الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحقيقة الرياضية والمكان الرياضي

مازن ريا

2015 / 9 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مع ظهور منطق العلاقات وانحسار منطق المحمولات تحول الاتجاه من البرهنة على الأوليات، إلى الاهتمام بالعلاقات بين الأوليات، خاصة بعد أن تم الكشف عن أوجه النقص في النسق الإقليدي إذ بين هنري بوانكاريه نقص المقدمات الخاصة بالنقلة، كما بين مورتز باش أن هندسة إقليدس تنقصها المقدمات الخاصة بالترتيب أو النظام.
يقول "رسل" في كتابه حكمة الغرب:((إنَّ منطق أرسطو كان مشوبا بنقص خطير من ناحية هامة هي انه لم يهتم بالبراهين التي تنطوي على علاقة والتي لها أهمية خاصة في الرياضيات)) ، مثلا علاقة النقطة والمستقيم هي علاقة انتماء أو لا-انتماء، وهذه النقطة توجد في مستقيم آخر له علاقات مع المستقيم الأول وهي التقاطع أولا-تقاطع ، حيث تبين أن مصادرة التوازي مستقلة عن كل البديهيات الإقليدية عندئذ تم إدراك ((أنَّ برهان استقلال المسلمة س عن المجموعة ص إنما معناه عدم تناقض ص مع لا-س)) .
فكرة الاستقلال سمحت باستبدال مصادرة التوازي بغيرها والفضل في فكرة الاستقلال يرجع إلى ديفدهلبرت ((حيث حرص بالإضافة إلى التنصيص على جميع الأوليات والبرهنة،وحرص أيضا على بيان عدم وجود تناقض بين أولياته، والبرهنة على استقلالها)) .
ومن جهة أخرى فقد لعب المنطق الرمزي دوراً كبيراً في الكشف عن تناقضات الهندسة الإقليدية ((قبل تطور المنطق الحديث لم يكن هناك نسق للمنطق له مجموعة من القواعد بحيث يمكن ملاءمتها مع قواعد الهندسة إذ أنّ المنطق التقليدي تعامل فقط مع محمولات ذات مكان واحد إلا أنّنا في الهندسة نتعامل مع علاقات ذات عناصر متعددة)) .
إذاً الهندسة اللاإقليدية كانت تحتاج إلى منطق العلاقات الذي لم يكن موجوداً قبل ظهور المنطق الرمزي الذي أظهر النقائض المنطقية في البراهين المعتمدة على بديهية التوازي، ولكنها بقيت تتعامل مع المستقيم بوصفه مجموعة لا متناهية من النقط المتصلة، والتي لا تعاني إي انقطاع أو فجوات، وبقي المكان بوصفه مجموعة لا متناهية من النقط وإن تغير شكل هذا المكان من مكان مستو إلى مكان أهليلجي أو كروي.
في محاولة لإثبات مصادرة التوازي قام بها العالم الروسي "نيكولاى لوباتشيفسكي"، بطريقة نقض الفرض، وهي طريقة مستخدمة في البراهين الإقليدية، حيث فرض أنه من نقطة متناهية لا أبعاد لها خارج مستقيم لا متناهي من النقط يمكن رسم أكثر من لا متناهي يوازي هذا المستقيم فإذا توصلنا إلى نتيجة تناقض هذا الفرض فيكون عكس الفرض هو صادق ولكن "لوباتشيفسكي" توصل إلى نتائج متسقة منطقيا مع المقدمات المفروضة ومختلفة عن نتائج وحقائق الهندسة الإقليدية والسبب في ذلك يعود إلى إننا عندما نتعامل مع اللامتناهيات ننعتق من قبضة منطق(إما–أو) الذي هو منطق المتناهيات .
إنّ ظهور هندسة "لوبا تشيفسكي" شجع على فكرة قيام هندسات أخرى لا إقليدية وهو ما دفع العالم الألماني "ريمان" إلى فرض مصادرة جديدة مختلفة عن كل من مصادرة إقليدس ولوباتشيفسكي، وهي"من نقطة خارج مستقيم لا يمكن رسم أي مواز له" لا معنى للتوازي في هندسة ريمان لأن المستقيمين اللامتناهيين من حيث عدد النقاط يلتقيان بنقطتين هما نقطتا القطبين و بالتالي المستقيم اللامتناهي وفف»‍خ لذلك يصبح دائرة، لأن المكان هنا ليس مستويا ولا منحنيا بل كروي .
إذاً المستقيمات اللامتناهية فيي الهندسة الإقليدية تختلف عنها في الهندسة اللاإقليدية وهذا يعود إلى طبيعة المكان الهندسي الذي نتحدث عنه حيث يكتسب المستقيم صفة المجال اللامتناهي و
المفتوح في الهندسة الإقليدية، بينما يكون المجال نصف مفتوح أو نصف مغلق لدى هندسة "لوباتشيفسكي" حيث من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم عدد لا متناهٍ من المستقيمات التي توازيه وهذه المتوازيات تتقاطع في نقطة واحدة. أما في هندسة ريمان فالمجال مغلق في هذا المكان لأنه من نقطة خارج مستقيم لا يمكن رسم أي مواز له لأن كل المستقيمات اللامتناهية تلتقي في نقطتين هما نقطتا القطبين , يكون ناتج مجموع الزوايا أكثر من 180 درجة
وهذا يخالف مجموع زوايا المثلث في هندسة لوبا تشيفسكي حيث
نجد مجموع زوايا المثلث أقل من 180 درجة، وهذه النتائج تخالف
نتيجة الهندسة الإقليدية والتي تقول: إن مجموع زوايا المثلث 180 درجة.
ويتبين من نتائج ظهور الهندسات اللاإقليدية:
(أولاً: أنّها أثبتت عدم قدرة الهندسة الإقليدية على تفسير الكثير من الظواهر في علوم الكونيات.
ثانيا:أن صحة الموضوعة في الرياضيات لا تتوقف على الوضوح الذاتي لتلك الموضوعة بل يتعلق الأمر بالاتساق الداخلي بين الموضوعات.
إذا نحن أمام هندسات متعددة بدلا من واحدة وكل منها لديها منطقها واتساقها الداخلي مما يجعلها تتمتع بدرجة صدق واحدة .
هذه النتائج تفسح المجال لإنشاء عدد لا متناهٍ من الهندسات وفقاً لعدد لا متناهٍ من المصادرات، وكل من هذه الهندسات يعبر عن مكان رياضي مختلف عن الآخر، فالمكان الرياضي ليس بالضرورة مستوياً أو كروياً أو إهليلجياً، أو ذا بعدين أو ثلاثة أبعاد بل يمكن أن يكون لا متناهي الأبعاد.
إنَّ السؤال عن أي الهندسات هي الأكثر تعبيراً عن الواقع هي مسألة غير محسومة تجريبيا ًكما
يقول بوانكاريه:((ليس للتجربة أنْ تحسم بين إقليدس ولوبا تشفسكي)) فالتجربة يمكن أن ترشدنا إلى ما هو ملائم ومناسب لنا فقط ((إنَّ التجربة لا تدلنا على أن للمكان ثلاثة أبعاد,إنها تدلنا على أنه من الملائم إعطاؤه ثلاثة أبعاد)) .
إنَّ وجود كائنات مثل النمل لا تدرك من المكان سوى بعدين، تبدو حبيبات السكر عند رفعها من أمامها غير موجودة ولذا تتحرك يساراً ويميناً أو طولاً وعرضاً بحثاً عنها دون جدوى لأنها لا تدرك البعد الثالث، فالمكان المستوي هو المكان الوحيد المتاح إدراكه والهندسة الملائمة لهذا المكان هي الهندسة الإقليدية فهي تستطيع الانطلاق من نقطة و السير إلى الأمام بشكل مستقيم إلى اللانهاية دون العودة إلى النقطة التي بدأت منها، أما بالنسبة للكائنات التي لا تدرك من المكان سوى أبعاد ثلاثة، فإنَّ البعد الرابع غير مدرك بالنسبة إليها فالمكان هو مكان كروي والهندسة الملائمة لهذا المكان هي الهندسة اللاإقليدية وبالتالي كل ماهو موجود في البعد الرابع بالنسبة إليها غير موجود، والانطلاق من نقطة والذهاب إلى الأمام بشكل مستقيم سوف تعود إلى النقطة التي بدأت منها لأن مفهوم المستقيم في المكان الكروي هو دائرة .
إذا سلمنا بأن أي حقيقة لا توجد خارج المكان والزمان كانت الحقيقة الرياضية متعددة ونسبية تبعاً لطبيعة المستقيم اللامتناهي في المكان فمجموع زوايا أي مثلث 180° في المكان المستوي لأن مفهوم المستقيم هو مجموعة من النقط تقع على استقامة واحدة وتمتد من الجهتين دون نهاية، أما في المكان الإهليلجي فمجموع زوايا المثلث أقل من 180° لأن مفهوم المستقيم اللامتناهي يأخذ شكلا منحنياً مقعراً، مجموع زوايا المثلث أكثر من 180° في المكان الكروي لأن مفهوم المستقيم اللامتناهي يأخذ شكلا دائريا.
مع كل هذا الاختلاف في مفهوم المستقيم تبقى مشكلة للامتناهي قائمة في جميع المفاهيم السابقة إذ كيف لمجموعة من النقاط، والنقطة لا أبعاد لها رياضياً أن تُكون بعدا هو طول المستقيم اللامتناهي؟
بمعنى آخر لا بعد +لا بعد+لا بعد+............=بعد واحد(هو طول المستقيم)
لا بعد + لا بعد+لا بعد+.............=بعدين(للمستوي)
برأينا لم تستطع أي من الهندسات أن تبرهن رياضياً على وجود اللانهاية إذ بقي فرض اللاتناهي مرتبطاً بمفهوم النقطة الملتبس والغامض، فالنقطة التي هي أصغر جزء في المكان لا أبعاد لها، والمكان يجب إن لا يكون له إبعاد منطقياً ولكن هل يستطيع العقل الإنساني أن يتخيل مكاناً دون أبعاد أو مكاناً لا متناهي الأبعاد؟
إذا كانت التجربة ترشدنا إلى ما هو ملائم ومناسب حسب بوانكاريه فإن هذه الملائمة يفترضها العقل عندما يتعامل مع ماهو حسي وملموس وذو أبعاد متناهية في المكان، ولكن ماذا لو كان هناك ما هو غير حسي وغير ملموس وذو أبعاد لا متناهية في الكبر أو في الصغر ؟
قد يبدو مثل هذا الطرح مجرد افتراض لا يستند إلى أي دليل حسي أو تجريبي، ولكن متى كان عدم وجود دليل من هذا النوع كافياً لنفي وجود ظاهرة ما ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من مسافة صفر.. استهداف دبابة إسرائيلية بعبوة -العمل الفدائي-


.. متظاهر يهتف -غزة- خلال توقيفه بنيويورك في أمريكا




.. إسرائيل تؤكد إصرارها على توسيع العملية البرية في رفح


.. شرطة نيويورك تعتدي على مناصرين لغزة خلال مظاهرة




.. مشاهد للدمار إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة خفاجة غرب رفح ب