الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الناسخ والمنسوخ ... حل أم معضلة

جعفر المظفر

2015 / 10 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الناسخ والمنسوخ ... حل أم معضلة
جعفر المظفر
ليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها الإسلام معضلة حقيقية, وتلك هي صفة الأديان جميعها بحكم انها تحمل تشريعات ثابتة لأزمان متغيرة, غير أن الإسلام يتميز عنها جميعها في كونه يواجه اليوم حتمية البحث عن الحل التأريخي المؤجل لقضايا ربما لم تضعه الظروف سابقا في مساحة البحث اللاهث عنها.
في الأزمان السابقة كان ممكنا لدين أن يتسابق مع آخر من واقعية وجودهما في مساحة لاهوتية واحدة, غير ان عالم اليوم الذي بدا يركض سريعا نحو الحداثة سرعان ما كشف عن أن أمر كهذا قد يقتضي إعادة ترتيب لأسبقية الأزمنة حسب (تراتبيتها الظرفية القيمية) وليس حسب (تراتبيتها الوقتية الزمنية المجردة), اي توقيت المراحل فكريا على ضوء معطياتها الأخلاقية والثقافية بدرجة أولى وليس زمنيا على طريقة الأسبقيات بالمعنى التقليدي.
هذا سيمنحنا قدرا أعلى من المناورة لإعادة ترتيب المراحل زمنيا من خلال مشهدها الإخلاقي المرتبط اساسا بهدفها القيمي , أي تعريف المرحلة وفق ظرفها وخاصة بما يخص اساليب نشر الدعوة, فثمة إدعاء مفتوح على أن الإسلام لم يدعو إلى العنف كوسيلة لنشر الدعوة وتطبيق الشرع وإنما دعا إلى ذلك بالموعظة الحسنة. اما التخلي عن اسلوب اللاعنف في نشر الدعوة فقد جاء متأخرا بعد يأس من إمكانية تراجع العدو المتمثل بتحالف قريش عن مجابهة الإسلام ومحاربته بالقوة والإكراه.
هذا يعني بالضبط أن إلتزام الإسلام بالعنف كان خيارا للحاجة المتأسسة على ظرفها, بمعنى قيمته الميدانية كإجراء تنفيذي نبع من حالة إضطرارية رتبته حتما في خانة رد الفعل لا في خانة الفعل, وثمة ما يدعو بإستمرار إلى تفحص الإشكالية الأخلاقية والقانونية التي يؤسس لها عدم التقيد بالأسبقيات بين رد الفعل والفعل.
من الناحية الأخلاقية, وحتى تحديدا ضمن إطارها القانوني, فإن العودة عن رد الفعل حينما يزول ضغط الفعل هو المؤشر الحقيقي نحو وجود محروس لثبات الهدف الإخلاقي على حساب وسيلة التنفيذ وأداته كمتغير ليس من حقه إستلاب قيمة المضمون الإخلاقي للهدف الثابت, فالمتغير الميداني التنفيذي لا ياكل من الثابت الأخلاقي وإنما هو يجب أن يوضع دائما في خدمته.
هذه المسألة أراها على درجة عالية من الاهمية بحيث انها تصبح مقياسا لتفحص صدق الإدعاء بان الإسلام كان قد اضطر لسلوك طريق العنف كرد فعل على فعل الإضطهاد ولم يلجأ إليه كخيار أول بالضرورة. ولو أنا ذهبنا إلى العكس من ذلك, اي أن العنف كان وسيلة أساسية لنشر الإسلام خارج إطار الضرورة المضغوطة بظرفها فسنقع حقا في المحضور الذي يقتادنا عنوة إلى حالة من المغالطة المفضوحة, اي تلك التي تشير إلى وجود حالة من الإدعاء الكاذب الذي يؤكد على ان العنف في الإسلام لم يكن مجرد رد فعل وإنما كان خيارا مؤجلا إلى حين إستكمال أدوات ووسائل وظروف نجاح العنف كوسيلة إقتدار وليس كإجراء إستثنائي يمكن العودة إليه حال زوال ظرفه وموجباته.
إن التاريخ السياسي للإسلام, اي ذلك الذي يدور على طريقة نشر الدعوة يمكن إعادة تفحص صدقيته على اساس قدرته على عبور هذه البوابة. فأما أن تكون هناك صحة للقول بأن الإسلام هو دين سلام ولم يكن قد أضطر إلى العنف إلا من موقع رد الفعل كإستثناء, أو أن يكون دين عنف لم يكن قد اضطر إلى إتباع السلام إلا مواربة وتقية.
وليس مقدرا لتفحص كهذا أن يمر لصالح الإسلام إن لم يجرِ تغيير فعلي على قاعدة الناسخ والمنسوخ بالإتجاه الذي يجعل الفقه قادرا على إخراج التشريع من أزمة اخلاقية حقيقية. وفي إعتقادي أن ذلك لن يحصل ما لم يجر تغيير قاعدة الناسخ والمنسوخ, وبما يخص طريقة نشر الدعوة, لكي تتبع الثابت الأخلاقي بدلا من المتغير الزمني, اي أن تكون للآيات المكية حق إسنساخ آيات المدينة الخاصة بطريقة نشر الدعوة.
خلاف ذلك فإن قاعدة الناسخ والمسوخ, بحكم أن الجديد يلغي القديم أو يستبدله, خلافا لقاعدة الثابت الأخلاقي, سوف تكون في خدمة التكفير والإرهاب وليس في خدمة الإسلام المعتدل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جميل
السير جالاهاد ( 2015 / 10 / 4 - 18:34 )
أشد علي يدك للموضوعية والوضوح والايجاز

لكن اسمح لي من أجل الدقة إيضاح إختلاف حتي ولو لم يمس صلب الموضوع, تقول
وتلك هي صفة الأديان جميعها بحكم انها تحمل تشريعات ثابتة لأزمان متغيرة
ليست كل الاديان تحمل تشريعات أو بالأحري منها ما يحمل أقل القليل من التشريعات

مشكلة القران أنه قد تم تأليفه كما يقول الانجليز
on the hoof
أثناء العدو
أي كرد فعل للاحداث

لهذا نري ما سموه اسباب النزول, وكذا التناقض والتضارب, وبالطبع الناسخ والمنسوخ من اجل اصلاح ما عطب, وإن كان حالات كثيرة قد أعطب ما صلح

القرآن لم يؤلفه شخص واحد

المتمعن الدارس (من ليس مكبلا بقناعة مسبقة) يمكنه رؤية ذلك بوضوح ليس فقط في الاسلوب بل أيضا في المحتوي

مؤلفوا القران تخبطوا كثيرا وعارض بعضهم قول بعض, أحيانا بسبب تغير الاحداث التي كُتب الكثير من القرآن كرد فعل لها, وأحيانا لتباين الأراء والأغراض

أختُرع الناسخ والمنسوخ كوسيلة للخروج من المأزق

ربما كانت آلية ناجحه في زمن التسليم بقدسية النص وطاعته بلا تفكير أو نقاش(لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) و (لا تجادل ولا تناقش كلام الله) , الخ

الآن تغيرت القصة فالبحث جار عن حل


2 - الترتيب العشـــــــــــــــوائي المقصود
كنعان شـــماس ( 2015 / 10 / 5 - 16:57 )
هذا الترتيب يخدم سياسة الناسخ والمنســوخ لايتفق اثنان ماهو الناسخ وماهو المنسوخ على اية حال اظن ترتيب الدكتور سامي الذيب لنصوص القران حسب تاريخ النزول فك هذه الشــــــفرةالتي كانت تمنح مســـاحة كبيرة للمناورة والمراوغة حسب الموقف الزماني من القوة والضعف وللتفصيل يمكن مراجعة موقع وكتابات الدكتور سامي الذيب حول هذا الموضوع تحية


3 - حقيقة الاسلام
صباح ابراهيم ( 2015 / 10 / 6 - 11:54 )
الاسلام دين ارضي وليس سماوي بدليل التناقضات والاخطاء الكثيرة في القرآن و اسلوب العنف الذي يتبعه لآرغام الاخرين على الدخول في الاسلام عنوة ، بالسيف و بالتهديد و دفع الجزية اي سلب الناس اموالهم ، ويسمح بسبي النساء و اغتصابهن بآيات قرآنية (الهية) . وهذا كله يتناقض مع مبدأ العدل الالهي و السماح والمحبة والغفران .
من يدافع عن الاسلام بقوة وشراسة فهو اما انسان جاهل بحقيقة الاسلام لكونه اكتسبه بالوراثة فقط من غير تشغيل العقل ودراسته دراسة موضوعية وعلمية ، او كونه مغسول العقل والدماغ وفارغ من العلم وبعيد عن الحضارة . او كونه من رجال التجارة بالدين ومستفيد من موقعه الديني لبيع الكلام على الجهلة الذين يهزون رؤوسهم قائلين آمين .

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية تواصل التصدي لكل محاولات الت




.. 78-Al-Aanaam


.. نشر خريطة تظهر أهداف محتملة في إيران قد تضربها إسرائيل بينها




.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف الكريوت شمال