الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من وقائع الثورة في ليبيا - 10

حامد حمودي عباس

2015 / 10 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


إن شعور المواطن الليبي بالإحباط الشديد امام حقيقة عدم قدرته على مواكبة آفاق التطور الثقافي والعمراني في العالم ، رغم ان احتياطي بلاده من النفط يبلغ اكثر من ( 44 ) مليار برميل .. فهو ورغم توفر أدوات الاتصال الالكتروني وبكافة اشكالها ، لا يستطيع التواصل مع حيز الفعل الثقافي المتسم بالتزايد لدى جيرانه في تونس ومصر والجزائر والسودان مثلا ، ويقف وهو يرى بعين الحسد والإعجاب في آن واحد ، لما يعتبره قدرة مواطني تلك الدول على التعبير عن مكنونات انفسهم ، وبطرق لا يستطيع هو ان يمارسها ، فتأتي افكاره على الاغلب باهتة ، مستندة على مفاهيم محلية ، يغمرها الترديد الممل وغير المتجدد .. فالمحاور من غير الليبيين حينما يستمع لهم ، يألف منهم مثلا ترديد كلمة ( البنى التحتية ) باستمرار وبشكل آلي ، بحيث يوضع هذا المعنى في غير محله عند الكثير من أوجه الجدل .. أو إقحام جوانب الفكر الديني بمستوياته الاخلاقية فقط ، واعتمادا على معطيات عامة ليس فيها أصل من اصول التجديد ، لتكون سندا يخرج المحاور منهم من ورطة التحليل المنطقي للأشياء ، ويصبح دائما التعكز على مشيئة الله لتكون مخلصاً من تبعات اعطاء قرار حاسم لأية قضية ، وتبقى جملة ( ان شاء الله ) هي الجواب لكل سؤال مهما كانت خطورته ، ويتطلب اتخاذ موقف سريع وآني يتعلق بإرادة البشر قبل كل شيء .
روى لي أحد المهندسين العرب بأنه ، وخلال قيادته فريقاً اجنبيا يقوم بتنفيذ حفر بئر للمياه الجوفية لاحد المواطنين الليبيين ، وعلى نفقته الخاصة ، هرع له المسؤول عن تنفيذ البئر وهو من بلغاريا ، ليبلغه بان فقداناً لسائل الحفر قد حدث في مكان عميق من جدار البئر ، يتطلب توفير مياه كافية وبشكل عاجل لمعالجة هذا الفقدان وبسرعة ، وبخلافه ولو تأخر توفير المياه اللازمة لمعالجة المشكلة ، فان البئر سيفشل ، وتتعرض المعدات الخاصة بالحفر للفقدان تحت الارض .. وحينما ابلغ صاحب البئر بذلك لكي يقوم بتحريك سيارته الحوضية ، وفورا ، لجلب كميات المياه المطلوبة ، اجابه وهو لم يزل منبطحا تحت شجرة توت قريبه .. ( ان شاء الله ) دون ان يتحرك من مكانه .
لقد بقي التعليم في ليبيا ، وسيبقى الى أمد ليس بالقصير ، يشوبه الكثير من النقص ، ولا تتوفر في أركانه الشروط المطلوبة للتطوير المهني على وجه الخصوص ، وما تطور فيه لا يبتعد عن حدود حيز الشئون الادارية فحسب .. فالمتتبع لكافة الاعلانات المعلقة على جدران البنايات ، وفي الساحات العامة ، والتي تدعو للانخراط في دورات تدريبية خاصة ، او الدعوة للانتساب الى المعاهد العالية والمتوسطة ، جلها ، ان لم تكن جميعها ، مقتصرة على العلوم الادارية فقط ، حيث لا يوجد أي اقبال على تنشئة جيل يمتهن الأعمال الفنية الوسطى ، تاركين الامر في هذه المجالات للعمالة الوافدة حصراً .. فمن غير المألوف ابدا ان تجد ( لاحماً ) ليبيا في شركة حكومية او خاصه ، وليس هناك نجارين ، ولا في مجال الميكانيك أو التمريض أو الحرف عموما من هو ليبي قطعاً ، كما انه لا يوجد خبازين ولا عمال مطاعم ، وليس هناك احد منهم يعمل في قطاع البناء أو النظافة .
ومن المفيد ان اذكر هنا ، حادثة جرت مع احد الشباب المصريين ، وكان يعمل في مخبز غير بعيد عن بيتي ، وقد توقف المخبز الذي يعمل فيه بسبب احداث القتال ابان الثورة على القذافي ، شأنه شأن جميع المصالح التي تقد خدماتها العامة للناس .. الشاب كان يقيم في نفس المخزن كسكن له .. وقد فوجىء في لحظة ، بان احد الليبيين يشهر سلاحه الرشاش ، ويمد فوهته عبر نافذة صغيرة في جدار المخبز من الخارج ، منذراً إياه بالبدء بإيقاد الفرن واعداد العجين وتجهيز خمسين رغيف على الفور .. عبثاً حاول المسكين اقناعه بانه غير مرخص له بالعمل من قبل صاحب المخبز وهو مواطن ليبي ، وان ذلك سيعرضه للعقاب .. واضطر في النهاية لتجهيز المطلوب لتكون النتيجة طرده في نفس اليوم من العمل ، وحل في بيتي ضيفاً الى ان تيسرت له بعد يومين سبل الهروب الى مدينة بنغازي في شرق البلاد .. وقد يكون شاهر السلاح للحصول على ارغفة الخبز محقاً في جانب مما فعل ، ولكن ذلك دليل واضح على اعتماد الشعب الليبي وبشكل واسع على الوافدين من العمال في توفير سبل عيشهم حتى الاعتيادية منها .، .. انهم ان اضطروا للعمل ، فليس لهم باع ولا رغبة بغير السياقة والحراسة دون غيرهما من المهن .. ومن الظواهر غير السليمة في هذا المجال ، هو تفشي حالات الاستجداء من قبل العديد من الشباب اليافع ، حيث يقوم هؤلاء بتمييز الاجانب اثناء تجوالهم في الاسواق العامة ، ليشحذوا منهم مبالغ قد لا تتجاوز النصف دينار ليبي ، بهدف تغطية نفقات التمتع بما يشترونه من مخدرات تعينهم على نسيان ما هم فيه من ضياع ، في حين ، لا تبعد عنهم ، ومن حولهم ، مواقع عمل ميدانية للمئات من العمال المصريين والسودانيين وبقية دول افريقيا السوداء ، وهم يجاهدون في تأدية اعمال تتعلق بخدمات تعبيد الشوارع ، أو انشاء شبكات المياه والمجاري ، أو خطوط الهاتف ، وغيرها من الاعمال المربحة الاخرى .
روى لي احد الفنيين المصريين يوماً ، كيف ان احد العمال الليبيين المنسبين للعمل معه في احدى الورش الفنية الحكومية ، وحين قام بتكليفه بإحضار مطرقة حديدية ضخمة ، لإنجاز عمل ما ، استجاب العامل الليبي لهذا الطلب بان حاول رمي المطرقة عليه من بعيد ، الامر الذي افزع المصري ، فصرخ به بانه عدل عن طلبه ، وما عليه الا ان يخلد الى الراحة والابتعاد عن تفاصيل العمل .
الساحل الليبي يمتد لأكثر من الف كيلومتر بين مدينتي طرابلس وبنغازي .. هذا المكمن الاقتصادي الضخم ، والواقع على شواطئ البحر الابيض المتوسط ، كان له ان يمتص الملايين من الشباب العاطل والباحث عن متنفس لقتل فراغه المميت ، لو تكرم النظام بمد يد الرعاية اليه ، متخطيا تلك الفلسفة السخيفة بعدم جدوى فتح المرافق السياحية المثمرة بدعوى الحرام ، وعدم التشجيع على ظهور معالم التهتك الصليبي ، والابتعاد عن مسالك الفرح المثيرة لسخط الاجداد .. في حين تتفتح شهية الشباب الضائع ، وبطرقهم الخاصة ، للسهر في الطرقات العامة ، وفي زوايا الشوارع الفرعية ، وعند شرفات البيوت دون قيود ولا رقيب .
ان عدم استغلال هذا المعلم السياحي الضخم من قبل الجهات المعنية في ليبيا ، لم يكن النظام هو المسئول الوحيد عنه ، وانما هناك تداعيات غير محمودة مصدرها الجماهير الليبية ذاتها والغير مدربة على قبول ان يظهر السياح على سجيتهم ، كأن تكون هناك نساء مثلاً يرتدين ملابس السباحة ، او وجود تجمعات منفتحة من السياح الاجانب يقومون بممارسة هواياتهم على ساحل البحر ، دون حدوث مضايقات محتملة لهم قد لا تستطيع اجهزة الحكومة السيطرة عليها بسهولة .
خلال عام 1998 ، وحينما كنت ماراً في شارع رئيسي من شوارع العاصمة طرابلس ليلاً ، وهو شارع الاول من سبتمبر ، لاحظت مجاميع من المراهقين ، يحاصرون فتيات اجنبيات ( على ما يبدو انهن من احدى دول جنوب شرق آسيا ) ، ضمن ما يشبه تظاهرة يعمها الصخب والتصفيق ، في حين راحت الفتيات يحاولن الاحتماء بجدار الشارع المحاذي للرصيف ، ولم اكن اعرف بعدها هل استطعن الافلات بسلام ام لا .. انهن فتيات متهتكات بنظر العامة ، لأنهن يرتدين ملابس غير محتشمة ، من جانب ، ومن الجانب الاخر ، فإنهن قد يكن قبلة سهلة للتحرش الجنسي دون توفر من يحميهن .
ونتيجة لهذه الاتكالية المفرطة ، اضافة الى تردي سبل التعليم وبكافة مراحله ، فقد بقي الطبيب الليبي ، والمهندس ، وغيرهما ممن حضي بشهادة جامعية عالية ، غير مسلحين بعوامل الثقة بالنفس ، تسود نظرتهم لسواهم من الاجانب والذين لديهم نفس الاختصاصات مشاعر الحسد والرهبة .. فكل من يرطن بغير اللغة العربية من مواطني الدول الغربية مثلا هو خبير باعتقادهم ، ويكنون له بالغ الاحترام عند جميع المواضع ، حيث تجد الابتسامة على وجوه منتسبي نقاط التفتيش العسكرية لكل من يحمل سحنة اوربية حين يمر بهم على الطرق العامة ، ولو أقدم عربي على طلب العمل في قطاع حكومي ما ، ومعه اجنبي ، فالأجنبي حتما بنظرهم هو المفضل ، لكونه سيكون أكثر خبرة لا محاله .. وقد غامرت يوما بكتابة مقال مطول تناولت فيه هذه الظاهرة غير الصحية ، وحملته الى مقر جريدة ( الجماهيرية ) في العاصمة طرابلس ، فاستلمه أحد المحررين بوجه متجهم ينذر بالشر ، ولم يتم نشر المقال ، ولا ادري كيف مر الامر بسلام .
لقد تعود الشاب الليبي حينما يتخرج من احدى الكليات ، مهما كان تخصصه ، على ان يكون مديراً في الجهة التي يعمل بها ، سيما اذا كانت تلك الجهة حكومية .. انه لا يقبل ادنى من هذه المستويات حتى ولو كان رئيس قسم مثلا أو مشرفا عاما .. غير انه وان حصل على مراده ، يبقى في الغالب الأعم ، مقيداً بحركته داخل حيز عدم الثقة بالنفس ، فيبدو منكسرا امام الطاقات الاجنبية ( غير العربية ) المرافقة له بعمله ان وجدت ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فانه يحمل في طيات تصرفاته اليومية عنجهية ادارية يحاول من خلالها اثبات وجوده على رأس الوحدة الادارية في المؤسسة التي يعمل بها .. ولا يمكنني وانا استذكر حالات عديدة من هذا النوع ، ان انسى كيف اقدم احد المهندسين الليبيين من حديثي التخرج ، على الطلب مني وانا اكبره بضعف عمره ، ولدي خبرة تفوق خبرته بكثير ، بأن اجلب له حذائه من مقر اقامته اثناء تواجده معي للإشراف على احد الاعمال الهندسية الحكومية ، فنهرته وبطريقة حاولت من خلالها ان افهمه بسخف تصرفه .. يستثنى من ذلك ، الذين تلقوا تعليمهم الاكاديمي في الخارج ، ممن يحملون سمات تعليمية لا تمت لمن هم في الداخل من انصاف المتعلمين بصلة .
ويجدر هنا ، لكي أكون منصفا ، القول ، بان هذه المستويات من التعليم ، لم يكن الشعب الليبي صاحب القرار في صنعها ، بقدر ما هو النظام التربوي عموما مسئول عنه ، وبالتالي فان النظام الرسمي العام هو من يتحمل جريرة بقاء التعليم في ليبيا ، شأنه شأن الصحة العامة ، بهذا الشكل من التردي المؤسف .. فلقد واكبت بنفسي ، ومن خلال وجود ابنائي في المدارس ، سير الامتحانات العامة ، وكيف تصل اجوبة تلك الامتحانات الى الطلبة وهم على كراسي القاعات المخصصة لذلك ، في حين يمارس المسئولون عن مراقبتها من المدرسين والاساتذة الجامعيين ، دورا بارزا في فسح المجال للآباء والامهات للقيام بمهمتهم في اخراج قائمة الاسئلة الى خارج قاعات الامتحان ، وتوفير الاجوبة عنها وعلى عجل ، ومن ثم استنساخها الى عدة نسخ توزع لاحقا على الطلبة .. وكثير ما كان المدرسون العراقيون وغيرهم من العرب ، المتعاقدون للعمل في المؤسسات التعليمية في الجماهيرية الليبية ، يقعون في حرج كبير امام مطالبة ادارات المدارس ، بكتابة اجوبة لأسئلة الامتحانات على السبورة ، حين يؤدي الطلبة ما عليهم من اختبارات تحريرية فصلية .. انها كارثة حقيقية ستبقى آثارها قائمة ولعدة اجيال ، ما لم يركن وبشكل جاد ، الى تصحيح المسار التعليمي في البلاد ، وفق برامج مكثفة تشمل الطلبة والاباء والامهات على السواء ، لوضع صيغ جديدة تحترم قدسية التربية والتعليم ، وبما يصنع الانسان الليبي الجديد قبل كل شيء ، وفي مقدمة أية برامج تنموية ، وقف منها النظام القديم موقفا مخزيا حين عطل فيها روح التقدم ، وفصلها عن ما يجري في العالم من تغيير لا ينقطع نحو الامام .
لقد شخص الناشط السياسي والاكاديمي الليبي المعروف محمود جبريل في باكورة أحداث التغيير في ليبيا ، بان تطوراً شاملاً في بلاده سوف لن يحدث ، ما لم يركن في البداية الى تغيير الفرد الليبي من حيث التشكيلة الاجتماعية ، وتسوية ما بداخله من تناقضات جعلته يدور في حلقة مفرغة من عدم الاستقرار ..
ان المجتمع الليبي ، وفي مواضع اخرى مما يتسم به من أخلاق عامه ، يحترم المرأة وفق مقاييس فاقت الكثير مما تحمله المجتمعات العربية الاخرى .. فليست هناك امرأة عربية نالت من مراسم احترام الحقوق كما نالت المرأة في ليبيا .. فلم اسمع يوما بان امرأة ليبية تعرضت للعنف الاسري الا في حالات انفرادية تعتبر شاذة وهي قليلة جداً ، ولم ارى واحدة منهن ، الا القليل ، خاضت معركة قضائية مع زوجها في أروقة المحاكم ، وهي ان قدمت أي شكوى ضد الرجل ، زوجا كان ، أم مواطنا عاديا ، فان القرار سيكون ميالا لنصرتها مهما كانت الاسباب .. انها طبيبة ومهندسة وطيارة ، ومدرسة وصيدلية ، وسافرة ومحجبة ، وضابطة مرور ، وتعمل في سلك الشرطة .. لا يعيبها أن تعمل في أي من تلك المهن .. ومن يراها وهي تتبضع مع زوجها ، او تتجول في المدينة لشأن ما ، فانه يلاحظ تلك الحميمية الواضحة بينها وبين الزوج ، حيث يقوم هو ، وفي كل الاحوال ، بحمل طفله أو قيادة عربة الطفل ان وجدت ، دون ان يكلف زوجته بهذه المهمة .. وبناء على ما لدي من مشاهدات كثيرة ، فانني قلما وجدت رجلاً من الليبيين يسير في المقدمة وزوجته تتبعه كما هو الحال عندنا في العراق مثلاً ..
وثمة ظاهرة تبدو كنتيجة طبيعية لذلك الصراع المستمر في داخل المجتمع الليبي ، لعبور الخطوط التي تحجبه عن اجتياز مراحل التخلف عن مواكبة سواه من المجتمعات الاخرى ، حيث راح الشباب ، ومن كلا الجنسين ، يعلن الثورة على تقاليد واعراف الصحراء ، ليتحرك وبطريقة تشوبها العشوائية وانعدام التنظيم ، وخطورة النتائج في بعض الاحيان . فراحت جحافل الشباب من المراهقين والمراهقات ، وخصوصا بين طلبة الكليات والمعاهد ، ينتشرون في الحدائق العامة وعلى سواحل البحر ، وفي المقاهي التي ترتادها العوائل ، لعقد لقاءات ثنائية أو جماعية بين الفتيات والشبان ، تغيب عنها ملامح الحيطة والحذر .. وقد اتسمت تلك اللقاءات بصور من الحرية غير المشروطة ، بحيث يمكن للمراقب ان يرى شاب وشابه يتغازلان ، أو حتى يحضن احدهما الاخر عند مؤخرة باص للنقل العام ، أو تحت شجرة في حديقة عامة .. ومن يعترض من المارة ستكون عواقبه شتيمة مغلفة بالازدراء من قبل الاثنين .. ويجب الاشارة في هذا المضمار ، الى ان حالات عديدة من هذا النوع مما صادفته ، لاحظت خلالها بان الفتاة كانت اقل حرجاً من الفتى عندما يتعرضان لرقيب عابر يمر بهما عن طريق الصدفة ، وقد نشرت احدى الصحفيات الليبيات وبجرأة كبيرة ، تحقيقاً صحفياً على صحيفة رسمية ، ذكرت فيه ، بان مظاهر التسيب من هذا النوع ، بلغت حداً مخيفاً ، حينما لاحظت فتاتين تمارسان غزل مع بعضهما دون خوف من رقيب وفي زاوية واضحة عند مقهى عام .. انه طوفان اوجدته عوامل الانغلاق الشامل من قبل النظام ، عندما حبس شعبه عن التواصل مع العالم برمته وابقاه ضمن بوتقة واحده ، وبلون واحد ، غاب عنه الطعم ، وليس فيه غير رائحة التشفي مما يعتبره الناس حقا مسلوبا ، عليهم اكتسابه بطرقهم الخاصة . . فالاحتفال بأعياد رأس السنة غير مسموح به ، لأنه تقليد للغرب الكافر ، والفرح بأعياد الميلاد الشخصية حرام هو الاخر ، لكونه لا يمارس من قبل الاخ القائد بعظمة قدره .. تسمية المواليد الجديدة لا يمكن في المستشفيات ولا في دوائر الاحوال الشخصية الا وفق قائمة لا يوجد فيها اسم يدل على انتمائه للغرب .. حتى يافطات المحلات التجارية يجب ان لا يعلوها اسم لا يمت للعروبة وقضاياها بصلة .. اسماء اشهر السنة تختلف عن جميع التسميات في جميع انحاء العالم ، بما في ذلك العالم العربي .. كل شيء معد له مسبقا ليدخل في خانة القناعة الشخصية لملك الملوك ، وزعيم الاتحاد الافريقي ، والاخ قائد الثورة الليبية معمر القذافي ، حتى المسميات العامة والمتداولة بين الناس .
انني ارى بان رقعة الشطرنج التي تتحرك عليها الاحداث سواء في ليبيا او العراق ، ما زالت رغم كل شيء ، مرتبطة بشبح صدام حسين ومعمر القذافي وملامح نظاميهما .. وفي الكثير من الاحيان ، اجد صلة وثيقة بين بعض ما يحدث اليوم في العراق وليبيا ، بهاذين الرجلين .. بل انني اجدني اهمس بمحاورة احدهما ملقياً اللوم عليه في وضع مسوغات الكثير من صور الظلم على الشعبين العراقي والليبي ، كرواسب لعهديهما في الحكم ..
لقد حاولت ، من خلال استذكار سريع لتجربة العيش في بلد يتسم نظامه بالغموض ، ان اضع امام القارىء ، حقائق اجتماعية واقتصادية فضلاً عن السياسي منها ، حكمت مسيرة دامت اكثر من اربعين عام كان الشعب الليبي خلالها ، ضحية نفسه ونظامه في آن واحد .. كما انني ، ولكي لا اخرج عن دواعي الانصاف ، اقول ، بان الكثير من ملامح حياة الليبيين ، هي ذاتها موجودة في بقية المجتمعات العربية ، المحكومة بأنظمة لا تقل عن حكم معمر القذافي من حيث السمات العامة ..
انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التحديات المصيرية في سوريا.. بين الحوار والميليشيات! | #رادا


.. حريق في سجن حلب المركزي يؤدي إلى إتلاف وثائق وسجلات رسمية




.. أزمة سياسية تتصاعد في كوريا الجنوبية.. ماذا يحدث؟


.. هل تقبل فصائل المقاومة في غزة بصفقة تبادل جزئية؟




.. طفل مصاب يودع والده الشهيد إثر قصف إسرائيلي على دير البلح