الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحب و في بعض من ملابساته

عادل كوننار

2015 / 10 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا سألت سمكة، ما البحر؟ فستجيبك: هذا هو البحر إنه في كل مكان، و إن كنت ملحا أكثر و طلبت منها أن تعطيك تعريفا مفصلا للبحر، فعندها سيعتصي عليها الجواب؟ ذلك أن أروع الأشياء هي التي تعاش في سلاسة و يسر، و دونما حاجة لتسييجها بتعريفات تحد من بديهيتها و انسيابيتها التلقائية في حياتنا، و تعاسة الانسان الأكبر تكمن في حديثه الدائم عن الحب و التغني به، دون الوصول إلى عيشه كما ينبغي، و لا القدرة على إدراكه من الداخل، حتى غدت مكانته العميقة في نفوس البشر آخذة في التلاشي شيئا فشيئا حتى صارت آيلة للاندثار.

فلماذا أصبح الإنسان أكثر افتقارا للحب، في حين يصرح بأنه أصبح أكثر تحضرا و ثقافة و تدينا؟
النحات الذي يحول الأحجار إلى تماثيل هو في الواقع لا يقوم سوى بالكشف عنها، أي أن التماثيل بالنسبة إليه جزء لا يتجزء من الحجر، و مهمته تتلخص فقط في الكشف عنها، و إذا كان بالمثل الحب جزء من كينونة الإنسان فالفارق في كبحه و كبته و إعاقة سبل الكشف عنه.

و تتعدد المعيقات التي تحول بين الإنسان و بين الحب، و من بينها تلك النظرة الدونية في مجتمعاتنا للعاطفة عموما و للجنس خصوصا، و هي تصل بهذا الأخير إلى مرتبة الدنس، لأن ارتباطه بالخطيئة متعمق في الوجدان بشكل راسخ، و الأمر و عكس ما يروج له، لا أساس له في الدين بقدر ما يجد مسوغاته في البنية العرفية السائدة، فالدين الإسلامي مثلا جاء معترفا بالطبيعة البشرية ميسرا لها قنوات التصريف و التعبير، إلا أننا أعقنا هذا التصريف و قمعناه، و بالتوازي مع قمعه أضحى الإنسان فاسدا من الداخل، أمام استحالة التحرر من شيء متجدر فيه بما لا مناص منه.

و من أبرز المعيقات كذلك أمام الحب في زماننا، ما أضحت عليه حياتنا في ظل هذا الحضور الطاغي للمادة حتى غدت هي المسيطر و الموجه لكل خطواتنا، بل و المحدد لكل مصائرنا، و أمام هذا الوضع، فمن الطبيعي أن يتأثر الحب بالسلب، فكلما اكتسحت المادة مساحة أكبر من حياتنا، كلما تقلصت معها مساحة الحب، و في هذا قيل عندما يتكلم المال يصمت الحب، أو عندما يدخل الفقر من الباب يخرج الحب من الشباك، و نحن و إن لم نكن نسلم بأن المال هو الذي يصنع الحب فإننا نوقن بأن غيابه يقتله.

أي أن الحب الحالم المغرد خارج صوت هذا الواقع المادي الذي لا يمكن تجاهله، هو بدوره لن يكون مثمرا على درب تحقيق تلك الروابط العاطفية المتينة، إذا ما ظل طوباويا و غير مستند على إدراك واع للمسؤوليات المترتبة عن هذا الالتزام الروحي و الأخلاقي، و من هنا تأتي الصعوبة و تبزغ التعقيدات و العراقيل أمام تحقق ذلك الأمن العاطفي المنشود، و الذي و للمفارقة يبدو منشودا و محاربا في نفس الآن من قبل ناشديه أنفسهم.

فإذا كانت مياه الأنهار تنطلق من منابعها في طريقها نحو المحيط بشكل فطري، دون أن تتوقف مثلا عند نقطة مرور لتسأل الشرطي عن مكان البحر، فالحال بالنسبة لشلالات عواطفنا نحن هو خلاف ذلك، حين يحكم عليها في كل حين بتعدد التقاطعات و الإشارات المرورية التي تجعل طرقها نحو محيط الانفراج أكثر عسرا و أبلغ مشقة.

و أمام هذا الوضع الأشبه بمتاهة، يبدو الانفلات من تشعباتها إلى بر الحب و سعادته، مشروطا بإعادة ترميم الطرقات و تعبيدها عبر إعادة صياغة علاقتنا مع الأشياء و فيما بيننا، كي نصل لحالة من السلام النفسي، الذي لا سبيل إليه سوى بتحقق الأمن العاطفي بكل أشكاله، و هذه الصياغة الجديدة يمكن أن نستمد رؤية لخارطة طريقها من خلال هذه العبارة الحكيمة للمفكر مصطفى محمود حين قال : السعادة ليست في الجمال ولا في الغنى ولا في الحب ولا في القوة ولا في الصحة، السعادة في استخدامنا العاقل لكل هذه الأشياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب إسرائيليون يهاجمون داعمين لفلسطين بالألعاب النارية في ج


.. -قرار بايدن- يغضب إسرائيل.. مفاوضات الرهائن في خطر




.. هل الميناء العائم للمساعدات الإنسانية سيسكت جوع سكان غزة؟


.. اتحاد القبائل العربية في سيناء برئاسة العرجاني يثير جدلاً في




.. مراسل الجزيرة: استشهاد ثمانية فلسطينيين نصفهم أطفال في قصف ع