الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسفة الأعداد المتجاوزة

مازن ريا

2015 / 9 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فلسفة الأعداد المتجاوزة
إذا كان ديكارت قد انتقل بالعلم الرياضي من الحقل الهندسي إلى الحقل الجبري فإنّ هذا الانتقال احتفظ بشيء من الهندسة ألا وهو الخط المستقيم الذي يتم به تحديد الأشكال الهندسية المعبر عنها رياضياً بواسطة التوابع وفق إحداثيات معينة، الأمر الذي يعني بقاء فكرة الاتصال التي تستلزم بالضرورة فكرة اللانهاية، إذ لم يحدث أنّ أحداً من الرياضيين حتى منتصف القرن التاسع عشر شكّ في قيمة الحدس الهندسي الذي تقوم عليه فكرة التابع وكأن فكرة الاتصال كانت خاصة من خواص التابع.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت اكتشافات جديدة في ميدان التحليل الرياضي، فقد ابتكر الرياضي الفرنسي" كوشي Cauchy "دالة --function-- "تابع" منفصلة وأدخل الأعداد التخيلية* في دراسة التوابع وقد نجم عن اكتشافه هذا أن تعرض الحدس الهندسي للاتصال إلى طعنة نجلاء في علم التحليل، لأن الاتصال كان ملازماً للتوابع، مما دفع بعد ذلك، الرياضي الألماني وييرستراسWeierstrass إلى التفريق بين فكرتي الاتصال والتفاضل اللتين كانتا متلازمتين متماسكتين في التفكير الرياضي إلى ذلك الوقت، وذلك عندما ابتكر تابع متصل لايقبل التفاضل، وبذلك تم استبعاد الحدس الهندسي من الحقيقية الرياضية، والتركيز على فكرة العدد حيث اعتبر الرياضيون ((أن الأعداد هي المعيار الأول لكل يقين رياضي فاشتقوا من الحساب كل أنواع الدوال والنظريات، واحتاجوا في سبيل ذلك إلى نظريات إضافية معقدة لكي تقوم الرياضيات كوحدة مسلسلة قاعدتها علم الحساب)).
وهكذا وبعد هذه التطورات التي حصلت في الفكر الرياضي في القرن التاسع عشر، أصبحت الأعداد وحدها تعبر عن الحقائق الرياضية) مما ساهم في نضوج فكرة اللانهاية في نظرية المجموعات التي ظهرت في أثناء دراسة صفات المجموعات الكبيرة أي المجموعات التي لها عدد كبير من العناصر، والتي تضم بالطبع العدد اللامتناهي وأهمية هذه النظرية أنها ((تكمن في قاع جميع فروع الرياضيات بمثابة الأسس التي ينطلق منها هذا الفرع أو ذاك بالإضافة إلى استقلالها المطلق باعتبارها فرعاً من فروع الرياضيات)) وبفضل نظرية المجموعات أصبحت لغة الرياضيات أكثر بساطة وأكثر دقة، فالمجموعات لها استخدامات لا حصر لها يمكن اعتبار كل شيء مجموعة، أو يمكن التعبير عنه بمجموعة، وأي تجمع للأشياء هو مجموعة بشرط أن تربط بين عناصر هذا التجمع صفة عامة.
ويعتبر العالم الرياضي جورج كانتور*(1845-1918) المؤسس الفعلي لنظرية المجموعات
ويرى بعض المؤرخين أن ما دفع كانتور لإدخال نظرية المجموعات في الرياضيات قد ((يكون مردّ ذلك توجه كانتور نفسه نحو الفلسفة ودراسته للانهايات بصورة خاصة، إنه اهتم بالسؤال التالي: أي الأعداد أكثر؟ الأعداد الطبيعية أم الأعداد الحقيقية))
عرف كانتور المجموعة بالقول: ((إن المجموعة تعني تجمعاً في وحدة تامة لأشياء واضحة بالإدراك الحسي أو العقلي)) ، هذه الوحدة تفترض وجود رابطة أو صفة مشتركة بين عناصر المجموعة. في حياتنا اليومية كل كلمة تدل على تجمع تعبر عن مجموعة مثل الكلمات الآتية: أسرة ،فريق، جيش، سرب ...
وقد قسم كانتور المجموعات إلى نوعين:
أولاً: مجموعات منتهية، يمكن لنا أن نعدّ عناصرها مثل مجموعة ألوان Dچِrس قزح.
ثانياً:مجموعات غير منتهية وهي نوعان: مجموعات قابلة للعدّ وأخرى غير قابلة للعدّ ((فالمجموعة اللانهائية يمكن عدّها إذا أمكن ترقيم عناصرها بالأعداد الطبيعية، أمّا المجموعة غير القابلة للعدّ فهي المجموعة التي لا يمكن ترقيم عناصرها بالأعداد الطبيعية* مثل مجموعة نقاط المستقيم ومجموعة الأعداد الحقيقية** )) .أكدت نظرية المجموعات بظهورها، ((نزعة تأسيس الرياضيات كلها ومنها الهندسة على أساس الأعداد الطبيعية بحيث تشيد الرياضيات كلها على أساس علم الحساب المعروف، كما وسعت من أفق فكرة العدد ذاته عندما أضافت إلى سلسلة الأعداد الصحيحة والتي سمتها العدد المتناهي سلاسل من الأعداد الجديدة تجيء بعد السلسلة المنتهية وأسمتها الأعداد العابرة أو المتجاوزة للمنتهي)).
الأعداد المتجاوزة "الموغلة أو العابرة " Transfininte Numbers تختلف عن الأعداد الطبيعية والتي تنشأ بإضافة واحد إلى واحد إلى ما لانهاية إنَّ هذه الأعداد (( يسلم بها من البداية على أنها ناشئة بعد أن نفرغ من تكويننا للأعداد كلها عددا )).
يفرق "رسل" بين العدد الموغل و العدد الاستقرائي الذي يعرف من إضافة العدد واحد إلى العدد الذي يسبقه بالقول: ((إن هذا العدد الجديد لا يتغير بإضافة أو طرح العدد واحد أو مضاعفته أو قسمته بأي عدد بالعمليات التي تخطر على بالنا إنها ضرورية بحيث تجعله عددا أكبر أو أصغر)) ، وبمعنى آخر فالخاصية الاستقرائية لاتوجد في الاعداد اللامتناهية، لأن أول الأعداد اللانهائية ليس له عدد سابق عليه، يضاف خاصة أخرى وهي خاصية اللاترتيب، حيث لانجد متناهياً أكبر من لامتناه آخر، وهنا يفقد العقل إحدى بديهياته وهي أن الكل أكبر من الجزء، فالعدد اللامتناهي لايزيد أو ينقص من خلال إضافة عدد متناهٍ من الأشياء إليه أو طرحها منه، مما يجعله يتمتع بصفة أخرى وهي الانعكاسية.
فالمجموعات المتجاوزة، أو الموغلة مابعد اللامتناهي هي المجموعات غير القابلة للعدّ، وكان كانتور قد أوضح في عام 1874(( أن مجموعة الأعداد الحقيقية R لايمكنها أن تقابل واحداً-إلى-واحد مع الأعداد الطبيعية N))
بمعنى آخر ((إنَّ الأعداد الحقيقية هي أكثر من الأعداد الطبيعية مع أن المجموعتين لانهائيتان وفي الحالة العامة تكون المجموعات غير القابلة للعد ذات عناصر أكثر من المجموعات القابلة للعد)).
هكذا يمكن القول:إننا عندما نتعامل مع اللانهايات في نظرية المجموعات نجد أن هذه اللانهايات ليست متكافئة، أي لايمكن إجراء مقابلة واحدة إلى واحدة، ولعل هذا من أغرب اكتشافات كانتور في دراسة اللانهايات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تبدأ من مدينة تبري


.. مقاطعة حفل ممثل هوليودي لدعمه للاحتلال الإسرائيلي




.. حزب الله: استهدفنا مواقع إسرائيلية في الجليل الأعلى ومزارع ش


.. الاتحاد الأوروبي يفعّل نظام كوبرنيكوس لمساعدة إيران.. ماذا ي




.. استشهاد رئيس قسم الجراحة بمستشفى جنين