الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النمس.. الوجه الآخر للجنتل مع بعض التصرف

محمود الغيطاني

2005 / 10 / 23
الادب والفن


ثمة حكاية ما يرغب المخرج "علي عبد الخالق" و معه السيناريست "عصام الشماع" في تقديمها لكنها سرعان ما تتسرب من بين أصابعهما لتتلاشي، و كأنها سراب أو هي الماء بين الأصابع.
إنها حكاية "سعيد النمس" (محمود عبد العزيز) ذلك الشاب البسيط العفوي الذي يعاكسه القدر دائما، بالرغم من امتلاكه للعديد من المواهب، إذ أنه لا يستطيع أن يستمر في عمل ما، ربما لأن السبب في ذلك- كما يرجعه أصدقاؤه و جيرانه- هو " الجري وراء النسوان"، فنري ذلك الشغف بالنساء حينما يعمل كسائق بواسطة صديقه "الشيخ نجيب" (عبد العزيز مخيون) فنراه يترك "القردة"- التاكسي- ليذهب مع إحدى الفتيات، إلى أشد المناطق عشوائية بين مجموعة من النصابين و تجار المخدرات و المدمنين، و عندما يحاول أن ينال غرضه يهددونه بالمطاوي فيعود من حيث أتي ليفاجأ بالتاكسي و لم يعد فيه سوي هيكله فقط.
و كم كان مشهد تلك المنطقة العشوائية منطقيا و صادقا لواقعيته الشديدة، التي نجحت كاميرا "كمال عبد العزيز" في تعميق أثره داخلنا إلا أنها بقدر ما نجحت في هذا المشهد فشلت فشلا ذريعا في تصوير المعركة التي دارت بين "سعيد النمس" و ذلك الشاب الذي كان مع "شاهيناز" (نهلة سلامة) بالقلعة عند بداية الفيلم؛ إذ اهتزت الكاميرا اهتزازا شديدا مما أدي إلى عدم تثبيت الصورة و إيذاء العين التي تتابعها، بل إني شعرت و كأن المشهد قد تم تصويره بكاميرا فيديو و ليست كاميرا سينما.
"النمس" هذا الشاب البسيط الذي يعانده القدر لا يشعر باليأس بل هو متفائل دائما بأن الغد أفضل من اليوم، فهو ينتقل من سائق "ميكروباص" إلى "تاكسي" إلى عربة "ساندويتشات" (تيك أواي)، إلى عامل في إحدى دور السينما و هكذا.
و نستطيع القول أن تطور السيناريو حتى تلك اللحظة كان طبيعيا و منطقيا تماما إلا أننا نفاجأ في النصف الثاني من السيناريو و كأنه جزء آخر أو هو مكتوب خصيصا من أجل المط المفتعل و الزيادة في مدة العرض، فقد حدث تطور و انقلاب مفاجئ للقصة كي تأخذ منحي جديدا تماما لم نكن ننتظره لنجد أنفسنا نعيش مع عالم من العصابات و المهربين و المطاردات، و كأنه فيلم بوليسي أو هو فيلم من أفلام (الكاوبوي) ينفصل انفصالا كليا عن العالم "السيكولوجي" للجزء الأول من الفيلم مما أدي إلى إحساسنا بأنه مط مع سبق الإصرار من صانعي الفيلم (علي عبد الخالق، عصام الشماع)، اللذين وقعا في خطأ تسمية الطبقة المرفهة الممثلة في "حسين الإمام" و "سهير رجب" علي لسان الصحفية- سهام جلال- "بتورتة" المجتمع، و كأن المهربين و العصابات و النصابين هم أحلي ما في هذا المجتمع و في هذا إعلاء للقيم الرديئة علي حساب القيم السامية.
صناع هذا الفيلم حاولوا كسر حدة الإسفاف الذي بدأ يفرض نفسه علي أذواقنا كجمهور متلق تحت مسمي الكوميديا، فنجح "علي عبد الخالق" في صنع كوميديا راقية ساعد علي نجاحها أداء "محمود عبد العزيز" الجميل، بخفته و براعته و تقمصه لدوره و قدرته علي تصيد "الافيهات" المناسبة تماما لدور ابن البلد الشهم الأمين الذي لا يخون أصحابه أبدا، بالرغم من كون ضابط الشرطة في القسم التابع له يترصده دائما و يهدده إذا لم يفش أسرار أصدقائه و يبلغ عنهم في إحدى قضايا التعاطي.
ووضح ذلك الإخلاص من قبل "النمس" عندما علم برغبة "الشيخ نجيب" في الزواج من "شاهيناز" فتغيرت سحنته و أسرع إليها لكي تبتعد عن الشيخ؛ فكيف يتزوج الشيخ ممن كانت تواعد- النمس- مواعدات جنسية، و هو في ذات الوقت لا يستطيع التصريح بذلك للشيخ، بل كيف يتزوج الملاك من الشيطان- علي حد تعبير النمس- و عندما يري أن الشيخ مصر علي الزواج يسرع ببيع "التليفزيون" و "الراديو" ليعطي ثمنهما "نقطة" للعروس- نهلة سلامة- ليلة عرسها و كأنه يرغب في رد الجميل للأخ الذي يقف بجانبه دوما.
"النمس" هو الشخص الراغب في الاستقرار و الأمان و الدفء و لكن ظروفه تعوقه دائما، فبرغم تعلقه الشديد بابنة حارته الصحفية- سهام جلال- فانه لا يستطيع الوصول إليها نتيجة لظروفه الاقتصادية من ناحية، و مركزه الاجتماعي من ناحية أخري، و ثقافته الأدنى منها من ناحية ثالثة.
لكنه بالرغم من هذه الفروق مجتمعة يستطيع أن يبثها حبه الملتهب بتلقائية شديدة، لذا فان الهوة تتسع بينه و بين "شاهيناز"- عشيقته السابقة- تلك الفتاة اللعوب التي لا تجد ضالتها في "النمس" الذي يعانده الحظ، فتنسج حبائلها حول "الشيخ نجيب الفرارجي" المستقر اقتصاديا و تنجح في امتلاكه بجسدها المثير و أنوثتها المتفجرة و مشيتها المتثنية التي تطيح برؤوس اعتي الرجال فيعجب الشيخ بجسدها و يتزوجها.
و قد كان "لشاهيناز" مبرراتها التي دفعتها إلى اتخاذ هذا المسلك كأسلوب حياة مما جعلنا نتعاطف معها كثيرا، و زاد من هذا التعاطف ذلك الأداء الجميل الذي فاجأتنا به "نهلة سلامة"- ربما للمرة الأولي- فأيقنا أنها قادرة علي أن تكون ممثلة بارعة تؤدي بكل خلجة من خلجات جسدها و كل عضلة من عضلات وجهها، و لن تستطيع "نهلة سلامة" أن تظهر مواهبها إلا إذا اختارت أدوارها جيدا.
استطاع "علي عبد الخالق" خلق كوميديا راقية إلا أنه و للأسف الشديد وقع في براثن التقليد و كأنه في حاجة إليه لإنجاح فيلمه؛ فنري "محمود عبد العزيز" حينما يصالحه "الشيخ نجيب" علي صاحب التاكسي يغني أغنية طويلة أثناء تجهيز السيارة يقلد فيها- من حيث الكلمات و الأداء و المضمون- "محمد هنيدي" في أغنيته "يا طاطا يا نانا" التي غناها في "همام في أمستردام" للمخرج "سعيد حامد" 1999 فكانت سقطة قوية بالرغم من أن قدرة "محمود عبد العزيز" علي اختلاق المواقف الكوميدية تتجلى في كل مشاهد الفيلم.
إلا أن هناك نوع ما من اليقين ترسخ لدي العديد ممن شاهدوا "النمس" أنه الرؤية الجديدة أو هو الوجه الآخر "للجنتل" لنفس الثالوث- علي عبد الخالق، عصام الشماع، محمود عبد العزيز- مع الاختلاف البسيط في بعض الشخصيات و الأحداث، فها هي القلعة بثرائها التراثي هي المكان الذي تدور فيه أحداث الفيلمين، و إن كان "الجنتل" يحدد المكان أكثر "بحارة صايمة"، كذلك نجد البطل- محمود عبد العزيز- "سعيد النمس" في فيلم "النمس" و "رشاد الجنتل" في فيلم "الجنتل" هو نفس البطل "سيكولوجيا" و اجتماعيا و لا نستطيع أن نفرق بين سمات الشخصيتين علي الإطلاق، فكلاهما يتميز بالشهامة و رجولة أولاد البلد و حب الآخرين لهم و البساطة التامة إلى حد تصديق كل ما يقال لهم فنري "النمس" حينما يخبره أحد الركاب أن سيارته "القردة"- التاكسي- إذا ذهب بها إلى إحدى الدول الأوروبية ستكون ذات قيمة سياحية عالية، لأنهم يستخدمونها أمام الفنادق هناك، يسارع بالذهاب بسيارته إلى أحد الفنادق الشهيرة، و في المقابل نجد موقفا مشابها في "الجنتل" حينما تقول له "شهر"- بوسي- (انت مش فارس أحلامي) فنراه يأتي إليها ممتطيا ظهر حصان مستعرضا نفسه أمامها في الحارة كي يثبت لها أنه جدير بأن يكون فارس أحلامها.
كذلك هناك ثمة شخصيتان نسائيتان تتخاطفانه في كلا الفيلمين: نهلة سلامة، سهام جلال في "النمس" و الهام شاهين، بوسي في "الجنتل"، بالإضافة إلى الانحراف الغريب في سير أحداث السيناريو في كلا الفيلمين، فنراه في "النمس" يعمل "بودي جارد" مع إحدى عصابات تهريب السلاح ثم تقع عليه الثروة من السماء، و هذا ما تكرر في "الجنتل" فنجده يذهب إلى أسيوط خلف "سعاد"- الهام شاهين- و أثناء قضاء حاجته في الخلاء يجد- بإحدى السيارات- رجلا يلفظ أنفاسه الأخيرة، و يعطيه حقيبة بها مليونين من الجنيهات كي يوصلها لأهله في الإسكندرية.
كذلك نهاية الفيلمين تكاد تكون متقاربة إلى حد ما، ففي "النمس" يسلم الملايين للشرطة بالرغم من طمعه في بعضها و لكن نتيجة لبساطته و عدم قدرته علي الخداع يشعر ضابط المباحث و الشيخ نجيب و الصحفية بذلك فيضج الجميع بالضحك و ينتهي الفيلم، و هذا ما نراه في "الجنتل" علي الرغم من محاولة السيناريست إحداث تغيير فجعل "سعاد" و "شهر" يطمعن في النقود، و عندما لا يستطيع تذكر عنوان "سهير" التي أخبره عنها القتيل يعود إلى حارته و معه النقود محاولا تذكر ما قاله له إلا أنه يعجز و ينتهي الفيلم علي ضحكاتهم جميعا بينما النقود منشورة علي الحبال و كأنها أعلام العرس.
حيال كل هذه التشابهات المتناصة بين فيلمي المخرج "علي عبد الخالق" و السيناريست "عصام الشماع" لا نملك سوي الإقرار بإفلاسهما فنيا لعدة أسباب منها التكرار، و عدم وجود الحكاية المحددة، ثم الانحراف بالسيناريو إلى أحداث غريبة.

محمود الغيطاني


















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - الفنان أيمن الشيوي مدير المسرح القومي يوضح استع


.. كل الزوايا - هل الاقبال على المسرح بيكون كبير ولا متوسط؟ الف




.. كل الزوايا - بأسعار رمزية .. سينما الشعب تعرض 4 أفلام في موس


.. رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة يوضح الاستعدادات لعرض افلام




.. سعيد زياد: الجيش الإسرائيلي أمام مأزق كبير والمخرج الوحيد هو