الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل المريض – ألفاظ: عاهرة، ديوث، كنموذجين.

نضال الربضي

2015 / 9 / 25
المجتمع المدني


العقل المريض – ألفاظ: عاهرة، ديوث، كنموذجين.

من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي و بالأخص الفيسبوك في معرض ِ التفاعل ِ مع أي قضية، سيندهش ُ من نوعية ِ تعليقات ِ الفئة ِ الشبابية بالخصوص، فهي بشكل ٍ يكادُ يكون ُ دائما ً مصبوغة ٌ بمزيج ٍ من الدين و الجنس.

المُدهش ُ ليس َ توظيف ُ الدين كمبدأ، لكن قناة ُ نقل ِ هذا التوظيف، فاقتباس ُ الشباب الذكور للفكرة ِ الديني يُرافِق ُ مفردات ٍ جنسية ٍ تُقحم ُ فيها نساء ُ بيت ِ و مُحيط ِ المردود ِ عليه في التعليق، مع طعن ٍ شخصي ٍّ بأخلاقِه ِ و رجولته، بالتزامُن ِ مع غياب ٍ تامٍّ أو حضور ٍ لا يُذكر للفكرة ِ الرئيسية التي كان يجب ُ أن يُردَّ عليها. إننا هنا أمام ردود ٍ لا تعتني بالفكرة أبدا ً إنَّما تُفرِّغ ُ حمولات ٍ أيدولوجية دينية، و اجتماعية شعبية في مواضِع ٍ ليست لها. إننا ننظر ُ بوضوح ٍ إلى ظاهرة ِ غليان ٍ ديني اجتماعي مُتحفِّز جاهز ٍ للانقضاض يبحث ُ لنفسِه ِ عن مكان ِ تفريغ و مشهد ِ استعراض. إنَّها عشوائية ُ الضرب و الاستهداف المبنيَّة ُ على غضب ٍ يُستدعى و يُبنى و يتم ُّ التكديس ُ فوقَه ُ عن قصد ٍ و إرادة من قِبل بعض ِ شيوخ ٍ يمتهنون َ الغوص َ في النفس ِ الشبابية لإخراج ِ كل ِّ المبادئِ السلبية و تصديرها في واجهة ِ الوعي، و جعلها المرجعيَّة َ في الحُكم ِ على الحياة.

يدهشني في الردود كثرة ُ استخدام للشباب للفظ: ديوث، لوصف أي شاب يتحدث عن الاختلاط و الرقص و الفرح. هؤلاء يرون الأفعال الإنسانية َ الطبيعية َ مظاهرَ لجوهر ٍ فاسد يتجرد فيه المرء من كرامته الأنسانية و رجولته معا، بالتزامن مع تحول المرأة إلى عاهرة، ليلتقي عهرها مع انتفاء الرجولة. لقد سبق َ تعليقـَهم تشويه ُ الوعي و الإدراك حتى أصبحت المرأة ُ مجرَّد َ كائن ٍ جنسي، لا يتحرَّك ُ إلا من أجل فعل ٍ جنسي، و لا يُرى من الذكور إلا من خلال ِ فلتر ٍ جنسيٍّ أيضا ً. لقد اختزلوا المرأة َ في وظيفتها البيولوجية التكاثرية، بعد َ أن أفرغوها من كرامتها الإنسانية و جوهرها البشري إفراغا ً تامَّا ً. أصبحت المرأة ُ بالنسبة ِ لهم قطعة ً من "اللحم"، هل تظنوني أبالغ؟ في الحقيقة ِ: لا. حين يعجزون عن الردِّ عن أي فكرة فإن التهمة للذكر جاهزة: ديوث، و للأنثى: "ضُبِّي لحمك" أي خبِّئ جسدك ِ عن عيوننا فصورتُك على البروفايل أو صفحة الـ cover موجودة، إن مجرَّد ظهور صورة الفتاة عار ٌ عليها و انتصار ٌ لهم، كما يظنون، فأيُّ بؤس ٍ فكريٍّ إدراكيٍّ هذا؟ لقد أصبح وجود َ الأنثى في حد ِّ ذاته عارا ً ، صورتها عار، وجهها عار، ذراعها في قميص ٍ أو تيشيرت عار، رجلها في بنطلون جينز عار، ابتسامتها عار، بربيش ُ أرجيلة في يدها عار ٌ مضاعف: تدخين أولا ً، و استدعاءٌ لشكل ِ القضيب الذكري قريبا ً من فمها ثانيا ً. أي ُّ انحطاطا ً صار َ إليه ِ شبابُنا؟

كيف تعالج هذا الفكر المريض الذي يرى في بديهيات الفعل الإنساني إسقاطات شخصيته المريضة و المهووسة بالجنس و التي تحضر في كل أحكامه و ترسم رؤيته إلى الحياة؟ كيف يتقهقر شاب في مقتبل العمر إلى كائن بدائي يشتهي المرأة و يغطيها، يعبد مهبلها و يقصيه، يذوب في حنايا جسمها و يحقد على الملابس التي تحتويه، هذا الفصام النفسي يتحمل بعض شيوخ ٍ نذروا أنفسهم للحقد ِ و التكفير مسؤوليته بالدرجة الأولى. إنهم لا يكلُّون و لا يملُّون من وسم ِ طريقة ِ الآخرين في الحياة بألفاظ ٍ عدوانية ٍ مريضة:

- مهرجانات الموسيقى: مجون و فسق ٌ و فجور.
- الاختلاط: فتن ٌ يجب ُ درؤها.
- جلوس ُ الشابِّ مع الفتاة: مشروع يلتقي فيه فاسق ٌ بعاهرة.
- الدفاع عن قيم الحب و الحداثة: ديوثه و عهر.

أما نحنُ، فننطلق ُ في رؤيتنا للحياة من الانسجام ِ مع طبيعتنا البشرية ِ بالدرجة ِ الأولى، و من الاصطلاح ِ على قيم ٍ معيشية ٍ اجتماعية ٍ بالدرجة ِ الثانية. و في كليهما نجد ُ أن الحب َّ و الفرح َ و الرقص َ و الاختلاط َ و الموسيقى كلّـَها مظاهرُ سويَّة ٍ نفسية ٍ منفصلة ٍ عن الجنس انفصالا ً تامَّا. لا شأن َ للجنس ِ بالموسيقى، و لا نطلب ُ الفعل َ الجنسي حينما نرقص، و لا نفكِّر ُ في الالتقاء ِ الحميم حينما ندرس ُ في الجامعة في نفس ِ القاعة، و لا تُستثار ُ غريزتنا إذا رأينا ذراعا ً خارجة ً من تيشرت أو ساقا ً من تحت ِ فستان، و لا يشعر ُ أحدنا بنشوة ٍ جنسية ٍ مريضة حينما يرى نساءه في عيون الرجال الآخرين في ديوثة ٍ وصفها الروائيُّ حنَّا مينا في روايته الثلاثية: حكاية ُ بحَّار، حينما كان َ يتحدَّث ُ عن كاترين الحلوة و زوجها حبابا. إن النفوس َ التي يتبادر ُ إلى ذهنها مفهوم ُ الديوثة فور رؤيتها لمجتمع ٍ مختلط أو سُخطا ً على شباب ٍ يشتركون َ في مهرجان ٍ موسيقي لهي المريضة ُ، و هي المُبتلاة ُ بالوعي ِ المُشوَّه ِ البدائي الحيواني، و إنَّها هي بذاتهِا المُحتاجةُ إلى الوصاية ِ للعلاجٍ من الشبق ِ الجنسي ِ و الهوس المريض ِ، و هي التي يجب ُ أن تُتدارَك َ بالتقويم ِ دون إبطاء.

في الموسيقى نجد ُ سلام َ نفوسنا، و في الأدب و الفكر نجد ُ غذاء ً عقليا ً رفيعا ً مُشبعا ً، و في الاختلاط انسجام ٌ مع طبيعتنا البشرية، و في الحب ِّ استدعاء ٌ لأجمل ِ و أنفَس ِ و أروع ِ و أقدر ِ ما فينا، و في المشاعر ِ الإيجابية ِ تفاعل ٌ كريم ٌ نبيل ٌ مع بعضنا البعض، و في الإنسانية ِ و التلقائية ِ و الحُبور ِ و التناغُم ارتقاء ٌ لنوعنا فوق البوهيمية ِ التي يريدون أن يعيدونا إليها.

لم أجد ختاما ً لمقالي هذا أبلغ َ من كلمات ِ طيب ِ الذِّكر ِ دوما ً، الشهيد الراحل فرج فودة، و التي تصفُ مستقبلَ بؤسهم وصفا ً دقيقا ً يتجلَّى أمامنا كلَّ يوم:

سيصرخون ضد الغناء .. وسيغني الشعب
سيصرخون ضد الموسيقى .. وسيطرب الشعب
سيصرخون ضد التمثيل .. وسيحرص على مشاهدته الشعب
سيصرخون ضد الفكر والمفكرين .. وسيقرأ لهم الشعب
سيصرخون ضد العلم الحديث .. وسيتعلَّمُه ابناء الشعب
سيصرخون ويصرخون .. وسيملؤون الدنيا صراخا ً
وسترتفعُ أصواتُ مكبرات صوتهم
وستنفجر قنابلهم .. وستفرقع رصاصاتهم
وسيكونون فى النهاية ضحايا كل ما يفعلون
وسوف يدفعون الثمن غاليا ً حين يحتقرهم الجميع
ويرفضهم الجميع
ويطاردهم الجميع.

صدق َ فرج فودة، لكنَّهم يجهلون!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإحترام و المحبة لمفكرنا العظيم
جريس بقاعين ( 2015 / 9 / 25 - 21:32 )
أبدعت مرة أخرى يا مفكرنا العظيم .... و لكن للأسف فإن مجتمعاتنا العربية المتخلفة تعاني من الإنحطاط الأخلاقي و الإخصاء الفكري وكما تعلم يا صديقي أن من أكبر جوانب القصور في منهج التفكير العربي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية هي النزعة الذكورية : حيث العقلية العربية محكومة بإرث ثقافي قذر ينتقض من المرأة و يؤمن باعلوية الرجل و لهذا برأيي أن أفضل طريقة لتقويض أصحاب هذه العقلية الرجعية يكون بدفع المرأة العربية للثورة... و دمت يا نضال أخ عزيز لأخ عزيز


2 - لنكن أفضل
نضال الربضي ( 2015 / 9 / 25 - 21:49 )
أخي العزيز،

ما عهدتك َ تُعلِّق ُ إلا طيـِّبا ً و أنت حريٌّ بذلك!

فلنخرج أجمل ما عندنا نحارب ُ به أسوأ َ ما عند ِ بعضهم، فالنار تُطفئها الماء لا نار ٌ أخرى.

سأظل ُّ أطرق ُ على رؤوسهم و أحارب ُ بشاعتهم ما حييت، لأنشر َ نورا ً بفكري، و أتوسمك َ و الطيبين معي.

أهلا ً بك.


3 - ألعزيز جريس بقاعين
نضال الربضي ( 2015 / 9 / 26 - 08:34 )
تحية صباحية طيبة جريس الورد!

أتفق معك يا صديقي في كل ما قلته!

أبرز أعداء المرأة هم نساء ٌ مثلها و لذلك تجد أنهن يتصدَّين بكل شراسة لأي محاولة لتنويرهن خصوصا ً إذا ما ترافقت مع إبراز ِ المظالم الواقعة عليهنّ، فليست المشكلة في دعوتهن لسلوكيات جديدة أو في تبني قوانين ترفع عنهن الوصاية، كما يرين، إنما في استهداف منظومة القيم التي يتبنَّينها،،،

،،، لقد نجحت تلك المنظومة في تشويه وعيهن و إدراكهن بحيث أصبح الظلم تكريما ً و العبودية ُ صارت تبجيلا ً، و القيد ُ تحوَّل َ إلى صون ٍ و حماية، و الجمال ُ غدا فتنة ً و غواية،،،

،،، فانظر كيف تتخذ ُ المشكلة ُ بُعدا ً جديدا ً عندما يصير المطلوب لا رفع الظلم فقط لكن تصويب المُشوَّه ِ من الوعي و ترميم َ التالف ِ من الإدراك كُمهمَّة ٍ أساسية تسبق رفع الظلم، لأن َّ الحرِّية َ في يد من لا يفهمها إمَّا عقيمة ٌ لا ثمار َ لها و بهذا خسارة المجهود، و إمَّا سلاح ٌ يدمِّره و يدمِّر الآخرين.

المرأة هي موضوع ُ التنوير و هي على طرف ِ الحل مُفتاحُه، لكن علينا أن نبدأ بإخراجها من طرف المُشكلة فهي قفلُها.

دمت بكل الودّ


4 - الى نضال ابن الأردن البار
جريس بقاعين ( 2015 / 9 / 26 - 11:45 )
صديقي و أخي نضال أكرر للمرة المليون... مجتمعاتنا العربية تحتاج الآن لعقلية مثل عقليتك .. فأنت يا نضال تملك طاقة رهيبة في داخلك فأرجو منك ان تفجرها في كتاباتك و التي أحبذ ان تكون بمواضيع محاربة التخلف و مكافحة الفكر الرجعي و التعصب و العنصريةالتي يعاني منها العقل العربي المخصي فكريا فالى الأمام يم ابن الأردن البار و دمت اخ عزيز لأخ عزيز


5 - العزيز جريس بقاعين
نضال الربضي ( 2015 / 10 / 1 - 20:18 )
تعطيني يا صديقي أكثر مما أستحق من كلمات، فلا فضل لي في فكر ٍ فتح َ عيوننا عليه عظماء ً كفرج فودة و سيد القمني و نجيب محفوظ، و شربناه في الوطن من كأس وصفي التل و هزاع المجالي و حيدر محمود!

دمت َ بود، و افتح موبايلك خلنا نعرف نلاقيك يا مان، بعدين معك!

اخر الافلام

.. الدبابات الإسرائيلية تسيطرعلى معبر رفح الفلسطيني .. -وين ترو


.. متضامنون مع فلسطين يتظاهرون دعما لغزة في الدنمارك




.. واشنطن طالبت السلطة الفلسطينية بالعدول عن الانضمام للأمم الم


.. أزمة مياه الشرب تفاقم معاناة النازحين في ولاية القضارف شرقي




.. عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تطالب بوقف العمليات في رفح