الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوحشية والتسلط قيم إنسانية خالصة

خطاب عمران الضامن
باحث وكاتب.

(Khattab Imran Al Thamin)

2015 / 9 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المؤسف حقاً أن يتلقى الفرد من أسرته ومجتمعه مجموعه من القيم والمفاهيم والممارسات، فيؤمن بأنها الوسيلة الأفضل للتعامل والتعايش مع الآخرين، ومنها قيم الصدق، العدل والنزاهة، إتقان العمل، إكرام الضيف، كف الأذى عن الناس بل مساعدتهم قدر الإمكان، وغيرها الكثير من القيم التي تغص بها البيئة التي نشأت فيها، وهي بيئة ريفية في أحدى مدن العراق الواقعة على ضفاف دجلة، لنكتشف بعدها أن هذه القيم ليست إلا أوهام يخدع المجتمع بها نفسه ليجمل صورة الأنسان ليس إلا.
الصعوبة أو المأساة التي أتحدث عنها تتلخص حين يكتشف المرء منا زيف هذه القيم ولا جدواها في الحياة العملية، فالصدق في واقع مجتمعنا ما هو إلا حفره كبيرة نقع في قعرها حينما نقول الحقيقة.
والعدل والنزاهة في هذا المجتمع عبارة عن منهج يهبط بالإنسان إلى أسفل طبقات الناس، فحين يطبق أحدنا قيم العدل والمساواة على القوي والضعيف دفعة واحدة، ستكون النتيجة تعرضه للأذى بأبشع صورة على يد ذلك الفرد القوي، بينما يقف الضعيف عاجزاً عن فعل أي شيء سوى الشكر والامتنان الأخرس الذي ليس له أي تأثير ذو قيمة.
وإتقان العمل دون استخدام الكذب والمراوغة والتحايل سوف تكون نتيجته وبال على صاحبه، إذا لم يستخدم معه فنون التسلق على أكتاف الآخرين وكسر رقابهم.
وإكرام الضيف عندنا ما هو إلا وسيلة لإشباع النفس العربية المتعالية بمخدر قصير المفعول والأثر، فسرعان ما ينسى الضيف هذا الكرم في خضم ركضه وراء متطلبات الحياة ونزعاتها وأهوائها المتصارعة.
أما مساعدة الآخرين فهي وسيلة لا تجلب لصاحبها سوى كلمة شكرا وبارك الله فيك في ضل حياة مادية لا تفهم سوى لغة الدولار والدينار.

أنني اكتب وأعلم أن التشاؤم يطغى على مشاعري وهواجسي كنتيجة فعلية للظروف التي نمر بها جميعا كعراقيين وسوريين وغيرنا، فأي قيمة للصدق ولكل القيم التي لا تصمد أمام عصابة أو تنظيم مسلح يعتدي على إنسانيتنا المزعومة عن طريق القتل والاغتصاب والاستعباد، وأعني بذلك مئات الآلاف من الأبرياء الذين تم قتلهم واغتصابهم واستعبادهم فقط بسبب انتمائهم إلى مجموعة دينية أو طائفية أو قومية أو سياسية تختلف عن تلك العصابة أو هذا التنظيم.
وأي قيم للدين والمجتمع هذه التي وبتخويل منها تقوم تلك الجماعات بالاستيلاء على بيتك، سيارتك وممتلكاتك فقط كونك بعيد عنها.

قد يتقدم أحد القراء أو الزملاء بمداخلة مفادها أن ما نتعرض له على أيدي تلك العصابات ما هو إلا أعمال بربرية تتنافى مع قيم الدين والإنسانية الحق التي نؤمن بها جميعاً، وهذا تبرير جيد ومسوغ مقبول يمكن أن يؤجل والى فترة قصيرة تمسكنا بتلك القيم, لكننا سرعان ما نجد الواقع يضج بالكثير من المخالفات والمغالطات في حياتنا العملية.
الوحشية والتسلط مفتاح النجاح.

إنني ويا للأسف لازلت متمسكاً بالقيم التي غذيت بها من مجتمعي الذي سبق ذكره، ولفترة تزيد على الثلاثين عاماً، ولا زلت مؤمناً أن الصدق والعدل والتفاني في العدل والنزاهة هي الطرق المثلى لتحقيق النجاح وكسب الآخرين، لكن الواقع يخبرنا بغير ذلك، فالإرهاب والقدرة على إلحاق الأذى بالآخرين كان السبيل الأوحد أمام معظم من حققوا النجاحات عبر التأريخ، ولازال معظم الناجحون في الوقت الحاضر يستمدون نجاحاتهم عن طريق الإرهاب وكل ما هو مخالف للقيم التي نعلمها لأجيالنا، مع استخدام الأقنعة لخداع الآخرين وتحسين صورهم.

تجربتي الشخصية في هذا المجال.
إن الأفكار التي أدونها هي نتاج تجربة فعلية أمر بها حالياً في المكان الذي أعمل فيه، وقد ابتليت أو ربما مُنحت نموذجاً بشرياً يجسد كل تفاصيل الموضوع الذي أحدثكم عنه، أنه إنسان بكل ما تحمله كلمة إنسان من معاني حقيقة، يشبه الى حد كبير الكثير من السياسين عبر التأريخ، فهو لا يتوانى عن تلبيس التهمة بعد الأخرى عن طريق الكذب والافتراء برقبة من يقف أمام ما تخطط نفسه وما تمليه علية رغباته ونزواته, ولا يمنعه أي رادع عن إرهاب الآخرين وترويعهم بالتهديد بالفصل من الوظيفة، هذا الفصل الذي يؤدي بهذا الموظف أو ذاك إلى السكن تحت سقف هيكل بناء مخيف، وفقر وحرمان.

وأليكم تجربتي مع هذا الإنسان أو قل الذئب المفترس، فالحقيقة أن لا فرق بين الذئب والضبع والإنسان، جميعهم حيوانات من فصيلة واحدة، والاختلاف بينهم هو اختلاف في الدرجة لا النوع، وأزيد على ذلك أن الإنسان أشد بطشاً وافتراسا من هذا الذئب وذلك الضبع، نتيجة لكبر حجم دماغه حيث ساعد هذا الدماغ الإنسان ليكون الأشد بطشاً والأكثر افتراسا بين سائر الحيوانات، ويجب أن نتقدم بالشكر والحمد لهذه الطبيعة التي أمدتنا بالملايين من الأبقار والأغنام والطيور لنقوم بقتلها وافتراسها، ولولا كرم هذه الطبيعة لكان غذائنا على بعضنا البعض دون أدنى شك!!.
أعود لأحدثكم عن تجربتي مع هذا النموذج الإنساني المتجرد من كل ألأقنعة التي تخفي غرائز الإنسان، فبعد ثمانية عشر عاماً أمضيتها في مدينتي تلك بالعمل والكد المتواصل بشتى الاعمال الجسدية والتجارية ومنذ كنت في سن السادسة عشره، تمكنت من بناء أكثر من دار سكنية ومحل تجاري، لأشغل مع عائلتي أحداها واؤجر الأخريات لمن كان في حاجه، وبعد أن كنت في بحبوحة من العيش كما يقولون، أبتلينا جميعا بسيطرة ذلك التنظيم الوحشي على منطقتنا، فاضطررت إلى المغادرة نحو مدينة مجاورة مع عائلتي هربا من وحشية هؤلاء وبطشهم، ليقوموا بعدها بالاستيلاء على كل ما أملك وسرقته كما فعلوا مع الآلاف غيري، فوجدت نفسي وعائلتي بين مطرقة التهجير والاضطهاد العنصري، وبين سندان متطلبات الحياة وثقل إيجار المنزل الذي لم أدخر له شيئاً، حيث كانت كل ممتلكاتي عبارة عن عقارات من دور ومحلات تجارية.

بصيص الأمل.

في خضم هذه الظروف شاءت الأقدار أن أتقدم وبحكم تحصيلي الدراسي إلى وظيفة، وأن أقبل فيها لتكون الوسيلة الوحيدة لنجاتي وعائلتي من هذه الظلمات الموحشة المرعبة، وما كان مني إلا أن أستخدم كل القيم الدينية والاجتماعية التي تحدثت عنها في عملي هذا، ضناً مني أنها خير وسيلة لإرضاء المسئول في هذا المكان، كانت ساعات العمل طويلة تبدأ منذ الساعة الثامنة والنصف صباحاً لتنتهي بعد السادسة مساءً، مع ساعة تفريغ لتناول الغداء، وكنت ولا زلت سعيداً بهذه الوظيفة ومرتبها الذي يذهب نصفه تحديدا كبدل لإيجار المنزل، لأقنن ما تبقى منه في شراء المواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية للحياة، فعشت سنة من الاقتصاد والتدبير لم أرى بضيقها طوال حياتي، ويعلم من مر بهذه الظروف صدق كلامي.

ومن سوء القدر أو حسنه، فوجئت بأن احد المسئولين يطالب بطردي على الفور وبحجج ومبررات تافهه بحسب رأي جميع المسئولين الآخرين، ونتيجة لتعاطف بعض الزملاء وإرشاداتهم ذهبت لذلك المسئول وبكل احترام مستفسراً عن سبب فصلي، متشفعاً بالتزامي بساعات العمل الشاقة شارحاً له الظروف التي أمر بها ومدى اعتمادي على هذا المرتب.

لقد كان هذا الرجل في بداية العقد الخامس من العمر، نحيف الجسم متوسط القامة، كثير المجاملة تعلو وجهه ابتسامة صفراء لا يعرف صدقها من كذبها، وما كان منه إلا أن يجاملني بلطفه المعهود ويبلغني انه لا يمكن أن يؤذي أحدا مهما كان الأمر، والحق يقال إنني خرجت من مكتبه فرح مطمئن من شبح الفصل ومقاساة تلك الظروف بدون مرتب.

أبلغني اثنان من الزملاء بسرية وخوف، بأن الأمر لن ينتهي، وهذا الرجل شرير يعشق الانتقام والتسلط، ولسوف يوقع بي بأقرب فرصة، ورووا لي قصص طويلة عن مغامراته في إغواء (؟؟) وإلحاق الأذى في من امتنعن عن (؟؟)، والحق يقال أنني أمضيت أيام وليال طوال في التفكير عن أسباب ودوافع هذا الاستهداف والإيذاء، وقد توصلت إلى إحدى تلك الأسباب ولكن بعد فوات الأوان، لقد كان السبب هو صدور أمر تعييني دون مشاورته، يا لها من جريمة اقترفتها وأنا لم أكن أعرفه ولا أعلم كم يمتلك من نفوذ وسلطة تصل إلى حد الإرهاب.
عودة إلى القيم التي تضر ولا تنفع.
تأكدت حينها إنني في مأزق خطير، فأي غلطة أو كبوة مني ستؤدي بي وعائلتي إلى شبح الفصل بكل ما ينتج عنه من معاناة وظروف، وفي محاولة مني لتجنب هذا الخطر المحدق عدت مرةً أخرى إلى الحلقة المفرغة من القيم التي زرعها المجتمع في أعماق نفسي، الصدق، الالتزام بالعمل، الاحترام والتبجيل لهذا الشخص وغيره.

ويا لخيبتي في الرجوع إلى هذه القيم التي لا تصلح ألا بين الابن وأبيه، والأم وابنها، أي إنها قيم تصلح داخل الأسرة، أو بعض القرى البسيطة فقط، أما خارج أسوار المنزل والقرية، فالقيم التي تصلح للنجاح وكسب رضا أو خوف الآخرين فهي الكذب بأبهى صوره، شهادة الزور، وكسر رقاب الآخرين للنجاة بنفسك، نعم فالسكوت عن السرقة والفساد يرضي مسئولك، إضافة إلى التمييز العنصري والطبقي والسياسي بين المراجعين، فكانت خيبتي بالتمسك بالقيم الغير مجدية، وفشلت بالتمرس على القيم التي تتطلبها الحياة فيما ذكرت.

وبعد بضع أشهر تحققت نبوءات الزملاء، فوجئت برئيس الدائرة ليستدعيني وبيده محضر طويل عريض قُدم من الشخص المذكور بحقي، لتشكل لجنة للتحقيق مع بتهمي تركي لمقر عملي لبضع دقائق، لقد كان هذا الشخص متربصاً بي عن طريق جواسيسه، فاستغلوا فرصة نزولي من طابق إلى أخر ليوقعوا بي، وبالرغم من أنني لم اترك المكتب فارغا حيث أبلغت احد الموظفين بالبقاء فيه لحين عودتي، فقد كانت هذه التهمة كبيرة جداً نتيجة خوف الجميع من ذلك الشخص، ومعرفتهم بمدى إمكانياته في إلحاق الأذى بهم قبلي أنا.

بعض الاستثناءات.

إنني وفي معرض الحديث عن هذه التجربة وبالرغم من قناعاتي بالطبيعة البشرية التي تحدثت عنها، لا استطيع إنكار تعاطف بعض المسئولين وواحد من الموظفين معي، كلً على انفراد ونصحهم إياي بسرية تامة، وأذكر لكم ما قاله احدهم:
إنني اعلم بأنك شخص محترم ونظيف، ولكن ماذا عسا أن افعل، انه شخص شرير وسوف لن يتركك أبداً، نصيحتي لك: اترك هذا المكان وابحث عن عمل أخر، فيا لها من نصيحة، إنها صوت القيم التي تربينا عليها، صوت ضعيف لا يقوى على مقاومة وحشية الإنسان الحقيقي.
أنني ونتيجة للضغوط الكبيرة المتمثلة في مصير عائلتي ولقمة عيشها، اضطررت إلى الذهاب لذلك الشخص، وهذه المرة متضرعا باسمي آيات الأسف والاعتذار عن ما بدر مني من مخالفة، متشفعاً بالظروف التي أمر بها، وخلال الحديث والأعتذار، وبسبب الانفعال وجدت شخصاً أخر يتحدث نيابة عني، أنه الإنسان الذي يكمن في عقلي الباطن، ذلك الإنسان الذي لازال وللأسف يؤمن بتلك القيم الريفية العفوية، وما كان مني إلا أن أقول له وبلهجة حادة:
أقسم بشرفي لولا الظروف التي أمر بها من احتلال مدينتي واغتصاب أملاكي لكنت قدمت استقالتي الآن وفوراً.
لم ينطق بكلمة واحدة، مما جعلني استرسل أمامه وهو الإرهاب الصامت بعينه لأكمل:
ما فائدة العمل بصدق وأمانه وحرص إذا كانت المكافأة هي التحقيق والتوبيخ والتهديد بالطرد؟، لكن الظروف ترغمني على البقاء.
لم ينطق بكلمة واحدة فقد كان يمتاز بالمجاراة وعدم إظهار العداء ولا التهديد.
خرج على عجالة ليتركني وحدي بين أثاث ذلك المكتب الفخم، خرجت اجر ذيول الخيبة والخسران فقد فشلت مرةً أخرى في إتقان القيم التي لابد لكل إنسان في مجتمعاتنا أن يتعلمها ويتقنها، إذا ما أراد الاستمرار في الحياة، والعتب كل العتب على ذلك المجتمع الذي يخدع أبناءة بزيف القيم الإنسانية، فالإنسان هو حيوان ذو عقل كبير، يعشق القتل وإلحاق الأذى والتسلط وكل ما هو موجود في الذئب والضبع كما ذكرت.

ما هو الحل

كلمة لابد منها بعد هذا الحديث، وهي ما هو الحل، إذا اجمعنا أن القيم الاجتماعية والدينية على حد سواء قد فشلت عبر التاريخ في منع الإنسان من اقتراف كل الموبقات والجرائم، فتأريخنا وحاضرنا مليء بشتى أنواع الجرائم والفضائع التي ارتكبها المتدينون قبل غيرهم، ولا مجال هنا لذكرها، إن الحل وفق تقديري هو انتهاج سبل العدالة المدنية كوسيلة لكبح وحشية هذا الإنسان القاتل المعتدي، عن طريق سن القوانين وتعميم قيم حقوق الإنسان بعيداً عن القيم الدينية السائدة في مجتمعاتنا، وخير مثال على ذلك ما حققته شعوب الغرب التي عانت من ويلات الدين والقبلية ولم يستقر لها عيش إلا بسن القوانين المدنية والضرب بيد من حديد على هذا الإنسان أو الحيوان المعتدي فكلاهما من نوع واحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المنصب
عبدالرحمن البگات ( 2015 / 10 / 9 - 20:29 )
مع الأسف الشديد العراقيون متعطشون للسلطلة وحب الكراسي وفعل اي شي من اجل الحصول على هذه المناصب ليس من اجل تقديم خدمة او منفعة للمجتمع الذي نشأ فيه كنوع من الوفاء للأرض التي ترعرع فيها وإنما نوع من استغلال السلطة للذات شخصية ومنافع هذا من جهة ومن جهة اخرى ايذاء أناس مجتهدين ناجحين وهذا يبرر الوضع الذي وصلنا اليه.
حيث اختيارنا للافراد الذين يقودون المجتمع يكون على اساس حزبي او طائفي او قومي وليس على اساس علمي او على اساس تجارب سابقة او اعمال قاموا بها هولاء الاشخاص الذين يقودوننا.
أما بالنسبة لتربية اهلنا لنا فهذه مشكلة اعاني منها من جانبين :-
الجانب الاول هو معاناتي في الحياة حيث كبرت وترعرعت على خصال معينة في الحياة الاسرية تنافي الحياة العملية فاصبحت في صدمة من هذا الواقع.
والجانب الثاني هو تربيتي ل اولادي ف اقول لهم لاتكذبوا وانا في نفسي ارى نفسي ولاأحب ان يصدم اولادي بهذا المجتمع كما صدمت.
ف الامر لله الواحد القهار والله المستعان على كل ظالم.
بارك الله فيك اخي العزيز وننتظر كتابات اخرى وفقك الله.

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ