الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يسوع الثائر-8- الرياء وازدواجية المعايير

طوني سماحة

2015 / 10 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قد نختلف في نظرتنا للاهوت المسيح أو نرفض فكرة وجود إله أصلا، أو نشكك في في كل ما هو ماورائي، أو لا نتفق على فكر العقائدي للمسيحية، أو لا نتفق مبدأ الخطيئة الاصلية، لكنني لا أظن ان إثنين يختلفان على سمو رسالة المسيح الأخلاقية.

عندما خرج المسيح حاملا رسالته لبني أمتّه، كان الاحباط والخراب يسود الحالة الاجتماعية والروحية والسياسية والاخلاقية. فروما كانت أشبه بالعملاق الذي يطبق قبدته الحديدية على كل ما تمسك به يده واليهودي لم يكم له خيار سوى الانصياع لأوامر أسياده، شأنه شأن كل شعوب الارض. لكن ما زاد الطين بلة هو خراب البيت اليهودي من الداخل. فالرومان كانوا قد ملّكوا على الامة السلالة الهيرودوسية التي كانت من أصول أدومية غير يهودية وكان هاجس هؤلاء الملوك الحفاظ على ود أسيادهم كيما لا يخسروا الكرسي الملكي. كان مجلس السنهدرين المكوّن من سبعين رجلا على رأسهم رئيس الكهنة يحاول خلق حالة توازن مع الرومان مما يسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية بحرية. لكن رجال الدين أولئك كانوا من رجال السياسة أيضا، ولا يخفى على أحد أنه لا بد لكل من يعمل في السياسة أن يغوص في مستنقعاتها حتى العنق.

لم يكن رجل الدين العادي أكثر استقامة من رؤسائه. بل كان يحزم الاحمال الثقيلة ويأمر أفراد الشعب بحملها دون أن يساندهم بطرف أصبعه. لذلك عندما دخل يسوع على الساحة، استفزه مشهد استغلال الانسان للإنسان، فأشعل حربا ضد رجال الدين عنوانها "الفساد الاخلاقي وازدواجية المعايير". في العظة على الجبل، أظهر يسوع تعاطفه مع الانسان الضعيف وأسس لمنهج أخلاقي يختلف كليا عما كان يعلّمه الفريسيون والكتبة. قد تكون مقولة يسوع "ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. يا مرائي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين أخيك" من أكثر المقولات التي رددها البشر خلال الالفي سنة الماضية لإدانة ازدواجية المعايير في التعامل مع الآخر.

عندما كان يسوع يخاطب الفريسيين، غالبا ما كان يرفق خطابه إياهم بكلمة المرائين. كان الفريسيون يركزون على الظاهر في حياتهم. كانوا يظهرون للناس بمظهر الاتقياء، لكنهم كانوا من الداخل على عكس ذلك تماما. دعى أحد الفريسيين يسوع يوما لتناول الطعام على مائدته. كان الفريسيون يتبعون طقوسا صارمة للاغتسال قبل الطعام. لكن عندما دخل يسوع واتكأ دون الالتزام بمعايير الاغتسال المنصوص عليها لدى الفريسيين، تعجب المضيف. فما كان من يسوع إلا أن قال له:
39 "أَنْتُمُ الآنَ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالْقَصْعَةِ، وَأَمَّا بَاطِنُكُمْ فَمَمْلُوءٌ اخْتِطَافًا وَخُبْثًا.
40 يَا أَغْبِيَاءُ، أَلَيْسَ الَّذِي صَنَعَ الْخَارِجَ صَنَعَ الدَّاخِلَ أَيْضًا؟
41 بَلْ أَعْطُوا مَا عِنْدَكُمْ صَدَقَةً، فَهُوَذَا كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ نَقِيًّا لَكُمْ.
42 وَلكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ وَالسَّذَابَ وَكُلَّ بَقْل، وَتَتَجَاوَزُونَ عَنِ الْحَقِّ وَمَحَبَّةِ اللهِ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ.
43 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُحِبُّونَ الْمَجْلِسَ الأَوَّلَ فِي الْمَجَامِعِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ.
44 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ مِثْلُ الْقُبُورِ الْمُخْتَفِيَةِ، وَالَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَيْهَا لاَ يَعْلَمُونَ!».
45 فَأجَابَ وَاحِدٌ مِنَ النَّامُوسِيِّينَ وَقالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، حِينَ تَقُولُ هذَا تَشْتُمُنَا نَحْنُ أَيْضًا!».
46 فَقَالَ: «وَوَيْلٌ لَكُمْ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُحَمِّلُونَ النَّاسَ أَحْمَالاً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَأَنْتُمْ لاَ تَمَسُّونَ الأَحْمَالَ بِإِحْدَى أَصَابِعِكُمْ.
47 وَيْلٌ لَكُمْ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ، وَآبَاؤُكُمْ قَتَلُوهُمْ.
48 إِذًا تَشْهَدُونَ وَتَرْضَوْنَ بِأَعْمَالِ آبَائِكُمْ، لأَنَّهُمْ هُمْ قَتَلُوهُمْ وَأَنْتُمْ تَبْنُونَ قُبُورَهُمْ.
49 لِذلِكَ أَيْضًا قَالَتْ حِكْمَةُ اللهِ: إِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ وَرُسُلاً، فَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَطْرُدُونَ
50 لِكَيْ يُطْلَبَ مِنْ هذَا الْجِيلِ دَمُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ الْمُهْرَقُ مُنْذُ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ،
51 مِنْ دَمِ هَابِيلَ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا الَّذِي أُهْلِكَ بَيْنَ الْمَذْبَحِ وَالْبَيْتِ. نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يُطْلَبُ مِنْ هذَا الْجِيلِ!
52 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ مِفْتَاحَ الْمَعْرِفَةِ. مَا دَخَلْتُمْ أَنْتُمْ، وَالدَّاخِلُونَ مَنَعْتُمُوهُمْ».
53 وَفِيمَا هُوَ يُكَلِّمُهُمْ بِهذَا، ابْتَدَأَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يَحْنَقُونَ جِدًّا، وَيُصَادِرُونَهُ عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ،
54 وَهُمْ يُرَاقِبُونَهُ طَالِبِينَ أَنْ يَصْطَادُوا شَيْئًا مِنْ فَمِهِ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ.

كان تركيز رجال الدين على نظافة اليدين. أما يسوع فكان يريد أن يرتقي بهم الى نظافة القلب. كانوا شأنهم شأن جميع الناس يحبون الشهرة والمجد التي كانوا يحصلون عليها من تحيات الناس لهم في الاسواق وفي جلوسهم على المقاعد الاولى في المتكآت. كان ظاهرهم جميلا كما شبهه يسوع بالكأس النقية والقصعة النظيفة، لكن القلب كان على خلاف ذلك تماما كما رمز إليه واصفا إياهم بالقبور المختفية. كانوا يفرضون على الناس عشر دخلهم بما في ذلك النعنع والسذاب والبقول إلا أنهم كانوا أبعد ما يكون عن الحق والرحمة. كانوا يبنون قبور الانبياء دلالة على تديّنهم، لكنهم كانوا في الوقت نفسه قتلة، أبناء قتلة، يشهدون ويرضون على أعمال آبائهم.

إن كان الفريسيون ركّزوا على الظاهر، إلا أن يسوع كان يريد أن يخلق ثقافة يتمتع فيها الداخل بالشفافية ذاتها التي يتمتع بها الظاهر. لذلك دعى تلاميذه الى تبني خطاب شفاف وصادق "بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ." (متى 5: 37). نهى يسوع تلامذته عن الحلف قائلا لهم 33 "أَيْضًا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ:لاَ تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ.
34 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ، لاَ بِالسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ اللهِ،
35 وَلاَ بِالأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ.
36 وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ."

لقد رفض اليهود المسيح الذي أتاهم بخطاب جديد، لكن الكثيرين تبنوا هذا الخطاب على مد العصور. ولا شك أن هذا الخطاب أثمر في حياة الكثيرين حتى أصبحوا رمزا للصدق والسمو الاخلاقي والحس الانساني الراقي في مجتمعات وازمنة مختلفة وكثيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - روعة المسيح في الزمن المظلم
بارباروسا آكيم ( 2015 / 10 / 3 - 23:28 )
نعم كان الرجل علامة فارقة في وجه التاريخ ، وكل من يحمل في صدره غلاً ضد المسيح يستحيل أَن يكون إِنساناً محباً ، ويستحيل أَنْ يعرف مامعنى الحب ، كل من ينتقد المسيح اليوم يقف على نتائج وصلتنا بعد مايقارب ال 2000 سنة دون أَن يأخذ بعين الإعتبار ظروف الرجل والمشاكل الجمة التي واجهها بإقتدار ..ولكن يبقى الرجل شعلة مضيئة مهما قال عنه الناس ، ملاحظة مهمة : المدارس الطبيعية تنتقد المسيح لإنه لم يصلح كل شيء وهذا محال إِذا اخذنا ذات القوانين الطبيعية التي تؤمن بها ذات المدارس ..فلا يمكن بحال من الأَحوال اهمال الضغوطات والقوى الفاعلة على الساحة وتسلط رجال الدين..الخ الخ ، ولكن في النهاية كان ماحققه الرجل كبيراً وكبيراً جداً


2 - روعة المسيح في الزمن المظلم
طوني سماحة ( 2015 / 10 / 4 - 03:14 )
شكرا للمداخلة والتعليق أخي بارباروسا، أتفق معك على ان الحب عنوان واضح في رسالة المسيح ولو أن الانسان عاش تعاليم المسيح على حقيقتها ودون رياء لكانت مجتمعاتنا البشرية في حال أفضل كثيرا مما هي عليه اليوم
مع تحياتي وتقديري

اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah