الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيورباخ و رؤية الدين الذاتي بديلاً عن الألهي

حيدر عبدالسلام العتّابي

2015 / 10 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من ان الفيلسوف الالماني فيورباخ (1804-1872) قد أسس على ما بدأ به مواطنه وأستاذه الفيلسوف هيجل (١-;---;--٧-;---;--٧-;---;--٠-;---;---١-;---;--٨-;---;--٣-;---;--١-;---;-- ) فيما يتعلق بقضايا الدين ألا أنه اختط طريقا فلسفيا ًخاصاً به مخالفا تمام الاختلاف عن هيجل، وكذلك يبقى فيورباخ الأشهر بين الفلاسفة ممن تناولوا القضية الدينية بالتفصيل والإسهاب والنقد الموضوعي حيث افني جل عمرة في مناقشة تلك القضية الجوهرية في تكوين حضارة الإنسان، واستمر على ما أسس عليه فيورباخ الكثير من الفلاسفة الغربيين بعد ذلك والعلماء الاجتماعيين والنفسيين وربما الأشهر بينهم النمساوي سيجموند فرويد في العديد من مؤلفاته (مستقبل وهم، موسى والتوحيد، الطوطم والتابو) التي تناولت القضية الدينية على الرغم من تخوف فرويد خلال حياته من الخوض في غمار تلك القضية خوفاً من التأثير على أشهر متبنياته ألا وهو علم التحليل النفسي .
في بدايات حياة فيورباخ كانت كتاباته تهتم بالمسيحية كديانة العامة والمجتمع المحيط به ثم تطورت افكاره فيما بعد لتتناول الدين بصفته العامة بعيدا عن المسميات والتفرعات .
ولتسليط الضوء على رؤية فيورباخ لابد من تبيان اشهر متبنياته الفلسفية والتي تتبنى تحويل الدين من الألهي الى الأنساني بمعنى آخر تحويل الدين من السماوي إلى الأرضي او كما أطلق عليه الدين الذاتي، وقد بقيت هذه الرؤية مغايرة لما ذهب إليه استاذه هيجل والذي اصبح من معارضيه بالرأي حيث بقيت رؤية هيجل تحمل طابعا من الميتافيزيقيا النظرية يقول هيجل (إن أدراك الممكن "الانسان" للمطلق "الأله" وأدراك الممكن لنفسه وجهان لحقيقة واحدة) فالإله لدى هيجل بقي حقيقة مستقلة عن الانسان"اذا كان الأله يتجلى لذاته في تأريخ الإنسانية فإن الإنسان لا يستطيع التأثير على هذا التجلي" 1.
بينما نظرية فيورباخ النهائية كما أشرنا بقيت نظرية مادية مرتكزة على معرفة اجتماعية، فانه يعتقد أن مفهوم طبيعة الإله لا يعدو أن يكون مفهوم عن طبيعة الإنسان نفسه فهو يرى ان الانسان صوّر الأله وفقا لصورة الإنسان الجوهرية، وان طبيعة الانسان الفعلية لا تتطابق مع طبيعته الجوهرية (الانسان المتكامل) وهذه الصورة الجوهرية هي التي أنعكست بصورة إله نتيجة سوء تفسير هذا التغاير الذي اصبح يُنظر إليه على انه وجود منفصل عن الانسان الفعلي بمرور الزمن وبمعنى آخر فانه يرى ان المصدر الالهي هو مصدر انساني وأن الآلهة في نهاية المطاف تمثل مشاعر وأفكار الأنسان الداخلية، وتُعد تعبيرا عن أحلامه وأمنيه .
وكذلك يشير فيورباخ الى مبدأ مهم بفلسفته المادية التي تفسر اصل الدين الا وهو مبدأ التبعية فهو يرى "ان الشعور بالتبعية عند الانسان هو مصدر الدين ولكن موضوع هذه التبعية اي التي يكون ويشعر بتبعيته لها هي في الاصل ليست الا الطبيعة، فالطبيعة هي الموضوع الأصلي الاول للدين ،كما يبرهن على ذلك تاريخ كل الديانات والامم بدرجة كافية "2.
ويستتبع ذلك بقوله" إن أسلافنا القدماء كانت لديهم فكرة أولية عن العلاقة بين السبب والنتيجة. فضرب جوزة بحجر يجعلها تنكسر، ورمى رمح بعناية بالإمكان توجيهه بدقة بحيث يتبع مسارا محددا. لكن على الرغم من أنتظامات سلوك محدد كانت تشكل ظاهرة لدى القدماء الا ان اغلب الظواهر الطبيعية المهيمنة بقيت غامضة لا يمكن التنبؤ بها واُختُرِعَت الآلهة كى تفسرها وهكذا وجدت آلهة المطر وآلهة الشمس وآلهة الشجر وآلهة النهر إلخ .. كان العالم تحت سيطرة كائنات خفية قوية كثيرة"
وبذلك المجال يشير فرويد الى ان الدين كموضوع من موضوعات الحضارة قد مرّ كحال أي من تلك الموضوعات بمراحل تطورية متتابعة حتى العصر الراهن وحين العودة المنطقية لعصور للإنسان البدائي يبين فرويد "الإنسان البدائي لا خيار له، فهو لا يملك طريقة أخرى بالتفكير، فمن الطبيعي عنده بل من شبه الفطري أن يُسقط ماهيته الخاصة على العالم الخارجي وأن ينظر الى جميع الاحداث التي يلاحظها وكأنها من صنيع كائنات مشابهة له في واقع الامر. ذلك هو منهجه الأوحد في الفهم".
هذه العلاقة النفسية مع القوى الغامضة المحيطة به المُسيّرة للطبيعة و التي لها من التأثير على حياته ومحيطه بشكل لا يستطيع فهمه والتـأثير عليه هي التي اضطرت الانسان البدائي لأبداء التوسل لها وتجريدها و إضفاء صبغة صفاته الجوهرية عليها ليسهل التعامل والتواصل معها كنسخة من طبيعة علاقاته مع أبناء جنسه حيث تعتبر تلك العلاقة أولى معالم الدين بحسب رؤية فرويد
" إن الانسان حيث يشخص قوى الطبيعة، يقتدي مرّة أخرى بنموذج تعاملي، فقد تعلم من خلال الأشخاص الذين يؤلفون محيطه الأول انه لابد له أن يقيم علاقة معهم أذا أراد التأثير عليهم، ولذلك يسلك المسلك نفسه فيما بعد، ولنفس الغرض، ومع كل ما يصادفه في دربه، فمن الطبيعي بالفعل لدى الإنسان أن يشخص كل ما يريد فهمه حتى تمكنه السيطرة عليه فيما بعد – ان السيطرة النفسية هي التي تمهد الميدان أمام السيطرة المادية"3.
وبالعودة الى فيورباخ وبالعودة الى كتابه القيّم "اصل الدين" الذي يكرس الجوهر البشري للدين بحسب فيورباخ فتقييم الانسان لذاته وحياته ينعكس بتقديره للآلهة "إن عبادة الالهة تعتمد فقط على عبادة الانسان لنفسه" ويضيف "ان القيمة التي اعزوها بوعي لمصدر الحياة لا تعكس الا القيمة التي اعزوها عن وعي للحياة ولنفسي، وكلما زادت قيمة الحياة كلها زادت قيمة أولئك الذين يعطون الحياة، الآلهة" ويستشهد فيورباخ بمثال قائلا" كيف كان يمكن للآلهة أن تتالق بالذهب والفضة دون أن يعرف الانسان قيمة وأستعمال الذهب والفضة؟4 .
لقد أثر فيورباخ بفلاسفة وعلماء عصره تأثيراً كبيرا لدرجة قال عن ذلك انجلز "كان الحماس عاما وصرنا جميعا فيورباخيين دفعة واحدة " وحتى اليوم لاتزال آراء فيورباخ محل دراسة واهتمام الكثيرين حيث تعتبر نظرياته الاساس الذي بنيت عليه اصول المذهب الطبيعي في دراسة الانسان.
حيدر العتّــابي /العراق

هوامش //
1 فكر هيجل روجيه غارودي ترجمة الياس مرقص 234
2 اصل الدين فيورباخ 41
3 مستقبل وهم سجموند فرويد 31
4 اصل الدين 44 فيورباخ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م


.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي




.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه


.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد




.. -حافظ البهرة على سرية طقوسهم الدينية عبر العصور بعد اضطهاد ا