الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدستور بين الأصوليه و المدنيه ج 1

سامح سليمان

2015 / 9 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



برغم أن دستور 1923 تضمن العديد من المواد التى التى تدعم فكرة الدوله الحديثه مثل الماده رقم ( 1 ) التى نصت على أن "مصر دوله ذات سياده وهى حره مستقله " والماده رقم ( 3 ) التى نصت على " المصريون لدى القانون سواء ، وهم متساوون فى التمتع بالحقوق المدنيه والسياسيه ، وفيما عليهم من الواجبات والتكاليف العامه ، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الأصل أو اللغه أو الدين " والماده رقم
( 4 ) التى نصت على " الحريه الشخصيه مكفوله " والماده رقم ( 12 ) التى نصت على " حرية الأعتقاد مطلقه " والماده رقم ( 15 ) التى نصت على " الصحافه حره فى حدود القانون ، والرقابه على الصحف محظوره ، وإنذار الصحف أو وقفها أو ألغاؤها بالطريق الأدارى محظور " والماده رقم ( 20 ) التى نصت على " للمصرييم حق الأجتماع فى هدوء وسكينه غير حاملين سلاحاً ، وليس لأحد من رجال البوليس أن يحضر أجتماعهم ولا حاجه بهم إلى أشعار ه . والماده رقم ( 23 ) التى نصت على أن " جميع السلطات مصدرها الأمه "
رغم هذه المواد الصريحه التى ترسخ دعائم دوله عصريه ، وتواكب التطور الدستورى والسياسى فى الأنظمه الليبراليه ، فإن الليبراليين المصريين أنتقدوا الدستور لما فيه من عيوب ونقض وتناقض ، وركزوا هجومهم على الماده رقم ( 149) التى نصت على أن "الأسلام دين الدوله " وهى الماده التى نجح التيار الأصولى فى فرضها . وبينما كانت مواد الدستور مجرد مشروع ، أى قبل أن يعتمد الدستور رسمياً للعمل بمقتضاه ، كتب محمود عزمى مقالاً فى جريده ( الأستقلال ) فى عدد 22 سبتمبر 1922 بعنوان ( العقيده الدينيه فى لجنه الدستور ) قال فيه " إن ذلك النص المقرر للدوله ديناً رسمياً هو ذلك الذى يريد أن يستغله أصحاب الأراء العتيقه ، وهو الذى سيجر على البلاد أرتباكاًُ قد ينقلب إلى شر مستطير " وطالب البعض أمثال الشيخ ( شاكر ) نتيجة ذلك النص بضرورة "أشتمال مواد الدستور بما يجعل أحكام الدين هى المتفوقه على كل تشريع " فكتب محمود عزمى " وبالتالى سيأتى وقت على سكان مصر فى هذا القرن العشرين ، فتقطع الأيدى والأرجل من خلاف ، والرجم بالحجاره ويكون السن بالسن والعين بالعين ، نحن نلفت النظر وسنستمر على لفت النظر إلى الخطر المحدق الذى يجئ عن طريق هذا النص " وبعد أن صدر الدستور واصل محمود عزمى ، ذلك المفكر المصرى الشجاع ، دفاعه عن الأمه المصريه التى يجب ان تكون ليبرالية الفكر والسياسه ، فكتب أن الدستور جاء ( هجيناً ) يجمع بين الشئ ونقيضه .
فالأمه مصدر السلطات ، والملك له الحق مع المجلس النيابى فى التشريع ، ويوازن بين سلطة الملك الأوتوقراطيه وبين سلطة الأمه ذات المضمون الديمقراطى . وينص على أن حرية الأعتقاد مطلقه ، وفى نفس الوقت ينص على أن الأسلام هو الدين الرسمى للدوله . وهكذا أصبحت البلاد فى مفترق الطرق ، وأصبح الدستور ثوباً فضفاضاً ويسهل تأويله على أوجه عده ...... ألخ .
أما عميد الثقافه المصريه ( طه حسين ) فبالرغم من وعيه بأن الاصوليين متربصون له،وخصوصاً بعد معركة كتابه
( فى الشعر الجاهلى )
عام 1926 ، فإنه أمتلك شجاعة الكتابه فى مجلة الحديث عدد فبراير 1927 فقال " لست أرضى عن هذا الدستور الرضا كله ، ففيه نقص وفيه تشويه وفيه نصوص لابد من تغييرها . ثم هاجم الذين صاغوا مواد الدستور هجوماً عنيفاً بسبب الماده التى نصت على أن الأسلام هو دين الدوله . وببصيرته الرحبه أنتقد هذا النص ، ومن يقرأ المقال اليوم يدرك أن طه حسين كان يستشرف المستقبل المتردى الذى نعيشه الأن ، حيث ذهب إلى أن النص فى الدستور على أن الأسلام هو دين الدوله " مصدر فرقه ، لانقول بين المسلمين وغير المسلمين فقط ، وإنما نقول إنه مصدر فرقه بين المسلمين أنفسهم ، فهم لم يفهموه على وجه واحد ، وأن النص على دين للدوله يتناقض مع حرية الأعتقاد لأن معنى ذلك أن الدوله مكلفه أن تمحو حرية الرأى محواًُ فى كل ما من شأنه أن يمس الأسلام من قريب أو من بعيد ، سواء أصدر ذلك من مسلم أو عن غير مسلم . ومعنى ذلك أن الدوله مكلفه بحكم الدستور أن تسمع ما يقوله الشيوخ فى هذا الباب ، فإذا أعلن أحد رأياً أو ألف كتاباً أو نشر فصلاً أو أتخذ زياً ، ورأى الشيوخ فى هذا مخالفه للدين ونبهوا الحكومه إلى ذلك ، فعلى الحكومه بحكم الدستور أن تسمع لهم وتعاقب من يخالف الدين أو يمسه . " وفى هجومه على الأصوليين ذكر أنهم " كتبوا يطلبون ألا يصدر الدستور ، لأن المسلمين ليسوا فى حاجه إلى دستور وضعى ومعهم كتاب الله وسنه رسوله ، وذهب بعضهم إلى أن طلب من لجنة الدستور أن تنص على أن المسلم لايكلف بالقيام بالواجبات الوطنيه ، إذا كانت هذه الواجبات معارضه للأسلام ، وفسروا ذلك بأن المسلم يجب أن يكون فى حل من رفض الخدمه العسكريه ، حين يكلف بالوقوف فى وجه أمه مسلمه ، كالأمه التركيه مثلاً " إن النقد الذى وجهه الليبراليون المصريون ضد دستور 1923 إنما هو جزء من المشروع الثقافى لهؤلاء المثقفين الذين أمتلكوا شجاعة الأعلان عن أرائهم بوضوح ، تلك الأراء التى يمكن تلخيصها فى جمله واحده : إنه لا يمكن خروج مصر من ثقافة ومن أليات القرون الوسطى إلا بعد تأسيس دعائم الدوله العصريه ، وأول هذه الدعائم ضرورة فصل الدين عن الدوله وبتعبير أدق ، فصل المؤسسات الدينيه عن المؤسسات السياسيه ، وأن المحك الطبيعى والمدخل الحقيقى لهذا الفصل هو أعداد دستور عالمانى يخلوا من النص على دين معين للدوله ، كما هو الوضع فى الأنظمه الليبراليه ، التى تكرس دساتيرها وقوانينها لترسيخ حق المواطنه ، وتعلى من شأن هذا الحق ، الذى يتجسد فى منظومة أن الولاء للوطن سابق على أى ولاء ( عقيدى أو مذهبى أو فلسفى ) وتتأسس فلسفة هذه الدساتير على أن الدوله وفق التعريف القانونى ، شخصيه أعتباريه ، مثلها مثل المؤسسات والهيئات ، وأن المؤسسات والهيئات ليس لها دين ولا تتعامل بالدين ، وفى ضوء هذا التعريف القانونى ،فإن الدوله يجب أن تكون محايده تجاه مواطنيها ، وأن هذا الحياد هو الضمانه الحقيقيه لتطبيق قواعد العداله على جميع أبناء الوطن بغض النظر عن ولاءاتهم الدينيه ، وفى ضوء هذا الفهم الوطنى العلمى لمعنى الدساتير العالمانيه فإن الليبراليين المصريين فى عشرينيات القرن العشرين ، كانوا يدقون اجراس الخطر من خطورة النص على دين معين للدوله . ولعل هذا ما جعل الزعيم الوطنى ( جواهر لال نهرو ) أن يصف دستور 1923 الذى صدر بعد تضحيات شعبنا فى ثورة 1919 بأنه " لا يشبهه دستور أخر فى الرجعيه "

( نقلاً عن كتاب الليبراليه المصريه قبل 1952 للكاتب طلعت رضوان : أصدار الهيئه المصريه العامه للكتاب 2010 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah