الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجرة من الدين إلى بلاد الحريّة

حيدر حسن كاظم

2015 / 9 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد بزوغ وميض الديمقراطية على شعوب الدول العربية أوّلها سقوط الصنم في بغداد والاحداث التي سبقتها من تساقط الانظمة الديكتاتورية العلمانية تباعاً كقطع الدومينو في تونس ومصر واليمن وحتى الثورة السورية التي مازالت قائمة وإن حُرّفَ مسارها كثيرا ، لاح في افق وسماء تلك الدول بزوغ وميض غريب وخطير آخر يتسم بالتطرف الفكري والتشدد المذهبي والعقائدي قد بدأ يتسع وينتشر ويسيطر على الاجواء السياسية في تلك المناطق ، فقد ظهر على شكل احزاب وحركات وميليشيات دينية إرتدت الازياء السياسية وتغلغلت في بواطن العجلة السياسية والشرائح المجتمعية ، منها ما كان موجوداً مسبقاً وقد اتسع نفوذه وملئ الفراغ السياسي الذي تكون بفعل زوال تلك الانظمة المقبورة ، ومنها وليد الظروف المتصاعدة والاحتقان الطائفي والاسلوب القمعي التي تمارسه افراد المجتمع بعضها ضد بعض كفعل ورد الفعل ، حيث لعبت مخابرات دول الاقطاب المتنافرة والمتمثلة بالجمهورية الاسلامية الايرانية حاملة لواء الشيعة والعازفة على وتر نصرة المظلومين الشيعة من جهة ودول الخليج ذات الطابع السني منها السعودية وقطر وغيرها التي تشعر بنذير الخطر المتواصل من تنامي النفوذ الايراني بصورة مربكة ... دوراً سلبيا ومميتا بالنسبة لوجودها الجغرافي والفكري .

لقد تصاعدت وتيرة العنف الطائفي وإحتد الإقتتال المذهبي في سوريا والعراق بظهور التنظيم الإسلامي المتطرف أو ما يعرف ب(داعش) والتنظيمات الجديدة المسلحة المناوئة له (الحشد الشعبي) الذي يضم بعض المتطوعين بالاضافة الى الميليشيات الشيعية ، حيث أصبحت المجتمعات التي تقطن في هذه البلدان تعيش حالة مربكة من الحروب المكلفة والصراعات الدامية والحياة القاسية والمشردة وكإنها ما تزال تربض في القرون الماضية المنصرمة ، فقد أصبحت المجاميع المسلحة الارهابية تقاتل بقوة وجسارة للدفاع والحفاظ على سدة الحكم والوجود بكل ما يقع في اليد من شئ سواء بنحر الاعناق التي اعتدنا على مشاهدتها يوميا اوبالحرق والغرق ،

ان الصراعات الدينية التي يخوضها ابناء مجتمعنا المعاني من داء الطائفية قد ساهمت بشكل كبير من انتشار التطرف الديني وتناميه وسيطرته على جميع مفاصل الدولة وسلب حتى وعي المجتمع واجهض حلمه وبنيويته الانسانية والاخلاقية ، فبات يشعر الفرد بالخطر بمجرد تواجد بجنبه من يخالفه بالفكر والعقيدة ، وهذا ليس بغريب على الدين الاسلامي لتعدد الحروب الطائفية التي خاضها معتنقيه على مداد سنين عمره التي تتجاوز الاربعمائة والف ، فالكثير من الايات القرانية يتم تحريفها تاويليا (او يعمل بها بشكلها الظاهري) ويذهب البعض في تكفير البعض الاخر ويخرجه عن ملة دينه رغم اشتراكهما بنفس الاله ونفس الكتاب السماوي او النبي المرسل ،
ان الدين الاسلامي وبسبب قساوة اياته المحرضة على الكراهية والحقد والبغض والتفرقة والتفضيل حسب الدرجة الايمانية قد ساهم في تفكيك المجتمع وخلق تسلسل طبقي فضيع قد وضع ضيقي الفكر والافق على راس الهرم وفي مقدمة القائمة المجتمعية المفضلة والمقربة لدى افراد السلطة او من يتصدى للحكم ، بينما ذيل اصحاب الفكر المتنور الحر الرافض للقيود الدينية المفروضة او من يعارضهم بالفكر والعقيدة وجعلهم في اذناب القرار وسلبهم حقوقهم ،

ومن الجدير بالذكر ان الانظمة القمعية التي سيطرت على المنطقة لعقود سابقة قد ساهمت في زرع بذور الجهل والتخلف والتقوقع الديني رغم ليبرالية توجهاتها تلك الانظمة بناءا على القاعدة المعروفة لكل ممنوع مرغوب ، فبسبب قمع السلطات للكثير من رجال الدين والمتدينين تنامت الايديولوجية الدينية بشكل ملحوظ وغلبت العاطفة العقائدية والاعتدال الفكري والوعي الثقافي وتوهم الناس ان رجال الدين هم ملائكة منزهين لا يمكن ان يخطأوا او يظلموا وبهم تتحقق العدالة وتحضر المساواة وينال كل مغبون حقه اذا ما وصلوا لسدة الحكم ، لكن نجد ان الكثير قد انذهلوا وتفاجئوا عندما استلموا هؤلاء الذين كانوا مهمشين مقاليد الحكم وزمام الامور وخصوصا بعد سقوط اقنعتهم وكشروا عن انيابهم واظهروا مخالب دينهم الاسلامي القاسي ، فقد تقاسموا ثروات البلاد وكانها غنائم حرب وكمموا افواه الناشطين المدنيين او من يحمل الفكر العلماني الحر ورموهم بالكفر والالحاد والعمالة ، بل تعرض الكثير للقتل بسبب فكرهم المتجدد .

اثبت الدين الاسلامي انه دين لارحمة ولا يحمل من السلام شيئا ، فاذا استبعدنا الحديث عن ما فعل تنظيم داعش الحاكم بهذا الدين باصحاب الديانة المسيحية والايزيدية من قتل وتهجير وسلب للحقوق وللمال وسبي للنساء والطفال ، فقد اعترف معظم رموز طوائفه ومذاهبه الحاملة لنفس الدين بان هنالك اكثر من 73 فرقة وان هناك فرقة واحدة ناجية وماتبقى في النار ، وهذا ان دل على شئ انما يدل على غياب الحس الانساني والذوق الاخلاقي وتفقرخطير بالرحمة والرافة والمساواة والعدالة الاجتماعية التي تعد اهم خصلة تتنعم بها المجتمعات المتحضرة والراقية ، ان اساليب دولة الخلافة الاسلامية ليست بالجديدة او الغريبة نسبة الى تاريخ الاسلام الموشح بالظلم والطغيان والاستبداد على مدى قرون حكمه وتسلطه على الاقاليم التي كانت تحت حكم سيفه .

ان الصراع الطائفي السني الشيعي الكبير والازلي بين الاخوة الاعداء هو صراع قديم اساسه السياسة عندما حصلت الطائفة الاولى على الخلافة واستبعدت الاخرى ، ومنها انتقل الى الابناء وتناقل عبر قرون الى الاحفاد قد اوسع الهوة بين المسلمين ، واصبح الكره والحقد والنقم سائد وعادي على بعضهم البعض واصبح المذهب المتمثل بالملبس والشكل وكيفية اداء العبادة او حتى الاسماء هو هوية ابناء هذا الدين وهو الذي يعبر عن فكر صاحبه ويكشف عن عنوانه .

لقد اصاب الكثير بالاحباط والياس من تحسن الاوضاع الامنية والانسانية بسبب هذا الدين الوعر ، وتوصلوا الى نتيجة واضحة ولا تحمل ذرة شائبة ان الاستقرار المعيشي سواء المادي او المعنوي وانالة الحرية وقطف ثمار الحقوق لا يمكن تحقيقها الا بالمجتمعات المدنية الليبرالية التي تحكمها القوانين البشرية الموضوعة وليست القوانين القديمة الالهية البالية ، ان هول المشاكل وكثرتها وتعقد الاحداث المريرة وبشاعتها قد غيّب الامل لدى الكثيرين واتجهت الانظار الى الدول التي تحكم بالديمقراطية والحرية ، اقصد تلك الدول التي تقدس الحرية وروح الانسان والانسانية ، فنجد ان الاية القرانية التي تتباهى بدخول الناس الى الدين الاسلامي افواجا قد انقلبت على اعقابها واصبحت هروب الناس عبر البحر افواجا بسبب ما ذاقوه المعانين من هذا الدين او ما واجهوه من تجار هذا الدين الذين استخدموا الدين وسيلة لتحقيق غاياتهم ومآربهم ونزواتهم .

ان الحديث عن اسباب الهجرة الانية من المجتمعات التي تقدس الدين وتقع تحت حكمه وسطوته الى المجتمعات التي تقدس الحرية والتمدن والتحرر الفكري والعقائدي هو حديث شاسع وكبير لا تعد اسطر كلماته ولا تحصى ، ولا يمكن حصرها بمقال واحد وقصير ، ولكن ما ذكر هو الشئ القليل نسبة ما يعانيه ابناء هذه المجتمعات من بطش في السلوك والتعامل مع الاقليات سواء عقائديا او فكريا ومصادرة للحقوق وللحريات . ولا يوجد حل او لمسة امل إلّا ببناء دولة مدنية متينة وقوية ترعى وجود الكل بسواسية وبعدالة اجتماعية مرضية وهذا لا يتحقق بوجود هذا التغلغل الديني في اذهان ونفوس هذه المجتمعات المخدرة دينياً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دفاع عن النفس
mhamad ( 2015 / 9 / 21 - 20:09 )
تحيه لك اخ حير

مقال رائع لكن لي ملاحظه هي ان السلوك الحالي للسعوديه وبقية دول الخليج هو ردة فعل
للتصرف الايراني نفهم من ذلك لولا ايران لكانت السعوديه وبقية دول الخليج دول دمقراطيه
تحترم حقوق الانسان وشكرا

اخر الافلام

.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah


.. المقاومة الإسلامية في العراق تدخل مسيرات جديدة تمتاز بالتقني




.. صباح العربية | في مصر.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنائز