الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسخ الآسيوية من الزرقاوي

عبدالله المدني

2005 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من بعد نجاح أجهزة الاستخبارات التايلاندية في عام 2003 في اعتقال من كان يوصف حتى تاريخه بالمطلوب الأول للعدالة و الإرهابي الأخطر في منطقة جنوب شرق آسيا، ألا و هو "رضوان عصام الدين" الملقب بالحنبلي، صارت الصفة الآن من نصيب الماليزيين الهاربين "نور الدين محمد توب" و "أزهري حسين". الأول باعتباره المخطط الاستراتيجي للهجمات الإرهابية المتتالية في اندونيسيا منذ مجزرة بالي في أكتوبر 2002 ، و الثاني باعتباره القائد الميداني المشرف على تنفيذ تلك الهجمات البربرية التي كان آخرها عملية انتحارية في الأول من الشهر الجاري في بالي أيضا.

القواسم المشتركة بين هذين الإرهابيين والإرهابي الأكبر أبي مصعب الزرقاوي كثيرة، وان كانت جرائم الأخير في العراق لا تقارن بما ارتكبه الآخران حتى الآن في اندونيسيا. ولئن كان في مقدمة هذه القواسم خدمة أجندة و فكر تنظيم القاعدة بإخلاص وامتلاك مهارات التخطيط لضربات موجعة و فنون تضليل الخصم و توظيف الاتساع الجغرافي و الفلتان الأمني و الحدود غير المحصنة في التخفي و الهرب و تجنيد الأنصار، فان أبرزها استخدامهم بلدا مجاورا لأوطانهم الأصلية كميدان للعمليات الإرهابية. فكما فشل الزرقاوي في العمل داخل بلده الأردن بفضل كفاءة الأجهزة الأمنية و سيطرتها مما اضطره للانتقال إلى العراق المجاور، فان الماليزيين و لنفس الأسباب فرا إلى اندونيسيا المجاورة بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي دفعت السلطات الماليزية إلى تشديد قبضتها الأمنية ضد خلايا الإرهاب المحتملة. وان كانت هناك ثمة قاسم مشترك آخر فهو العامل الأفغاني. فالثلاثة مروا بأفغانستان في وقت من الأوقات وتزودا فيها بدروس التعصب و الغلو الفكري فضلا عن دروس القتل والتفجير والتفخيخ.

أما الفوارق فيأتي على رأسها البون الشاسع ما بين خلفية الزرقاوي العلمية التي تكاد أن تكون صفرا مكعبا، و المؤهلات الدراسية العالية للرجلين الماليزيين، وان وظفت في النهاية من اجل التدمير و الهدم بدلا من توظيفها في البناء و الإبداع. إذ على العكس من الزرقاوي، نجد أن نور الدين (35 عاما) متخرج من المعهد الماليزي للتكنولوجيا فيما رفيقه أزهري حسين (48عاما) يحمل بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من جامعة أديليد الاسترالية و شهادة الدكتوراه في إدارة العقارات و تثمينها من جامعة ريدينغ البريطانية. كما أن الأخير عمل محاضرا في جامعة جوهر الماليزية في التسعينات قبل أن ينخرط عمليا في هجمات الجماعة الإسلامية ذات الامتداد في منطقة جنوب شرق آسيا والمتهمة بعلاقات تنظيمية و إيديولوجية مع القاعدة.
ومن الفوارق الأخرى أن الزرقاوي يتحرك بوصفه قائدا غير منازع لما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، بينما موقع الماليزيين القيادي في الجماعة الإسلامية يبدو غامضا وان قيل أنه متقدم و رئيسي. و جزء من هذا الغموض مصدره السرية التي تحيط بالتنظيم و فروعه و خلاياه المتناثرة في جنوب شرق آسيا. صحيح أن ابابكر باعشير، الاندونيسي من اصل حضرمي و المعتقل حاليا لدوره التحريضي على الإرهاب ومقاومة النظام، عرف على نطاق واسع كمؤسس و زعيم للتنظيم، غير أن هناك أسماء أخرى برزت في السنتين الأخيرتين بصورة أوحت بأنهم قادة أعلى مرتبة من نورالدين و أزهري.

فمع توالي التحقيقات مع المشتبه بهم و تزايد التعاون الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة تردد مثلا اسم "ذو القرنين" الذي يعتقد انه ذو مكانة عالية في التنظيم وانه بسبب من ذلك تأتي أوامر التنفيذ النهائية للعمليات الإرهابية منه شخصيا أو من خلال زوجته "خيرالرشيد" كنوع من التمويه. وهناك "ذو المتين" المتخصص في الالكترونيات و أحد خريجي مراكز التدريب التابعة للقاعدة في أفغانستان، و الذي لولا أهميته و دوره المركزي في التنظيم لما خصصت واشنطون مؤخرا مبلغ 11 مليون دولار ثمنا لرأسه أو لمعلومات تؤدي إلى اعتقاله. و يعتقد أن هذا الأخير يختفي منذ عام 2003 في جنوب الفلبين المسلم ، حيث العديد من كوادر الجماعة الإسلامية تلقت تدريبات قتالية أو تخصصت في فنون التفجير بما في ذلك أزهري حسين، وذلك في معسكرات جماعة "أبوسياف".

إضافة إلى هذين الرجلين هناك "أبو دجانة" و"بشير الملقب بقتادة" اللذين يعتقد أنهما عضوان في القيادة المركزية للجماعة الإسلامية، استنادا إلى المعلومات التي جمعت في أعقاب الهجوم الانتحاري على فندق ماريوت في جاكرتا في عام 2003 ، و التي تبين منها أنهما عقدا اجتماعين مع نورالدين و أزهري: الأول في يونيو 2003 لوضع اللمسات النهائية للعملية المذكورة، و الثاني في أغسطس من نفس العام لاستخلاص الدروس و النتائج منها.

لكن هناك من المراقبين من يتبنى نظرية أن نورالدين و أزهري يمثلان قيادة جديدة لتنظيم الجماعة الإسلامية من بعد سقوط العديد من القيادات الأصلية (مثل باعشير وعلي غفرون و ماس سلامات) في قبضة العدالة و تشتت شمل الآخرين ، و أنهما قد شكلا قبل نحو ثلاثة اشهر في جزيرة سولو الاندونيسية حركة جديدة أكثر عنفا تحت اسم "الوحدة المقاتلة" من اجل المزيد من الأعمال الإرهابية التي كان باكورتها عملية بالي الأخيرة. وهذا يشير بطبيعة الحال إلى صعود الجيل الثاني من أعضاء التنظيم.

وبعيدا عن المقارنة السابقة، تقول سيدني جونز مديرة "مجموعة الأزمات العالمية" في جنوب شرق آسيا و التي قامت بجهد بحثي لا يضاهي في تتبع جذور الجماعات الاسلاموية المتطرفة في المنطقة، إن التنظيم يستثمر ثلاثة عوامل رئيسية في تجنيد المقاتلين من أجل عملياته الإرهابية و الانتحارية، و إن هذه العوامل تشمل روابط القرابة العائلية و الزمالة المدرسية و زمالة العمل.

وطبقا للباحثة فان العديد من الأسماء التي تورطت في عمليات الإرهاب في اندونيسيا، بما في ذلك مجزرتا بالي و تفجير فندق ماريوت و الاعتداء على السفارة الاسترالية في عام 2004 ، تجمعها روابط القربى أو المصاهرة بطريقة أو بأخرى. كما أن جل الأسماء التي خططت وأشرفت أو نفذت و ساعدت في هذه العمليات مرتبطة بخلية الجماعة الإسلامية في ولاية جوهر الماليزية، و التي كانت تنشط ضمن مدرسة لقمان الحكيم الإسلامية الداخلية في التسعينات و تتخذ منها مركزا لتجنيد الشباب. و الجدير بالذكر أن نورالدين انضم في عام 1994 إلى هيئة التدريس في هذا المعهد الذي كان يقود حلقات الدروس الدينية فيها "عبدالله سونغكار" زميل باعشير في تأسيس الجماعة الإسلامية. كما أن ازهرى حسين كان أحد المترددين على تلك الحلقات. هذا ناهيك عن أن اثنين من منفذي عملية ماريوت، و هما "محمد ريس" و "محمد إخوان" كانا طالبين في مدرسة لقمان الحكيم وقت عمل نورالدين فيها.

د. عبدالله المدني
*باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 23 أكتوبر 2005
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 154-An-Nisa


.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي




.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان