الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسهيل المنطق 1/8

باور أحمد حاجي
كاتب

(Bawer Ahmed Haji)

2015 / 9 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المقدمة
يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان بالفكر, فهو به أشرف شيء في العالم, وبه كرمه الله عزوجل في قوله: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البّر والبحر ورزقناهم مّن الطيّبات وفضّلناهم على كثير مّمّن خلقنا تفضيلا) (سورة الإسراء الآية: 70). ولا شيء في الإنسان أشرف من عقله, ولكن نظر الإنسان وتفكيره لا يؤديان دائماً إلى نتائج صحيحة, فقد يخطىء عن غير قصد, لأنه لم يدرس المقدمات درساً وافياً ولم ينظر في الأمر من جميع جوانبه. لذا احتاج الإنسان في تفكيره إلى قانون يسترشد به, ويسير عليه حتى يأمن الزلل ويسلم من الخطأ, فلذلك وضع علم المنطق.
ولما كان لهذا العلم من فائدة في تربية القوى العقلية وما به من تهذيب للفكر اخترنا هذا العلم (علم المنطق) موضوعاً لبحثنا الذي قسمناه إلى فصلين, تناولنا في الفصل الأول المنطق بين العلم والتفكير, وذلك من خلال ثلاثة مباحث, سلط المبحث الأول منها الضوء على مفهوم علم المنطق, ودرس المبحث الثاني العلم وعلاقته بالمنطق, وتناول المبحث الأخير طرق التفكير المنطقي.
أما الفصل الثاني فتطرق إلى دراسة مباحث علم المنطق من خلال مبحثين: استعرض المبحث الأول مبحث التصورات من خلال ثلاثة مطالب: تصدى المطلب الأول منها لدراسة الألفاظ, وفي الثاني عرج على الكليات الخمس, وفي المطلب الثالث تمت دراسة مبحث التعريف. وأما المبحث الثاني فسلط الضوء على مبحث التصديقات وذلك من خلال مطلبين: في الأول تمت دراسة القضايا, وفي الثاني الاستدلال.

الفصل الأول

المنطق بين العلم والتفكير
في هذا الفصل سنوضح مفهوم علم المنطق, من خلال بيان أصل الكلمة وأصل نشأة هذا العلم, وعرض عدد من تعريفات للمفكرين والعلماء الكلاسيكيين والعلماء الجدد من الغربيين والإسلاميين. كما نسلط الضوء على العلاقة بين العلم والمنطق. وندرس أيضا طرق التفكير المنطقي وذلك من خلال عرض قوانين التفكير المنطقي.

المبحث الأول
مفهوم علم المنطق
يأتي علم المنطق في مقدمة العلوم العقلية التي أفرزتها الحضارة الإغريقية , وفي طليعة العلوم التي انتشرت انتشاراً واسعاً عند الحضارات الأخرى, على الرغم من قدمه فهو ما يزال في قمة العلوم التي ما فتأت تنال حظاً وافراً في عالم التعليم والبحث.
إن كلمة " المنطق " العربية تقابل الكلمة الإنكليزية (Logic) أو (Logique) الفرنسية والتي اشتقت من الكلمة اليونانية (Logos) ومعناها (الكلمة) أو (العقل) , ثم أخذت معنى اصطلاحياً وهو ما وراء الكلمة من عملية عقلية , ثم ارتباط الكلمة بكلمة أخرى لتكون قضية أو حكماً ثم الاستدلال على الأحكام والبرهنة عليها وارتباطها ارتباطاً عقلياً بعضها ببعض . ويستخدم مصطلح "المنطق" للدلالة على جملة القواعد التي تحكم عملية التفكير العاكسة للواقع وكذلك على قوانين المحاكمة والأشكال التي تتحقق فيها .
وأول من أشار إلى الكلمة هو أحد الشرّاح المشاءون من أتباع أرسطو, هو (Poice). ونجد اللفظ عند أندرونيكوس الروديسي, ثم عند شيشيرون, والاسكندر الأفروديسي صاحب كتاب (ايساغوجي), وجاليتوس وكتّاب اليونان المتأخرين على العموم. وقد انتشرت في كتاباتهم كلمة المنطق والعلم المنطقي, وفن المنطق, والفن المنطقي, وعليه فإن أرسطو واضع علم المنطق في صورته الكاملة لم يعرف الكلمة, ولم ترد في كتاباته , وإنما أطلق عليه اسم (العلم التحليلي).
أما تعريف علم المنطق فقد عُرّف بتعريفات عديدة, منها تعريف الإمام فضل إمام بن محمد أرشد في كتابه "المرقاة في علم المنطق" : "المنطق قسطاس للعقل توزن به الأفكار الصحيحة, ويعرف به نقصان ما في الأفكار الفاسدة , واختلال ما في الأنظار الكاسدة, ومن ثم يقال له: العلم الآلي, لكونه آلةً لجميع العلوم , ولاسيما العلوم الحكمية" , ويعرفها صاحب كتاب "المرقاة في علم المنطق" في موضع آخر بأنه : "علم بقوانين تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر" , في حين يعرفه جيمس كرايتون : بأنه "العلم الذي يدرس العمليات العقلية التي بواسطتها يتوصل العقل الإنساني إلى الحقيقة", وهناك الكثير من التعاريف الأخرى لعلم المنطق فضلاً عمّا مرّ منها: هو علم قوانين الفكر, أو هو علم الاستدلال, وعلم القوانين الصورية أو الضرورية للفكر , كما هو علم يبحث فيه عن القوانين العامة للتفكير , وغايته البحث في الأحوال والشروط التي بتوافرها يستطيع المرء الانتقال من قضايا مسلّم بصحتها إلى قضايا أخرى جديدة , فهو يعنى ببيان الطرق الصحيحة التي بها يحصل التفكير الصحيح من غير نظر إلى المواد الواقع عليها التفكير , كما هو فن توجيه الفكر إلى الصراط المستقيم في اكتساب العلم بالأشياء.
ومن حيث نشأة علم المنطق وتطوره, فقد أهتم أهل أثينا منذ خمسة وعشرين قرناً بالجدل والمناظرة, لأنهم كانوا على جانب عظيم من الذكاء, ولم يكن لديهم من العلوم ما يكفي لاستخدام قواهم العقلية , فانصرفت همتهم نحو المجادلة والخطابة العامة , فكانوا يشتغلون بالمناظرة أينما اجتمعوا , وفي حينه نزحت إلى أثينا طائفة تسمى السفسطائيين, فأخذوا يعلمون الأحداث جميع مطالب الحياة وخاصة فنّ الخطابة والبيان وكانت غايتهم تعليمهم الطرق التي بها يؤثرون في القضاة حتى يكونوا معهم على خصومهم, وقد بنوا تعاليمهم على فكرة الإنكار للحق, إذ كان الواحد منهم يرى استحالة وجود مقياس للحق, وأنّ الحقيقة أمر وهمي بدليل اختلاف الناس فيها, فمن المستحيل تمييز صحيح الآراء من فاسدها فما ظنّه المرء صدقاً فهو صدق , وما عدّه كذباً فهو كذب , فكل فرد يقيس الصدق لنفسه. وكان لتعاليمهم هذه أسوء الآثار في حياة اليونانيين, حتى جاء سقراط فكان أكبر معارض لآرائهم الخلقية, فرأى أنه من الضروري إخراج ما هو كامن في صدور الرجال من الأفكار, فأخذ يعلم ويرشد متبعاً طريق الحوار والمناقشة مع تلاميذه حتى يصل الواحد منهم بنفسه إلى كشف حقيقة الخير. ثم جاء من بعده أفلاطون فسار على شرعة أستاذه, ولكنه لم يقصر بحثه على المسائل الخلقية, فقد برهن على أن للصدق مقياساً كما للخير مقياساً غير أنه لم يزد على ذلك كثيراً.
ثم أتى أرسطو تلميذ أفلاطون فوضع الشروط الضرورية في التفكير المؤدي إلى اليقين, ولذلك يعد أول من هذّب علم المنطق, ورتب مسائله وفصوله, وأهم بحوثه المنطقية هي المقولات والقياس والبرهان والجدل والخطابة والشعر والأغاليط والمغالطات وغيرها, وبعد موت أرسطو فقد الآثينيون استقلالهم وقل اهتمامهم بالمسائل النظرية التي لها ارتباط مباشر بحياتهم العملية .
وفي القرن الأول قبل الميلاد شرح (سيسرو) أكبر خطباء الرومان وأُدبائهم المنطق اليوناني باللغة الرومانية رجاء استخدام قواعده في البيان والخطابة العامة. ثم جاء بعده (فرفريوس الصوري) في القرن الثالث بعد الميلاد ووضع مقدمة للمقولات هي الكليات الخمس وسماها المدخل إلى كتاب المنطق , وظل هذا الكتاب بعد ترجمته إلى اللاتينية في أوائل القرن السادس الميلادي المورد الذي تستقى منه المعلومات المنطقية لمدة من الزمن.
ولما طرق العرب باب مكتبة اليونان وترجموا منها ما شاء الله أن يترجموا كان المنطق مما ترجموه من علومها , ولكنهم لم يزيدوا على ما بحث فيه أرسطو شيئاً, وأشهر من أولى المنطق العناية الفائقة من فلاسفة العرب وأعلامهم هو أبو نصر الفارابي, وأبو حامد الغزالي, وابن سينا , والشيخ عبد الله الفيومي صاحب كتاب البصائر النصيرية, ومحمد عبدو وغيرهم.
أما الغربيون فقد عنوا بالمنطق عناية كبيرة وخاصة بالاستنباط الذي يعتمد على طرقه في كسب المطالب العلمية, ووضع قواعد العلوم , وممن لهم الفضل من هولاء في تدوين قواعد الاستنباط وطرقه هو (روجر باكون 1214 – 1294) و (فرنسيس باكون 1561 – 1626) و (إسحاق نيوتن 1642 – 1727) و (الفيلسوف جون استيورت مل 1806 – 1873) . وممن اشتهر من أئمة علم المنطق في وقتنا الحاضر الأستاذ ولتون مدرس التربية بجامعة ليدس , والدكتور كينز سكرتير جامعة كمبردج العام وأحد الذين اشتغلوا بتدريس الفلسفة بها , والأستاذ جونسون مدرس علم المنطق بجامعة كمبردج.
وأما من حيث أهمية علم المنطق فإن دراسته تجعل من الدارس على فهم بطبيعة المبادئ التي يقوم عليها الاستدلال والطرق التي يقوم عليها سواء أكان هذا الاستدلال استنباطاً أم استقراءّ , ومثل هذا الفهم ضروري لأي باحث أو مفّكر, كما يساعد دراسة علم المنطق على تكوين اتجاه نقدي تجاه الدعاوي والافتراضات المسبقة التي تشكل الخلفية التي تقوم عليها حجج كثير من الناس في كثير من المجالات, مثل: السياسة والاقتصاد وغيرها من العلوم , كما يجعل الدّارس لعلم المنطق أن يكون على دراية من مفردات اللغة المنطقية الخاصة مثل ألفاظ الاستدلال, والمغالطة, والدليل, والبرهان وغيرها.
ونختم هذا المبحث بالإشارة إلى أن واضعي علم المنطق قد سمّوه بعلم المنطق مع أنه علم التفكير لا النطق ولكن الذي سوّغ لهم ذلك هو الارتباط الوثيق بين الألفاظ ومعانيها, فإن الألفاظ سمات المعاني ورموزها, ويمكن أن يعدّ المنطق علماً أو فناً, ولكن كثيرين يعتبرونه علماً أكثر منه فناً, لأنه لم يكسب الإنسان عادة التفكير, فإن الإنسان يكتسب عادة التفكير من قبل أن يعرف اسم المنطق أو شيئاً عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل