الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قدم العالم وحدوثه بين العلم والمتيافيزيقيا

مازن ريا

2015 / 9 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



من المشاكل الميتافيزيقية التي بقيت مثارا ً للجدل مشكلة قدم العالم أو حدوثه، وهي مشكلة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمشكلة اللانهاية ويتجلى ذلك في أسئلة من قبيل:
هل للعالم بداية ونهاية وبالتالي هل هو متناه أم ليس له بداية ولانهاية وبالتالي فهو لا متناهٍ؟
لقد دار صراع فكري بين الفلاسفة على مدار الجغرافيا وفي مسار التاريخ حول هذه المشكلة وخير دليل على ذلك رد ابن رشد على الغزالي الذي كفر الفلاسفة في جملة من الأمور منها
القول بقدم العالم، وكذلك في الفلسفة الغربية التي انشغل بعض فلاسفتها بهذه المسألة ولعل كانط أبرز من تناول المشكلة في كتابه نقد العقل المحض. بقيت مشكلة قدم العالم أو حدوثه أسيرة الجدل الفلسفي والميتافيزيقي دون أدلة علمية ملموسة إلى أن ظهرت نظرية الانفجار الكبير والتي تتحدث عن حدث عمره ما يقارب 14 مليار سنة تقريبا وهو ما اصطلح العلماء على تسميته The Big Bang، حيث كل موجودات الكون من مادة وطاقة كانت متمركزة في نقطة واحدة لا متناهية الصغر ثم حدث انفجار من تلك النقطة بدأ معه انتشار كل ما هو حولنا من مادة وطاقة مما أدى إلى تكوين المجرات والنجوم والكواكب كل شيء ولد في تلك اللحظة،هذا الانفجار لم يحدث في الفضاء لأن الفضاء لم يكن موجودا وإنما نشأ هذا الفضاء وبدأ بالتوسع كنتيجة لذلك الانفجار *.
عند حدوث Big Bangكانت درجة حرارة موجودات الكون الناشئ مرتفعة جداً تصل إلى10 27 درجة مئوية وعمر الكون لا يتجاوز 10-23 ثم أخذت درجة الحرارة في الانخفاض التدريجي وأخذ الكون في التوسع بشكل موازٍ لهذا الانخفاض .
بقيت هذه النظرية فرضية معلقة إلى أن حصلت على دعم علمي لها في عام 1929 عندما وجد أدوين هابل (( أن المجرات البعيدة تتحرك بسرعة بعيدة عنّا أي أن الكون يتمدد مما يعني أن الأشياء كانت في الأوقات السابقة أكثر اقترابا منا وبالتالي فإن كثافة الكون في
لحظة ما كانت لا متناهية هذا ما افترض أن الكون كان صغيرا لانهاية لصغره وكثيفا كثافة لا متناهية)).
في عام 1965 تم اكتشاف إشعاعات منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس المميزات الفيزيائية في أي مكان سجلت، وتأتينا هذه الإشعاعات من المناطق الأبعد في الكون، وبما أن الضوء يحتاج مليارات السنوات حتى يصل إلينا فإن هناك فارق زمني بين ما نراه وبين ما هو كائن، هذا الفارق يلقي الضوء على تاريخ تشكل المجرات وتطورها بدءاً من الانفجار الكبير وحتى الآن، بحيث بات بامكاننا أن نرى الكون عندما كان "طفلا".
من الأسئلة التي تطرحها نظرية الانفجار الكبير هل الكون مفتوح بمعنى ليس له بداية ولانهاية أم أنه مغلق له بداية هي لحظة الانفجار الكبير وله نهاية هي لحظة الانسحاق الكبير Big Crunch ؟ وفي هذا عود على بدء السؤال الميتافيزيقي الذي انشغل الفلاسفة في الإجابة عليه والمتعلق بحدوث العالم وقدمه.
يعتقد بعض العلماء أنه إذا كانت قوة الجاذبية أكبر من قوة الاتساع الكوني فلابد أن سرعة الاندفاع ستقل تدريجيا حتى تقف تماما ثم ترتد المجرات متراجعة القهقرى ومتوجهة نحو مركز واحد ونحو التمام بعضها مع البعض الآخر وعندما يتم هذا الالتحام تذوب المجرات في درجة حرارة عالية جدا وتكون هذه هي نهاية الكون، وهذا يخالف نظرية الوضع المستقر Steady State التي تقدم لنا كوناً بلا بداية ولانهاية،((فالكون في حالة اتساع منذ الأزل ولكن كلما اتسع الكون وازدادت المسافات خلقت مواد جديدة بحيث يتم بقاء كثافة الكون ثابتة)).
في المقابل يطرح أولبرس*مناقضة يرفض من خلالها فكرة التوسع والتمدد اللانهائي في الكون إذ يقول:((لوكان الكون لانهائياً و يحتوي على عدد لانهائي من النجوم لوجب أن يكون وجه السماء مضيئا في الليل كإضاءته في النهار تماماً)).
يرى العلماء أن العامل الحاسم الذي يقرر إن كانت الغلبة ستكون لقوة الجاذبية أم لقوة الاتساع هو كمية المادة الموجودة في الكون، فإذا ما كانت هذه المادة أقل من كمية معينة فإن جاذبية المجرات المتباعدة لن تكون كافية لوقف التوسع مما يعني أن الكون سيستمر في التوسع إلى الأبد، و إذا ماكانت كمية المادة الكونية أكبر مما يمكن رؤيته أو كان هناك تأثير للمادة المظلمة Dark Matter التي لم تكتشف بعد وتقدر ب 90%-96% من الكون، فالكون ينفجر ويتمدد وعندما يصل إلى حالة وضع حراري يبدأ معه بالانكماش العظيم فيرجع الكون إلى كتلة صغيرة جداً أي ينكمش على نفسه وإن حدث ذلك سيكون أحد الحلقات في سلسلة من الأحداث التي سيحدث فيها Big Bangوهذا ما تقول به نظرية النوسان الكوني Oscillating Universe التي تتحدث عن أن الكون لم يبدأ بانفجار عظيم بل ثمة انفجارات عظيمة متكررة ولانهائية، وليس لها بداية وبعدها تنفجر فيتمدد الكون من جديد وبالتالي فلا بداية للكون ولانهاية له.
من الحقائق العلمية التي أبرزتها نظرية الانفجار الكبير: أن هناك لحظة بدء للمادة والطاقة والزمان والمكان ومن بين الاستدلالات التي اعتمدها علم الفيزياء للقول بحدوث الكون القانون الثاني من علم الترموديناميك والذي يقضي بانتقال الحرارة من الجسم الحار إلى الجسم البارد دون عودة في الاتجاه المعاكس ولكن هل يمكن معرفة القوانين العلمية التي سادت قبل تلك اللحظة إذ إن كل القوانين المعروفة هي قوانين ما بعد الانفجار وليس قبل الانفجار ؟
أعتقد أنه إلى الآن لم تحسم مسألة تمدد الكون هل هو في حالة اتساع لا متناه، أم أن هناك حدّ لهذا التمدد يقف عنده الكون ومن ثم يعود أدراجه؟
إن تمدد الكون أو انكماشه يفترض نوع من هندسة المكان ففي حالة التمدد فإن المكان مفتوح يتمدد بشكل لامتناهٍ وفي كافة الاتجاهات وبالتالي يحوي عدداً لانهائياً من المجرات، في المقابل فإن فرضية انكماش الكون تجعل المكان منحنياً مغلقاً وبالتالي حجم الكون محدوداً وعدد المجرات متناهياً.
هل الكون ذو طبيعة هندسية مفتوحة وبالتالي لا متناهٍ أم ذو طبيعة هندسية مغلقة وبالتالي متناهٍ؟ أعتقد أن الأمر الأصعب جداً البت فيه ويعود ذلك إلى عدة أمور منها:
أنه حتى الآن لم تعرف القوانين التي حكمت انضغاط المادة والطاقة بشكل كثيف جدا كما أن العلماء لم يتوصلوا حتى اليوم إلى معرفة تأثيرات المادة المظلمة بشكل مفصل ودقيق بما يتيح لهم الإجابة على كثير من الأسئلة التي مازالت معلقة ومفتوحة مما يبقي نظرية الانفجار الكبير في حيز الفرضية على الأقل في بعض جوانبها التي لم تثبت بشكل تام ونهائي حتى الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تؤكد إصرارها على توسيع العملية البرية في رفح


.. شرطة نيويورك تعتدي على مناصرين لغزة خلال مظاهرة




.. مشاهد للدمار إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة خفاجة غرب رفح ب


.. أحمد الحيلة: قرار الجنائية الدولية بحق إسرائيل سيحرج الدول ا




.. في ظل تحذيرات من تداعيات عملية عسكرية.. مجلس الأمن يعقد جلسة