الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب والحضارة

زاهر نصرت

2015 / 9 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يحلو للبعض القول أننا نحن العرب أصل الحضارة الإنسانية ، وكل ما في الحضارة الإنسانية من علوم وتطور حضاري ورقي يرجع إلينا . وأن خير وسيلة للتطور والرقي الحضاري والعلمي هي بالعودة إلى الأصول والبحث والتنقيب في تاريخنا العلمي وما قاله علماؤها الأوائل . إننا نجد هذا الرأي عند كل شعوب الأرض ، فكل شعب وكل أمة وكل قومية تحمل مثل هذا الرأي ، وتفخر بأن في تاريخها شذرات من الحضارة والعلوم والفلسفة والعمران البشري .

والقصد أن الحضارة هي الحياة ، خلافا للبداوة التي جعل النبي " صلى الله عليه وسلم " الهجرة إليها , ردة عن الدين ! ومن هذا التوجه النبوي الكريم يتبين أن الإنسان لا يمكنه أن يتقدم مدنيا إلا في مناخ حضاري . ومن الملاحظ أن الأديان عموما لا تظهر إلا في المجتمعات المستقرة . فالمغول وقبائل الصقالبة المتوحشة لم تظهر فيها أديان سماوية , مما يعني أن الدين لا يتواجد إلا مع الاستقرار والحضارة التي تمثل قمة الثقافة والتمدن الإنساني .

ونحن هنا في الوطن العربي ، والناطقين باللغة العربية ، بالأحرى ، الأمة العربية ، ما أحوجنا إلى تلمس الطريق السليم الذي يوصلنا إلى أولى درجات السلم الحضاري ، وألا نصاب بالغرور بما كنا عليه في الماضي ، بحيث نعتقد أنه كافي لبناء حاضرنا ومستقبلنا السياسي والاجتماعي . لقد تمسكنا في الماضي بهذا الرأي لعدة قرون ، فماذا كانت النتيجة ؟

أولاً : لقد أصبحنا هدفاً سهلاً للاستعمار من قبل أمم أخرى.
ثانياً : لقد استُعبدنا من قبل أنظمة حكم دكتاتورية وعائلية ودينية ظالمة لعقود طويلة.
ثالثاً : سيادة أفكار مضادة للتقدم الحضاري ومختلطة بالمفاهيم العصبية والقومية والدينية.
رابعاً : القضاء على ملكة الإبداع والاختراع والتجديد وعدم تحكيم العقل في ما يواجهنا من معاضل في حياتنا.
خامساً : بسبب هذا المناخ هاجرت العقول العربية إلى الخارج .

والان ارجع الى الوراء قليلاً ... حيث يخطئ الكثير من الباحثين حين يرون أن الحضارة الإسلامية تمتد منذ عصر النبوة , لأن الفعل الحضاري العربي بدأ في العصر العباسي الثاني , حين أمر المأمون بترجمة كتب التراث الإنساني , بناء على حلم جاء فيه الفيلسوف أرسطو يطلب منه ذلك . في ذلك العصر انتصر فيه العقل وبرز نجم العلماء في مختلف مجالات العلوم , كالطب والفيزياء والهندسة وغيرها , وفي المقابل لم يكن للدين ذلك الدور الفعال في ذلك العصر وبسقوط الخلافة العباسية توقفت تلك الحضارة ثم ماتت مع التطور الحضاري الغربي الذي لا يزال مهيمنا على الساحة الإنسانية .

كان عمر الحضارة العربية ( لأن المؤلفات العلمية والفلسفية كُتبت باللغة العربية ) قصيرا للأسف الشديد , مما حال دون قيام مرتكزات حضارية تمثل إرثا يوفر للمسلمين زادا حضاريا للتعامل مع شؤون الحياة , فضلا عن حقيقة أنها كانت حضارة خاصة . بمعنى أنها لم تنتشر بين الناس كقيم حضارية . ومع توقف النسغ الخارجي ( التراث الحضاري الأجنبي الخارجي ) , ضاع حتى , الأثر التاريخي لهذه الحضارة التي انكفأ وهجها مبكرا. ويمكن أن نضيف إلى هذا كله الاضطهاد الذي واجه العلماء والمفكرين على يد الفقهاء والسلاطين والعامة ، ولطالما شهد ذلك التاريخ إحراقا للكتب في الساحات العامة , وتهجم الغوغاء على العلماء بفعل تحريض رجال الدين ... وبالحديث عن العصر الحديث يمكن القول أن العرب المسلمين لا يزالون عاجزين عن إعادة ثقة العالم بهم من الناحية الحضارية . فالفعل الحضاري توقف ولا يزال , لأكثر من ألف عام !!!

لماذا يعجز العرب اليوم عن مشاركة العالم في الإرث الحضاري الإنساني ؟
إلى متى يرفض العرب الأخذ بالقيم العلمانية وما يترتب عليها من مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وفقا لمنظومة الحضارة الغربية الليبرالية القائمة على فصل الدين عن الدولة والعقلانية ؟
لماذا يعلن العرب المسلمون العداء لكل ما هو غربي من منظور ديني ؟

على العرب أن يعلموا أن الإرث الحضاري العربي قد انتهى إلى الأبد , وأن العلمانية هي التي انتصرت وأخذت بها جميع دول العالم , باستثناء العالم العربي الذي يضع نفسه ندا للغرب وهو لا يحسن صناعة فرشاة أسنان ! الحل الوحيد للأزمة الحضارية العربية يتمثل في المشاركة الإنسانية .


زاهر نصرت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran