الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفراغ واللامتناهي في الفيزياء الكلا سيكية

مازن ريا

2015 / 9 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بدأ تاريخ الفكر الفلسفي مع الإغريق في القرن السادس قبل الميلاد كما هو معروف ومعه بدأ تاريخ العلوم كلها ومنها الفيزياء، حيث شكل البحث عن المبدأ الأول في الطبيعة البذور الأولى للأفكار الفيزيائية، وخاصة عندما حاول الفلاسفة الإغريق الإجابة على سؤال: ما هو أصل الوجود؟
لقد أثار هذا السؤال مشكلات فلسفية وعلمية تتلخص في أن واحداً منها مشكلة اللانهاية ، إذ نجد تارةً المتناهي يشكل مبدأ للوجود وتارةً أخرى نجد اللامتناهي هو مبدأ الوجود، بحيث يمكن القول الصراع بين هذين الاتجاهين حكم مسيرة تطور الفيزياء منذ نشأتها الأولى.
المبدأ الأول متناه عند طاليس كما هو معروف الماء هو المادة الأولى والجوهر الأوحد الذي تتكون منه الأشياء ، بينما هو عند أنكسمندريس لامتناه نشأت عنه السموات والعوالم وهو يسميه الأبيرون الجوهر بلا حدود" أزلي سرمدي"يحوي كل العوالم" في مقابل ذلك نجد أن الهواء هو العلة الأولى معينة ومحدودة عند أنكسيمناس، فمن خلال عمليتي التخلخل والتكاثف المستمرة بشكل لا متناهي يتكون الكون(( الهواء بالتخلخل يصبح ناراً والنار للأعلى تصبح النجوم وبالعملية العكسية الخاصة بالتكثيف يصبح الهواء أولاً سحباً وبالدرجات الأشد من التكثيف يصبح ماءً وتراباً وصخوراً على التعاقب)) ، أما هيرقليط فيعتبر أن الأشياء كلَّها دائمة السيلان، وأنه لا شيء ثابت غير القانون الذي يسير عليه هذا السيلان الدائم للأشياء ، إذاً التغير لا متناهٍ وبالتالي فالأشياء التي تخضع لهذا القانون هي في تبدل لا متناهٍ.
قدمت المدرسة الذرية نموذجاً للتوفيق بين الثبات الذي يفضي إلى المتناهي والتغير الذي يفضي إلى اللا متناهي عندما حاول كل من ديموقريطس ولوقيبوس أن يكملا النقص في فلسفة إمبدوقليس التي اقتصرت على التوفيق بين فلسفة بارمنيدس وهيرقليط، وكانت طريقتهما في التوفيق بأنَ قالا بوجود عدد لانهاية له من الوحدات التي لا تنقسم والتي سميت بالذرات، وهي لا يمكن إدراكها لأنها أصغر جدا من أن تدركها الحواس، و الذرات تختلف في الحجم والشكل...، ولما كانت الذرات لا متناهية من حيث العدد، فإنَّها تسبح في خلاء .
إذا المتناهي و اللامتناهي حسب المدرسة الذرية يظهران في الكون من خلال شيئيين هما الذرات والفراغ ، فالذرة أصغر جزء من المادة لا تنقسم وبالتالي تمثل شيئا متناهياً في الصغر، أمّا الخلاء فهو لا متناهٍ يوجد بين الذرات ويحيط بالكون كلّه ولولا وجود الفراغ لما وجدت حركة للذرات والحركة عند ديمقريطس أزلية أبدية... والحركة نوعان: نوع خاص بحركة الذرات الأولى في الخلاء، ونوع آخر خاص بحركة الذرات من أجل تكوين العالم .
أما أرسطو فقد رفض فرضية وجود الفراغ التي تفسر الحركة بالقول: إنّ سرعة الأجسام في وسط ما تتفاوت حسب كثافة الوسط و وزن الجسم، ومن هذا يستنتج أولا أنّ الأجسام لابدّ أنْ تتحرك في الفراغ بسرعة لانهائية وهو أمر ممتنع لأن كل حركة تحتاج إلى وقت ما، وفضلا عن ذلك فإن الجسم الأثقل لابد أن يتحرك أسرع من الجسم الأخف ولكن هذا لا يتعين أن يحدث في الفراغ وهذا الرفض للخلاء يأتي انسجاماً مع تصور أرسطو للكون حيث اعتقد *غطأنه وحيد محدود لا يوجد سواه، ولا وجود لعوالم متعددة خارجه حتى الخلاء غير موجود، لأن السماء الأخيرة حدّ مطلق ولاشيء وراءها، ويعتقد أنّ الكون بكامله يوجد داخل فلك النجوم المملوءة بالمادة، فلا وجود لفراغات أو ثقوب .
وهكذا نجد أن الكوسمولوجيا الأرسطية تميز بين عالمين مختلفين في الخصائص، عالم ما فوق فلك القمر، عالم الكواكب والأجرام السماوية عالم الثبات والتناهي، وعالم ما تحت فلك القمر وهو العالم الأرضي عالم التغير والفساد، وتنتهي هذه الكوسمولوجيا إلى القول: إن الأرض بشكلها الكروي ساكنة وهي في مركز الكون وتقوم حولها طبقات كروية ومتمركزة من الماء والهواء والنار والحار وتقع الأجرام السماوية وراء هذه الطبقات أبعدها النجوم الثابتة التي تدين بحركتها إلى المحرك الأول.
يقدم أرسطو حجتين على سكون و مركزية وكروية الأرض أمّا الأرض فهي ساكنة في مركز العالم لأنها من تراب، والمكان الطبيعي للتراب هو أسفل، وهي كرية لاثنين:
الواحد ما يقع في منظر دوران السماء من اختلاف باختلاف عروض البلدان، والآخر ظل الأرض في سطح القمر في خسوفه الجزئي .
إن القول بمركز للكون تحتله الأرض يقتضي كما يذهب بعض الباحثين أن يكون الكون متناهيا إذ لا يمكن تخيل أو فهم وجود مركز أو وسط إلا في مجال متناه، أما اللامحدود و اللامتناهي فلا يمكن أن يكون له مركز.
إذا كان عالم ما تحت القمر هو عالم الكون والفساد، فهو إذا لا متناه لأن الصيرورة التي يخضع لها تجعل صفة الاستمرارية في تكون وفساد الأشياء عملية لا متناهية، عندئذ يصبح ما هو لا متناه، متناهياً من جهة كونه مركزاً للكون.
اعترضت الكوسمولوجيا الأرسطية عدة عقبات أبستمولوجية من هذه العقبات اعتبار الحركة الطبيعية للأجسام الأرضية حركة مستقيمة فحسب الاعتقاد الأرسطيأن الجسم يبقى متحركا ما دامت تعمل عليه قوة محركة بصورة مباشرة فإن توقفت تلك القوة عن العمل، أو فقد الجسم اتصاله بها، توقف الجسم لذلك لا نجد تفسيراً لحركة السهم في الهواء وقد انفصلت عنه القوة المحركة ؟ ولانجد تفسيراً لطبيعة هذه الحركة سواء أكانت مستقيمة أم منحنية أم دائرية ؟
كما أنَّ رأي أرسطو في مسألة الخلاء"الفراغ" وتقديم حجج لإثبات هذا الرأي تبين فيما بعد أنها كلها باطلة من الناحية العلمية، وهذه العقبات الأبستمولوجية للكوسمولوجيا الأرسطية لعبت دوراً كبيراً في تأخير تقدم العلوم وتطورها بوصفها شكلت عقيدة راسخة تم تدعيمها بالنص الديني وجعل الخروج عنها مسألة غاية في الصعوبة بحيث تطلب الأمر أن يدفع بعض العلماء والفلاسفة حياتهم ثمناً لتغييرها.
اللانهاية ومركزية الشمس:
في البدايات بدا النموذج الأرسطي للكون غير مقنع من عدة جوانب ، فقد كان من الصعب التصديق بأن الشمس الضخمة العملاقة هي التي تدور حول الأرض الصغيرة، النموذج أعطى تفسيرات وشروحات معقدة جدا لحركة الكواكب وكمثال على ذلك بطليموسي المتبني لفرضية مركزية الأرض وثباتها والحركة الدائرية للكواكب جاء تفسيره لظاهرة التوقفات والتراجعات في سلوك الأجرام السماوية ليزيد من التعقيد للتصور الأرسطي للكون.
إنَّ فرض مركزية الشمس بدلا من مركزية الأرض شكل نقطة تحول في العلم الحديث إذ لا يمكن النظر إليه على أنه مجرد فرض يتعلق بعلم من العلوم وهو علم الفلك بل كان لابد من تصويب النظرة العامة للكون لكي يستقيم نسق العلم الطبيعي وهذا ما جاءت به ثورة كوبرنيق(1473-1543) لتصحح بعض التصورات للكوسمولوجيا الأرسطية والبطلموسية فقد خفض عدد دوائر بطليموس من تسع وتسعين إلى أربع وثلاثين، وأدخل المفهوم الجديد من أن الحركة نسبية تختلف بحسب من يلاحظها وجعل الأرض تدور حول الشمس عوضا عن أن تدور الشمس حول الأرض ، وبهذا استطاع أن يفسر ليس فقط حركة الشمس اليومية، بل أيضا أسباب الفصول والمواسم السنوية، وأننا نشاهد ونرصد هذه الأجسام من أرض متحركة، إن حركة الأرض المدارية حول الشمس تجعل حركة الكواكب، البسيطة في الأصل تبدو معقدة حقا.
إنَّ أهمية ثورة كوبرنيق، أنها أحدثت ثورة في العقول، فبدلا من أن تكون الأرض مركزا للكون أصبحت مجرد كوكب، وبذلك استطاع أن يشيد على هذه الفكرة الجديدة القديمة نظاما كونيا متناسقا متكاملا، أضفى على التصور البشري للكون مزيدا من النظام و المعقولية وفتح آفاقاً جديدة أمام البحث العلمي والرؤية الفلسفية .
أعتقد أنَّ كوبرنيق حين وضع النظام المرتكز حول الشمس ونقل مركز الكون من مكان إلى آخر فإنه بذلك زعزع فكرة ثبات مكان المركز التي تفترض التناهي، فالكون إذا كان له مبدأ أو مركز كان متناهياً أو محدوداً، بناء على أن من كان له أول كان له آخر، وإذا لم يكن للكون مبدأ أو مركز فليس له آخر أي هو لامتناهٍ أو هو لامحدود.
إلا إن كوبرنيق، بالرغم من أن ثورته فتحت آفاقاً رحبة أمام العلم الحديث، ولكنَّه بقي ذا نزعة أرسطية تجلت في رفض اللامتناهي في الكون كوبرنيق لم يكن يعتقد في الفراغ، أو في لانهائية الكون بل حاول قدر المستطاع المحافظة على أغلب المعالم الأساسية للنظرية الكونية الأرسطية والبطليموسية .
إذاً كوبرنيق لم يقطع مع الفلك البطليموسي إلا في النقطة المتعلقة بحركة الأرض وموقعها، لم يفعل ذلك بنية القطع مع الفكر القديم والوسيط بل بنية إصلاحه فقط والاستمرار فيه، ولهذا بدت ثورة كوبرنيق حسب ((راندال ))في أول الأمر وكأنها مجرد نقض لسلطة بطليموس والحقيقية أنها قذفت بالإنسان من مكانه الذي اعتصم به بكبرياء معتبرا نفسه مركز الكون وغايته وجعلت منه بقعة صغيرة على كوكب من المرتبة الثالثة يدور حول شمس من المرتبة العاشرة، والكل يسبحون في محيط كوني لانهاية له .
بقيت بعض الأفكار القديمة التي لم تستطع ثورة كوبرنيق تجاوزها، منها فكرة الحركة الدائرية للكواكب التي اعتبرها كوبرنيق الحركة الوحيدة التي يمكن أن تفسر تعاقب الحوادث بشكل منتظم، والتي بإمكانها أن تكون لانهائية.........دافع عن الفكرة التي تجعل الشمس مركزا للكون بدعوى أنها أجمل الكواكب، وأنها تنير العالم وأنها لكي تستطيع إنارة العالم لابد أن تحتل المركز فيه بالإضافة إلى أن النموذج الذي قدمه كوبرنيق كانت تنقصه الصيغة الرياضية الكمية والسبب في ذلك أن هذا النموذج كان قائماً على فرضية مركزية الشمس بحجة البساطة وليس على أدلة تجريبية يستنبط منها علاقات رياضية كمية.
العقبات الأبستمولوجية التي اعترضت النموذج الكوبرنيقي حاول كبلر(1571-1630) تجاوزها من خلال دراسة تفصيلية لحركة الكواكب حيث استطاع أن يتوصل إلى ثلاثة قوانين تعبر عن حركة هذه الكواكب:
الأول:كل كوكب يدور حول الشمس في مدار هو قطع ناقص، تقع الشمس في إحدى بؤرتيه.
الثاني:نصف القطر الذي يصل الشمس بالكوكب ويدور معه,يغطي مساحات متساوية في أزمنة متساوية.
الثالث: مربع الأزمنة الدورية التي تستغرقها الكواكب المختلفة لرسم مداراتها متناسبة مع المتوسط الحسابي لمكعبات أبعادها عن الشمس.
وتكمن أهمية قوانين كبلر بأنها غيرت النظرة حول حركة الكواكب من الشكل الدائري إلى الشكل البيضوي" القطع الناقص"إنها ثورة على الاعتقاد الإغريقي والوسيط بأن الأجرام السماوية مقدسة وبالتالي لابد من أن تدور في الشكل المقدس وهو الدائرة الكاملة مما سمح بتفسير التوقفات والتراجعات في حركة الكواكب حول الشمس وهذا ما يعبر عنه بالقانون الثاني فالكوكب يتحرك أسرع حركة حين يكون الأقرب إلى الشمس، وأبطأ حركة حين يكون الأبعد عنها .
أما القانون الثالث، الذي استنبط من خلال المقارنة بين حركات الكوكب المختلفة فتتضح أهميته عندما نقارن بينه وبين المذهب الأرسطي القائل بأن السماوات كاملة ثابتة لاتقبل التغيير ،وبذلك فقد شكل طعنة أخرى لمفهوم التناهي في الكون.
وبالرغم من وجود اختلاف بين الكوسمولوجيا الكبلرية والكوسمولوجيا الأرسطية، لم يشكل كبلر قطيعة أبستمولوجية مع المكان الأرسطي من جهة كونه متناهياً و ممتلئاً أي لا يقبل وجود خلاء، تمسكه بمبدأ السبب الكافي، كمبدأ فلسفي جعله يتبنى الاعتقاد بأن الله الذي خلق الكون في نظام هندسي بديع، يستحيل عليه أن يخلقه لا متناهياً ،فلا يعقل حسب كبلر وجود مسافة واقعية لا متناهية بين جرمين متناهيين، ويرفض كل وجود ممكن للفراغ، ويطرد كل إمكانية لوجود الخلاء ومن ثم يرفض وجود اللامتناهي بالفعل هنا يبدو كبلر أرسطي النزعة في رفض الفراغ ووجود اللامتناهي، وربما يكون مرد ذلك الخوف من سلطة الكنيسة التي كانت تتبنى النظرية الأرسطية في هذا المجال، الأمر الذي يجعل الخروج على أرسطو خروجاً على الكنيسة وتعاليم الدين.
يعتبر غاليلو(1564-1642) أول من جعل الملاحظة والتجربة من بين القواعد الأساسية للمنهج العلمي، مما ساهم في بناء المنهج التجريبي، ووضع أسس علم الميكانيك الجسم لا ينتقل بذاته من السكون إلى الحركة، و الجسم لا يغير اتجاه حركته بذاته، أو ينتقل من الحركة إلى السكون، وبين بالتجربة أن الحركة تستمر بنفس السرعة كلما أزلنا العوائق الخارجية، فمتى وجدت الحركة، استمرت دون افتقار إلى علة،أما المادة فمجرد امتداد
إن القول باستمرار الحركة كان لابد أن يفضي بغاليليو إلى القول باللامتناهي، إلا أن اللامتناهي جعله عاجزاً عن تأسيس ميكانيكا فلكية حقيقية فيزياء مكتملة، ذلك أنه كبت أنفاس مطلب كان ضرورياً لاكتمال نشأة العلم الحديث ألا وهو اللامتناهي ويمكن القول إن النزعة الأرسطية في مسألتين أساسيتين بقيت تشكل عقبة أبستمولوجية أمام تطور الفيزياء وعلم الفلك لأنَّ هاتين المسألتين هما حجر الأساس لهذا التطور وهما، مسألة الفراغ، ومسألة اللامتناهي.
منذ القرن السادس عشر أخذ اكتساب الفيزياء طابعاً رياضياً يتخذ مظهراً جلياً ومنذ ذلك الحين شغلت حركة الأجرام السماوية وحركة الكواكب حول الشمس وحركة القمر حول الأرض الكثير من العلماء والفلاسفة ويعود الفضل الأكبر إلى إسحق نيوتن(1642-1727) في تقديم تفسير علمي لهذه الظواهر فقد توصل إلى نتائج هامة في الرياضيات والميكانيك والفلك بنى عليها كوسمولوجيا عامة ذات اتساق منطقي، ساعده في ذلك أنّه كان الوريث العام لتيارين هامين ومزدهرين في التطور العلمي السابق عليه، أولهما الأختبار التجريبي، وثانيهما الأستنتاج الرياضي ، ولا تزال إلى الآن قوانين نيوتن تستخدم في وصف حركة الأجسام العادية لهذا تعتبر الأساس لعلم الميكانيك في فروعه المختلفة، وقوانين نيوتن في علم الميكانيك هي :
الأول: قانون العطالة" قانون القصور الذاتي" كل جسم يحتفظ بحالة السكون أو يسير في حركة منتظمة في خط مستقيم، إلا إذا أجبر على تغيير تلك الحالة من قبل قوى مؤثرة.
الثاني:معدل التغيير في الاندفاع"كمية الحركة" يتناسب مع القوة المؤثرة، ويكون في اتجاه هذه القوة، أو"القوة المؤثرة على جسم تساوي الكتلة ×التسارع.
الثالث:رد الفعل يساوي الفعل في المقدار ويعاكسه في الاتجاه، والجدير بالذكر هنا أن قانون العطالة لا يمكن إن يستمد من التجربة مباشرة، بل حصرا من المجهود الفكري المتلائم مع الملاحظة ، يضاف إلى قوانين الميكانيك قانون آخر ينص((على أن كل ذرة من المادة تجذب ذرة أخرى بقوة تتناسب طرديا مع جداء كتلتيهما وعكسيا مع مربع المسافة بينهما وهو ما يعرف بقانون التربيع العكسي الذي استطاع نيوتن من خلاله أن يفسر عدة ظواهر طبيعية هامة كانت مثار اهتمام العلماء في ذلك العصر منها، تسارع جسم عموديا عند سطح الأرض"التسارع الجاذبي"، ودوران الكواكب حول الشمس حركة دوران القمر حول الأرض،لكن قانون الجاذبية ينطوي على مفهوم التأثير عن بعد، فالأرض تطبق قوة جذب على القمر، كما القمر يطبق قوة جذب على الأرض، وهذه القوة تنتقل في الفراغ وبدون وسيط وبسرعة لانهائية ، هذا المفهوم اعترته عوائق أبستمولوجية ارتبطت بمفهوم اللانهاية لم يستطع نيوتن أن يتجاوزها وهي كيف تنتقل قوة الجذب هذه دون وسيط، أي كيف تنتقل في الفراغ اللامتناهي؟ جواب نيوتن كان القول بفرضية الأثير.
أما المنهج الذي اتبعه نيوتن في الوصول إلى هذه القوانين فيتلخص على النحو الآتي أولا: عدم قبول علل للأشياء الطبيعية، إلا ما كان منها صحيحا وكافيا لتفسير الظواهر لذلك يجب ربط النتائج الطبيعية بذات العلل.
ثانيا:صفات الأجسام التي لا يمكن أن تنقص أو أن تزيد يجب أن تعتبر صفات كلية لجميع الأجسام مهما كانت.
ثالثا: لا يجوز أن نهمل اليقين المتولد عن التجارب من أجل الأحلام والخيالات كما لا يجوز أن نبتعد عن مثال الطبيعة وهي بسيطة ومتفقة مع ذاتها.
وهكذا، مع قوانين علم الميكانيك وقواعد المنهج النيوتني، اكتمل ونضج علم الفيزياء الكلاسيكي، الذي بني على مطلقات ثلاث وهي الزمان والمكان والحركة، وهذه المطلقات الثلاثة تشكل فكرة اللانهاية مرتكزاً أساسياً لها، فالزمان المطلق ليس له بداية ولانهاية وكذلك المكان الممتد في الفراغ اللامتناهي هو أيضا لا متناه والحركة لا متناهية استناداً إلى قانون القصور الذاتي، هذا اللاتناهي ليس قائماً على برهان أو دليل بقدر ماهو افتراض محض قام به نيوتن وأضفى عليه خصائص معينة، مع أنه حاول البرهنة على الحركة المطلقة بواسطة القوة النابذة .
نيوتن حول العالم إلى مجرد آلة تقوم بحركات ميكانيكية يمكننا معرفتها والتنبؤ بها وهذا ما أفضى إلى ما سمي بالحتمية الفيزيائية التي وضعت حدا نهائيا للتفسيرات الميتافيزيقية والافتراضات التي لا تقوم على أساس من التجربة، فحسب قانون العطالة " القصور الذاتي" فإن الجسم المتحرك يستمرفي حركته إلى ما لانهاية إذا لم يخضع لقوى مؤثرة عليه فكرة الاستمرارية مهمة جدا عند نيوتن، من هذه الفكرة الفريدة استطاع أن يستنبط قوانينه الحركية الثلاثة، والواقع أن كل قوانينه تصبح عديمة المعنى بدون الاستمرارية .
إن فكرة الاستمرارية، تفضي إلى فكرة الأبدية وهي بدورها تفضي إلى فكرة اللانهاية، إن الأبدي في الحركة يفضي حتما إلى اللامتناهي وهنا ظهرت جرأة نيوتن العلمية حينما قرر أن هذا المبدأ مطلق الشمول وتخضع له جميع الحركات ، تتضح جرأة نيوتن هنا بالخروج عن التعاليم الأرسطية والتي شكلت سلطة معرفية امتدت لقرون طويلة من الزمن، بما أن الحركة لها وجود بالفعل، كان اللامتناهي الذي تفضي إليه له وجود بالفعل وليس بالقوة كما قال أرسطو، فالعالم تحول إلى مجرد آلة ميقاتية نيوتنية عملاقة يتوالى فيها السبب والنتيجة، لا مكان للمصادفة فيها.
لقد استطاع نيوتن من خلال المفاهيم الأساسية لقوانين الميكانيكا واكتشاف قانون الجاذبية الأرضية أن يضع كوسمولوجيا تفسر جميع الحركات سواء أكانت على الأرض أم في السماء، وهذه الكوسمولوجيا استمرت حتى أواخر القرن التاسع عشر، فقد مثلت أفكار نيوتن قطيعة أبستمولوجية مع كل من سبقه، هذه القطيعة الأبستمولوجية التي دشنها جاليليو لم تصبح قطيعة عامة على مستوى البنية الفكرية السائدة إلا بعد قرن من الزمن، أي بعد مجيء نيوتن وقيام ميكانيكاه العقلية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر ترفض اقتراحا إسرائيليا جديدا لإعادة فتح معبر رفح


.. الانتخابات التمهيدية في ميريلاند وويست فيرجينا تدفع الجمهوري




.. حرب غزة.. تصورات اليوم التالي | #غرفة_الأخبار


.. حزب الله يعلن تنفيذ 13 هجوما ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. الباحث السياسي سعيد زياد: توسيع نطاق الحرب خارج فلسطين لا يخ