الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الاقتصاد السياسي: مقدمة الطبعة الخامسة

محمد عادل زكي

2015 / 9 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بوجه عام تحتفظ الطبعة الحالية بالأفكار المركزية الَّتي ظهرت في الطبعات السابقة. ولكن يمكن، على وجه التفصيل، القول بأن جميع فصول الكتاب تقريباً قد شهدت، بهذا القدر أو ذاك، العديد من الإضافات في المتن أو الهامش تأسيساً على ضرورة "المزيد من الشرح". وفيما عدا الفصل الثالث، الَّذي قمت بإعادة كتابته بأكمله تقريباً، وكذا الفصل التاسع، الَّذي أضفته، فلا جديد يمكن إبرازه سوى أنني سعيت قدر الإمكان من أجل تنقيح الأفكار الَّتي رأيت أنها عرضت على نحو غير واضح، وربما غير صحيح، وتعميق ما وجدت أنه طرح بإيجاز أصاب الفكرة بالخلل فلم تأت على نحو ناضج. كما أنني اجتهدت قدر الإمكان، من أجل تصحيح الأخطاء في الأرقام وصيغ المعادلات، وإزالة زلات القلم وأخطاء الطباعة الَّتي ظهرت في الطبعات السابقة، وبصفة خاصة فيما يتعلق بفصل القيمة الزائدة الكلية.
وبوجه عام تتلخص أهدافي في الأبحاث الراهنة في العمل من أجل إعادة اكتشاف القوانين الموضوعية لعلم الاقتصاد السياسي؛ رجوعاً إلى أصول هذا العلم المهجورة، والسعي نحو استكماله كعلم محل انشغاله ظواهر نمط الإنتاج الرأسمالي. الظواهر الَّتي تتمفصل حول قانون القيمة. وهو ما استلزم تكوين الوعي بماهية نمط الإنتاج الرأسمالي، وتحليل مفرداته، وقوانينه الموضوعية وتطورها التاريخي، من جهة، ونقد قانون القيمة نفسه من جهة أخرى.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، الَّتي تتلخص في إعادة كتابة هذا العلم من خلال استكماله؛ كان من المتعين أن أرفض، منهجياً، المركزية الأوروبية الَّتي أرَّخت للعالم ابتداءً من تاريخ أوروبا الاستعمارية. والاتخاذ، قدر الإمكان، من تاريخ البشرية بأسرها حقلاً للتحليل، وهو ما سيوجب علينا التعرف إلى طبيعة وخصائص وسمات النشاط الاقتصادي في المجتمعات السابقة على تبلور الرأسمالية كنظام مهيمن آنياً على الصعيد العالمي.
ومن المفترض أن لا يكون السعي نحو تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه من قبيل الترف الفكري، إنما يجب أن يكون أحد مراجع ذلك السعي رغبة في تلمس الإجابات عند هذا العلم، علم الاقتصاد السياسي، عن مجموعة الأسئلة الَّتي ترتبط، بحسم، بوجودنا الاجتماعي ذاته، فإن فلح هذا العلم في تقديم هذه الإجابات تعين علينا اتباع خطواته الفكرية، إنما بوعي ناقد. أما إذ لم يفلح؛ فقد تعين هجره واللجوء إلى غيره يسعفنا في سبيل الكشف عن القوانين الموضوعية الَّتي تحكم الظواهر الَّتي تؤرقنا نحن أبناء الأجزاء المتخلفة بصفة خاصة، وبصفة أخص ما يؤرقنا من ظواهر تتعلق بتجديدنا اليومي لإنتاج تخلفنا الاجتماعي والاقتصادي والمعرفي. ولذلك، كانت أحد مراجع أهدافنا الرغبة في الإجابة على سؤال التخلف، ومن ثم سؤال التنمية. فهل سيفلح الاقتصاد السياسي، بعد افتراض استكماله، كعلم اجتماعي في تقديم إجابة؟ لا شك أن الإجابة على هذا السؤال نفسه تقتضي أولاً تحديد العلم الَّذي يمدنا بأدوات فكرية تمكنا من الإجابة، ثم، ثانياً، نقد هذه الأدوات في سبيل التأكد، دوماً وباستمرار، من صحتها باختبارها على أرض الواقع.
وفي سبيل تحقيق ذلك فقد قسمت البحث إلى ثلاثة كتب: الكتاب الأول: ينشغل بالأساسيات وبيان الإشكاليات المركزية محل اهتمامنا. والكتاب الثاني يفترض، استناداً إلى الواقع التاريخي، أن الاقتصاد السياسي توقف عن التطور عند أفكار محددة، ومن ثم يضحى محل الانشغال هو استكمال العلم وبلوغ الأفكار الَّتي لم يصل إليها. أما الكتاب الثالث فهو يعيد النظر في المركزية الأوروبية الَّتي هيمنت على علم الاقتصاد السياسي؛ فأفرغته من محتواه الإنساني وأفقدته طابعه العالمي.
وإنى لآمل أن تسهم هذه الأبحاث في فتح باب المناقشة الَّتي تعي أن درس الحاضر في ضوء الماضى لفائدة المستقبل، إنما يعني الفهم الناقد الواعي بحركة التاريخ البطيئة والعظيمة، الَّتي كونت في رحمها الحاضر بجميع تفاصيله، وتركت لنا تشكيل المستقبل، نعم تشكيل المستقبل، بل الاختيار بين الموت والحياة... إما الموت انتحاراً جماعياً على ظهر كوكب يعتصره نظام عالمي لا يعرف العدالة أو الرحمة، وإما الحياة بدفع عجلات التاريخ نحو مستقبل لديه مشروع حضاري وإنساني يستلهم وجوده من تراث البشرية المشترك. حقاً إما الطموح إلى أكثر من الوجود. وإما الصلاة لئلا يأتي المخرب شتاءً بعدما قاد المخبولون العميان. هلا طمحنا إلى أكثر من وجودنا؟ فلنطمح إلى أكثر من الوجود.
محمد عادل زكي
10/7/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيليان مبابي يودع باريس • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ويليام بيرنز.. من مبعوث إلى لاعب رئيسي في ملف مفاوضات غزة




.. حرب السودان.. لماذا يستميت الخصمان للسيطرة على الفاشر؟


.. تهدد شبكات الطاقة و-GPS-.. أقوى عاصفة شمسية منذ عقدين تضرب ا




.. مراسلة الجزيرة: صفارات الإنذار تدوي في مدينة عسقلان ومحيطها