الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معشوقتي بين الضلوع

محمد الرديني

2015 / 9 / 26
المجتمع المدني


اريد ان اكون انانيا هذا اليوم ، فقد تذكرت ذلك المهاجر العراقي الى كندا قبل اكثر من 30سنة،عاش هناك وفي نفسه حنين الى معشوقته بغداد.طوى شوقه سنين طويلة وكان همه الا يترك فرصة لنفسه ان تصفن مع نفسها وتتذكر تلك المعشوقة،اشتغل في معظم المهن التي يراها دون مستواه من اجل الا يدع ذلك الحنين يطل برأسه عليه.
صحيح انه يبكي مرات ومرات خصوصا في ليالي البرد القاسية حين يضم ساقيه الى صدره ويلتحف كاتما غصات يعج بها بلعومه.وكانت سلواه الوحيدة التوسل الى بغداد بان تأتي اليه وترفرف فوقه بجناحين ابيضين مادة له ريشة من ريشاتها لتمسح عن عينه دمعة ومن حاجبيه قطرات ندى بيضاء.
تذكرته الان حين صحا ذات يوم من ايام الاسبوع الماضي ليعلن بان شوقه الى معشوقته بلغ حد الطغيان ولم يعد يتحمل المزيد فقرر ان يشد الرحال اليها وياليته لم يفعل ذلك.
واقلعت به الطائرة،تخيلته طفلا يرى امه بعد غياب عنه ساعات،تخيلته ولدا اهداه جده طائرة ورقية،تخيلته شابا ينتظر حبيبته عند كراج علاوي الحلة في اول لقاء له معها.
لا ادري بماذا كان يفكر وهو يمعن النظر في غيوم السماء وهي تتدحرج امامه كفتاة لعوب تغيب عنه مرة ثم تظهر له مرة اخرى في كتلة بيضاء وكأنها تسابق الطائرة التي يستقلها الان.
تخيلته وهو يسأل احد المضيفين عن وقت الوصول متمنيا ان يكذب عليه ليقرب له الزمن ويغمض عينيه ولكن سرعان مايفتحهما ليسأل المضيف:
كم بقي من الوقت لنصل الى مطار بغداد؟ وهل هذه الغيمات ستطاردنا الى هناك؟قل لي بربك متى رأيت بغداد آخر مرة؟ وهل مازال الحاج زبالة يبيع عصير العنب في شارع الرشيد؟ يقال انه فتح فرعا جديدا في اول شارع ابو نؤاس سماه عصير "الحاج زبالة الثاني"؟.
اتعرف ياصاحبي انت الذيتقضي اكثر من نصف عمرك محلقا في الفضاء ان عدد بارات شارع ابو نؤاس بعدد ايام،مرة حسبناها انا وثلة من المجانين في سنة ما حيث بدأنا يمينا ب"كازينو الحمراء" يمينا وبار آسيا يسارا وحين وصلنا الى الجسر المعلق كان العدد الذي وصلنا اليه هو 359 كازينو وبار وكان لابد ان نعثر على الكازينو التي تكمل عدد ايام السنة ووجدناها تحتل زاوية في نهاية شارع ابو نؤاس ليس من السهولة رؤيتها الا من زبائنها المعتمدين.
في وقتها ضحكنا طويلا لهذه الصدفة الرقمية العجيبة واحتفلنا في تلك الليلة بالرقص تحت قدمي تمثال ابو نؤاس وهو يمعن النظر الى دجلة فيما كان ذيل عبائته الخلفي يومىء الى المارة كأنه يعرفهم منذ زمن بعيد.
جاءه المضيف مسرعا: دقائق قليلة وتحط الطائرة في ارض المطار.
لايعرف ماذا حلّ بنفسه هل يقوم من كرسيه ليرقص كما رقص زوربا على ساحل البحر الاسود أم يقّبل الركاب القريبين منه ويحتضن اطفالهم بيديه؟.
لا هذا ولا ذاك ولا غيره،ليتسمر في مقعده كأي طفل عوقب لأنه يبكي بدون سبب.
تخيلته ينزل من سلم الطائرة على مهل ولكنه يمسك حاجز السلم حين يصل الى منتصفه تاركا المسافرين الذين خلفه في ذهول وهم يروه وقد انتصبت قامته ولم يتحرك للنزول خطوة واحدة بعد ان لفحته نسمات لم يجد اعذب منها حتى ولو قالوا له ان هذه النسمات جاءت من الجنة.
كان يرتجف ثملا غير عارف انه انجز اجراءات الخروج واستقبله محبيه خارج قاعة الوصول. لا احد يعرف ولا هو نفسه سبب بكائه الصامت ويد معشوقته تحتضنه وتضمه الى صدرها ليفوح منها عطر لامثيل له في الارض ولا في السماء.
بعد ساعات طويلة ربما امتدت الى اكثر من يوم استيقظ جسمه قليلا ورأى صديق طفولته يقف عند رأسه مبتسما،حضنه وبكى طويلا ولم يستطع حتى ان يقول هل حقا يرى صديق طفولته امامه.
طلب منه وهو يشهق ان يرى ساحة الوثبة اولا فهناك نبع صغير من قلبه نسيه بين شقوق الاسفلت.
وصلا هناك،وهناك كان النبع الصغير قد ظهر متبخترا امامه ،ركض نحوه، احس ساعتها انه عاد شابا كما كان يسابق السيارات المارة امامه ،لم تبق الا مسافة قصيرة ويصل الى نبعه ولم يكن يعلم ان الشيطان كان يحول بينه وبين ينبوعه،وسرعان ماتطايرت اوصال جسمه مع اجسام آخرين كانوا يركضون ايضا الى ينابيعهم.
آخر ماسمعه:ان الشيطان وضع سيارة مفخخة هناك حتى لايصل المحبين الى ينابيعهم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حلوة ومحزنة
علي عدنان ( 2015 / 9 / 26 - 15:14 )
لو لم يمت من انفجار الشياطين لمات من هول الصدمة وهو يرى محبوبته بغداد المغطاة بالقمامة حد اخر شعرة
ليجد ان لابار هناك يلم الناس سويعات جميلة يتذاكرون بكل ماهو جميل وطيب وشريف وانساني
لن يجد في ابو نواس سوى الاسلاك الشائكة ومكاتب المتاسلمين بلحاهم الوسخة
لن يجد مسرحا او سينما او حديقة فيها ورود عابقة
صديقك صديقي العزيز سوف يموت حسرة والما عل بغداده الضائعة في كنف المتاسلمين


2 - اخي الطيب عدنان
محمد الرديني ( 2015 / 9 / 27 - 00:53 )
واحسرتاه على بغدادنا ،هذه التي حفرت اخدود الحب في افئدتنا
احببناها ونحن صغار وكبرنا وزاد حبها في شرايينا وهانحن في سن الشيخوخة ونبكي لفراقها بكاء طفل اضاع لعبته بين الدرابين
عزاؤنا ان المتأسلمين سيكونون سقط المتاع ذات يوم
شكرا على متابعتك ودعنا نحتضن بغدادنا اكثر من ذي قبل

اخر الافلام

.. جوع وعطش وتكدس نفايات.. الوضع الإنساني يزداد مأساوية في جبال


.. السفيرة مشيرة خطاب رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان في حوار




.. رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان: القطاع الخاص مطمئن أن حقو


.. أردوغان يدين موجة العنف ضد اللاجئين السوريين ويلقي باللائمة




.. ألمانيا والسويد تعتقلان سوريين يشتبه بتورطهم بجرائم حرب