الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطياف جان جاك روسو ( 3 ) في التفاوت بين الناس

رواء محمود حسين

2015 / 9 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يرى تورين أن روسو لا يضع الذات الأخلاقية في مواجهة السلطة الإجتماعية، لكنه يشعر أنه مستبعد من قبل المجتمع، ومن ثم فهو مجبر أن يكون شاهداً للحقيقة، وشاجباً للهنات التي يفرضها المجتمع الفاسد على نفسه، إن نزعته الفردية، في التعريف الإيجابي، هي قبل كل شيء نزعة طبيعية، والسيكولوجيا لديه قريبة من السيكولوجيا لدى لوك ولا سيما في الأولوية التي يقر بها للإحساس وفي مفهومه عن الذهن. ويرفض روسو فكرة فولتير عن الحداثة أنها ستقود نفسها إلى نظام إجتماعي عقلاني. فيرى روسو أن المجتمع غير عقلاني والحداثة تفرق أكثر مما توحد. ينبغي مواجهة آليات المصلحة والإرادة العامة، وخصوصاً بالعودة إلى الطبيعة، أي إلى العقل، وإعادة تحالف الإنسان مع الكون ( الآن تورين: " نقد الحداثة "، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1997 م، ص 44 ).
يتصور روسو أن هنالك نوعين من التفاوت الإجتماعي في الجنس البشري، فالنوع الأول هو ما يدعوه بالطبيعي أو الفيزيوي لأنه من وضع الطبيعة، ويقوم على اختلاف الأعمار والصحة وقوة البدن، وصفات الروح والنفس، والنوع الثاني من التفاوت الإنساني عند روسو يسميه بالتفاوت الأدبي أو السياسي، وهو متوقف على تراضي الناس، ويتألف هذا النوع من مختلف الإمتيازات التي يتمتع بها البعض إجحافاً بالآخرين. ويحدد روسو موضوع رسالته الموسومة: " أصل التفاوت بين الناس " بالضبط قائلاً: " يقوم موضوعها على ملاحظتنا في نشوء الأشياء ذلك الوقت الذي يعقب الحق فيه العنف وتخضع الطبيعية فيه للقوانين، وعلى إيضاحنا سياق الخوارق الذي أزمع به القوي أن يخدم الضعيف، وأن يشتري الشعب راحة خيالية بسعادة حقيقية " ( جان جاك روسو: " أصول التفاوت بين الناس "، ترجمة عاد زعيتر، مؤسسة هنداوي، مصر، 2012، ص 29 – 30 ).
ويبين روسو سعي الفلاسفة الذين بحثوا في المجتمع إلى العودة إلى الطبيعة، ولكن أحداً منهم لم ينته إليها، ولم يتردد بعضهم في عزوهم إلى الإنسان في هذه الحالة فكرة العادل وغير العادل من غير أن يكترثوا لإثبات كونه قد أخذ بهذه الفكرة، وكونها نافعة له أيضاً، وقد تكلّم الآخرون [ ولا يفصح هنا روسو عن أسماء مثل هؤلاء الفلاسفة ]، عن الحقوق الطبيعية فيما لكل واحد أن يحفظ ما يخصه من غير أن يوضحوا بكلمة ( ما يخصه )، وأعطى آخرون في البدء سلطاناً للأكثر قوة على الأضعف، فأوجبوا ولادة الحكومة حالاً من غير أن يفكروا في الوقت اللازم لتوعية الناس في إمكان الجمع بين كلمتي السلطان والحكومة في أذهان الناس. وأخيراً تكلم الجميع بلا انقطاع عن الإحتياج والطمع والرغبة والزهو والضغط، فنقلوا إلى حال الطبيعة أفكاراً اكتسبوها في المجتمع، فحدّثوا عن الإنسان الوحشي ووصفوا الإنسان المدني ( روسو: " أصل التفاوت بين الناس "، ص 30 ).
وفي مجال العودة إلى الطبيعة، يبين روسو، أن الدين يأمرنا بأن نعتقد أن الإله ذاته إذ أخرج الناس من حال الطبيعة فور الخلقة فإنهم يكونون متفاوتين، لأنه أراد أن يكونوا هكذا، غير أن الدين لا يمنعنا من وضع افتراضات مستنبطة من طبيعة الإنسان والموجودات المحيطة به فقط، وذلك حول ما كان يمكن أن يكونه الجنس البشري لو بقي متروكاً لنفسه، وهذه المسألة، يقول روسو، أنها معروضة عليه، وهو ما يريد بحثها في رسالته: " أصل التفاوت بين الناس". لكنه يتخذ لهجة تناسب جميع الأمم، ناسياً الأزمنة والأمكنة لكيلا يفكر في غير الناس الذي يخاطبهم، فهو يفترض مدرسة أثنية، مكرراً دروس أساتذته، متخذاً أفلاطون وأكزينوقراط قضاة، والنوع البشري مستمعاً ( روسو: " أصل التفاوت بين الناس "، ص 30 – 31 ).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -