي واحوال عائلتي. ابتسمت ورددت السؤال بسؤال " ليش انت يا سيدنا بعمرك ما زعلت ام الأولاد"، ابتسم وقال بلهجته الجنوبية المحببة " كثير، الا ان هذا لا يعني انني كنت دائماً على حق، لقد حملتها حملاً ثقيلاً". وبدا كمن يعاتب نفسه بلحظة صدق. قال لي بكثير من الحب والحنان الأبوي " يا ابني هني أقوى منك، وانت عمتدعس بالخس، من سوريا لأيران، منك أغلى من جورج حاوي بيقتلوك، ما فيك ليهون لوحدك انت ظهرك مكشوف، حتى حزبك مسلملهم" قلت له " يا سيدي انت سندي وظهري" ابتسم وقال " يا ريتني فيي خبيك بقلبي وإحميك بعبايتي، بس الجماعة حقدهم اسود". وقال لي بآخر الحديث " لا تنسى وانت مشغول بالنضال ان تبقي فسحة للحب في قلبك، فالحب يعطيك القدرة على التفكير بهدوء، واستخدام أكبر مساحة من عقلك".
سألت السيد في أحد جلساتنا عن شيعيته ومدى التزامه بها وبالمراجع قال لي " أحب العدالة والفقراء وحرية الفكر، لذلك أحب علياً وأناصر الحسين".
عن حزب الله كان السيد هاني يقول " هو حزب ستاليني بالمعنى الكامل وشبه وهابي أو حنبلي شيعي" كان السيد هاني لا يحب عنجهية الحزب وقادته، حريص على جمهوره فاقد الأمل بقيادته. كان السيد هاني رغم حبه لإيران ينتقد تعاملها مع شيعة العالم عامة وشيعة لبنان والعراق خاصة بطريقة استيلائية وكان يقول " الايراني يحب بطبيعته الميالة للإمبراطورية للاستيلاء، ولا يحب ان يكون له شريك، فالشراكة تستوجب وجود آخر يقبل ويرفض ويفاوض ويحاور بينما الايراني يريد اتباع وملحقين، وهو زبائني يشتري الرقبة والقرار، يهمه الوصول الى هدفه ولو على حساب الشركاء، وهو براغماتي جداً يجيد لعبة البيع والشراء، القيادة الايرانية تعرف مصالحها جيداً ومصلحتها الوطنية فوق كل المصالح الأخرى".
كان السيد هاني يحب الموسيقى والشعر ويتذوق الجميل منه بإحدى زياراته لبيتي في دبي دخل علي وانا استمع الى عبد الوهاب قمت لأطفىء المذياع طلب مني تركه مع تخفيض الصوت، وقال " دعه يطربنا"، بعد قليل أذن المسجد القريب من المنزل للصلاة وكان صوت المؤذن مزعجاً جداً أقرب الى الصراخ فسألته بخبث ان كانت الموسيقى حرام فقال لي السيد " لا أعتقد ان الموسيقى حرام، أظن ان الحرام هو ان يشوه مؤذن كهذا بصوته الآذان ويفقدنا الروحانية التي تبقى في القلوب، برأيي ان بعض الأصوات الطربية أحن وأكثر روحانية من أصوات بعض المؤذنين والقارئين، فهم باصواتهم الخائبة يبعثرون ما في النص من رقة روح وجاذبية". كان السيد هاني رجل مثقف إشكالي يطمح لأن يكون جزىء من حركة مرجعية فكرية اجتماعية ، تمر بالفقه والفتوى، لكنه لم يكن يهتم كثيراً بإنتاج الفتوى، وكان يرفض ان يكون مرجعاً، لأن للفتوى بالنسبة له آلية ليست متوفرة لدى المثقف الديني، بل هي من أدوات الفقيه. كان السيد هاني ذو موقف واضح في الموضوعات اللبنانية السورية، فلقد كان السيد وفياً لصداقته مع الرئيس رفيق الحريري وكلن يتكلم عنه بكثير من الود والحب. كان السيد أكثر ميلاً ل 14 آذار بنقد شديد لحركة قيادتها، وكان يعتبر تلك القيادة انفعالية تتصرف كالعوام، وتنشط على رداة الفعل، دون ان تنتج الفعل، وكان يرى بقيادة 14 آذار الكثير من الكسل، والبلادة الفكرية وذلك بسبب تشتتهم ومنبتهم الفكري المختلف، ومرجعيتهم البرجوازية البعيدة عن الثورية. كان يرى ان تلك القيادة غير قادرة على انتاج برنامج سياسي إنقاذي على مستوى الوطن، وينشطون فقط عند تأزم حزب الله ولديهم خوف وفوبيا من سلاح حزب الله عززته الإغتيالات، وكان يرى انهم يفتقدون للحنكة بالتعامل مع سلاح الحزب.
سألت السيد هاني في احد جلساتنا عن سبب عدم دعم 14 آذار للمستقلين الشيعة لخلق حراك نقيض لحزب الله في الطائفة الشيعية قال لي بعفوية لسببين
الاول وهو خوفهم من حزب الله، والثاني هو الطائفية السياسية، فعندما يقبل ابن الجميل التغيير على مستوى قيادة وتركيبة الطائفة الشيعية عليه ان يقبل التغيير في طائفته وقس على ذلك. رغم كل نقده ل14 آذار كان يعتبر نفسه أقربا اليهم من 8 آذار التي كان يبعده عنها البعدين الأخلاقي والفكري في السياسة، الا انه لم يكن يخفي اعجابه بتنظيمهم وتماسكهم كفريق والتزامهم الكامل بقيادتهم، وقدرتهم على التكاتف وهذا ما كان ينقص 14 آذار.
قليلة هي لا بل نادرة هي الشخصيات الشيعية التي استطاعت كالسيد هاني تصويب قراءة واقع حزب الله والنظام السوري وعلاقة الشيعة بايران، فهو لطالما شجع الشيعة على الانخراط بمجتمعاتهم العربية التي يعيشون فيها بدلاً من ان يعتبروا انفسهم ايرانيين خارج بلادهم. ويقول السيد هاني عن هويته كشيعي
" لماذا لا انتبه وافتخر بعروبتي؟ انا عربي لبناني شيعي، وهذه هويتي المركبة لست عدواً لإيران الا انني متمايز عن الايراني لي هويتي وله هويته، وعندما تتناقض همومي الوطنية مع الهموم الايرانية انحاز بالكامل بلا تردد لوطنيتي ووطني".
كانت بوصلة التغيير الحقيقية عنده في المنطقة تتجه الى سوريا التي اصدر العام 2012 بياناً مع السيد محمد الحسن أمين دعا فيه الشيعة في لبنان الى دعم الثورة الشعبية في الجارة سوريا " ندعو شيعة لبنان الى دعم الثورات العربية ... ولا سيما الثورة السورية التي بإذن الله سوف تنتصر ... من بين العوامل التي تضمن لنا مستقبلاً جيداً في لبنان هو ان تكون سوريا مستقرة، وحرة، تحكمها دولة ديمقراطية، عصرية وتقبل التعددية".
من النادر ان تلتقي شخصاً معمم كالسيد هاني، ولديه هالة دينية، وبنفس الوقت يتبنى العلمانية كمنهاج ويدعو الى فصل الدين عن الدولة. كان إيمانه بالشباب كبيراً ولو كان حياً بيننا اليوم لأنحاز لحراكهم ولحمل هموم الفقراء، لم يخذله شباب لبنان، بقيت فيهم ارادتهم للحياة، ورفضوا العيش بين حفر البرجوازية العفنة.
يا شيعة علي عودوا للسيد هاني فحص تعودوا للصواب بالرؤية والهدف.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج