الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نور الدين بوكروح, محنة مثقف جزائري

بلعمري اسماعيل

2015 / 10 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نور الدين بوكروح, محنة مثقف جزائري
شرع السيد نورالدين بوكروح منذ ايام قليلة في نشر سلسلة مقالات ممتعة على صفحات جريدة الشروق الجزائرية حول بروز و تطور الإسلام السياسي في الجزائر, بدأها بلمحة عن أسلوب الحياة الإجتماعية في جزائر أربعينات و خمسينات القرن الماضي أي قبل إلتقاط العدوى الإسلامية و انتقالها للمجتمع الجزائري, و في الحقيقة بقي ذلك الأسلوب البسيط في العيش و التعايش اللذي أشار إليه الكاتب قائما إلى فترة متأخرة نوعا ما على ما يسمح لي سني بالتذكر, ففي بداية الثمانينات أيضا كانت الفروقات الطبقية غير محسوسة بالشكل اللذي يدفع إلى تبني أفراد الطبقة الأقل حظا للخطاب المتطرف اللذي ردده رموز الإسلام السياسي الراديكالي في ما بعد عندما أصبح التمايز الإجتماعي صارخا و مستفزا و مغذيا رئيسيا للهذا الخطاب.
و بوكروح هو مفكر و كاتب و سياسي من جيل الإستقلال ( مواليد 1950), دأب من حين لآخر على نشر إسهامات فكرية يحلل من خلالها واقع المجتمع الجزائري بمختلف أشكاله و على الأخص علاقته بالدين و المؤسسات الدينية, و مقالاته الممتعة يكتبها بالفرنسية و في الصحف الصادرة بالفرنسية عادة بما في ذلك سلسلة المقالات التي تنشرها له هذه الأيام صحيفة الشروق المعربة, فلغة الكتابة في الجزائر هي قضية بذاتها, و بوكروح يؤكد مرة أخرى حقيقة محسوسة للجميع يرفض العروبيون بمكابرة الإقرار بها و هي أن إسهامات المثقف المفرنس في الجزائر أخصب و أرقى من نظيره المعرب المعقد و الغارق في معارك دفاعية خاسرة, ذلك أن المثقف المفرنس ينهل من معين وافر و غني لتجارب إنسانية متراكمة و واسعة تجعل منه واسع الأفق متحررا من الفكر الماضوي المتسلط على الثقافة العربية, بينما ينهل المعرب من مستنقع ثقافة شرق أوسطية راكدة صاغت العقل العربي على نحو أصبح فيه عقلا بهيميا شهوانيا و عنيف غير مستوعب لمبادئ التفكير السليم و الحر, و يشهد على ما ذكرت تعليقات قرآء الجريدة المعربة, و للإشارة فقط فجريدة الشروق ليست معربة فقط بل تكاد تكون بعثية و هي للطآمة تسحب أزيد من مليونين نسخة يوميا إذ يدمن عليها الشباب في القرى و المدن الداخلية حيث ينتشر الفكر العروبي المنغلق بعيدا عن ما تبقي من المدن و المدنية, و في الغالب فهؤلاء من أمطر الكاتب بتعليقات محزنة لم تناقش فيها المقالة مطلقا بل تراوحت بين الدفاع الغريب والعنيف عن ابن عبد الوهاب و أتباعه و بين التهجم على الكاتب بصفات دأب خطباء التيار الإسلاماوي استخدامها على نطاق واسع و ضد الجميع, و في الواقع يحتاج الأمر إلى دراسة خاصة لردة الفعل التي تحمل في طياتها مبادئ خطيرة للغاية, تتقاطع في أغلبها حول إحتقار العقل و تجريم التفكير, لقد نجحت السلفية الوهابية في خلق مجتمعات كهنوتية يكون فيها التفكير حكرا على كبار الكهنة الرجعيين و يكون على البقية الإتباع و الإلتزام, لقد عكست الكثير من تلك التعليقات هذا الواقع المرير بشكل مفزع, لكن الأكثر استفزازا هو استخدام البعض لنصوص دينية للإستشهاد بها على عدم أحقية الكاتب في التفكير و الغريب أن المعلق لا يرى لنفسه أيضا الحق في التفكير بوصفه ايضا رويبضة, ( حديث الرويبضة)
و في العادة لا أعلق على الكتاب و لا على المعلقين لكن إصرار المعلق على استخدام النص لمحاربة التفكير و تجريمه دفعني لأسأل المتهجم إن كان كل من يجهل مسألة الوضوء و التيمم في الإسلام يعد رويبضة و من تم غير أهل للخوض في المسائل العامة و شؤون المسلمين فرد بالإيجاب, ما يعني أنه على القائمة أن تشمل أيضا الخليفة عمر ابن الخطاب فقد كان يجهل هذا الحكم لسنوات و يفتي في الوضوء و الطهارة بما انتهى إليه علمه و هو خلاف الحكم الصحيح ( حديث عمر و سلمان الفارسي و الرجل السائل في صحيح مسلم).
لقد ظهر لي أن السبيل الوحيد لنشر صحوة عقلية بين أفراد المجتمع هي إحداث صدمة فكرية بنشر الحقيقة المدفونة في كتب التاريخ و السير و الفقه, فقط صدمة من هذا النوع قادرة على تحطيم أوثان الماضي المقيدة بقدسيتها لكل أمل في التغيير نحو الأفضل. وحده العلاج بالصدمة قد يفيق ملايين المخدرين من أمثال الذين خاطبهم بوكروح و الآلاف غيره بعقل و حكمة و خاطبوه و خاطبوهم بالشتم و القدح, هذا إن خاطبوهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملحق
بلعمري اسماعيل ( 2015 / 10 / 3 - 18:10 )
أغفلت إلحاق رابط المقال المشار إليه للسيد بوكروح, الرابط التالي هو للمقال معاد نشره على أحد المواقع الجزائرية و تعليقات القرآء أشد نكالا.
http://fibladi.dz/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB/item/372865-%D8%A8%D9%86-%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%B3-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%83%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%85%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D8%AA%D9%84%D8%A7%D8%B7


2 - نعم للعلمانية والديمقراطية ولا للعنصرية
فؤاد المعسكري ( 2015 / 10 / 4 - 12:05 )
مع اني من التيار العلماني الصرف غير اني ضد فكرة ان المفرنسين في الجزائر هم حملة التنوير والديمقراطية فقط. فالكثير منهم حتى لا نكون مبالغين يتسمون بالعنصرية المقيته التي يحملونها على كل ما هو عربي في الجزائر وهم بذلك يستعدون غالبية الشعب الجزائري وهذا ما ترك المشروع العلماني الديمقراطي ينظر اليه بعين الريبة والتشكيك في الجزائر


3 - تعالي بالأحري
بلعمري اسماعيل ( 2015 / 10 / 4 - 14:25 )
تحياتي السيد فؤاد
القول بأن المثقف المفرنس عنصري اتجاه العرب قول مبالغ فيه, يمكن الحديث بدلا من ذلك عن نظرة إستعلائية يعتدل البعض و يبالغ الآخر في توجيها لنظيره المعرب,و في الواقع فاللوم يقع في جانبه الأكبر على الاخير اللذي ظل منذ بدايات تشكل الحركة الوطنية مفتونا بالمشرق لحد الإنخراط في مسارات تاريخية لا تمت بصلة للجزائر و أكثر من ذلك الخوض و بضراوة في حرب على الهوية الأمازيغية لأجل التمكين لهوية شرق أوسطية غريبة عن الإنسان الجزائري.
في الواقع و دون الإستسلام لنشوة إصدار الآحكام المطلقة يمكننا بقليل من التجرد و بجهد يسير ملاحظة أن الفكر الغسلامي المتطرف يصدر كرافد عن الفكر العروبي و ينهل منه. لم يكن في صفوف الجماعات الإرهابية في الجزائر مفرنسين البتة, بل كانوا جميعا قيادة و أتباعا نتاج التعريب القصري للمنظومة التعليمية.

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال