الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب الداعشية الناعمة، المسلسلات التركية أنموذجا

هشام حمدي

2015 / 10 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإعلام هو السلاح الذي فطن له الغرب والأعداء منذ عدة عقود حتى أصبحوا يملكون مقاليده في الداخل قبل الخارج، ينشرون به الإشاعات والشائعات ويغيرون به الآراء والقناعات من خلال تزييف التاريخ وتشويه الشخصيات الوطنية وتدنيس الحقائق بالوثائق وتقديس نفاق العملاء والخونة وتقديمهم على كونهم أبطال حموا الوطن من الاستعمار وفساده وحرروا المواطنين من الاستعباد وإفساده، مع أنهم قدموهما على طبق من ذهب لقمة صائغة للأعداء.
منذ مدة بدأنا نعاين سيلا جارفا من الدراما التركية يغزو فضائياتنا بشكل يدعو إلى القلق ويصيب بالأرق، ابتداء ب (نور ومهند) المسلسل الدرامي الذي أذاعه تجار الفضائيات على قنواتهم، ذات الرأسمال المادي السعودي أولئك اللذين يدعون الدفاع عن الدين الحنيف، عبر بثه من لبنان ولندن والذي فتح الباب على مصراعيه لدخول الأعمال الفنية عامة والمسلسلات التركية خاصة إلى السباق للأعمال الأكثر تحقيقا للربح والدعم المادي والشهرة والأكبر عددا في نسبة المتابعة والمشاهدة.
بعضكم يذكر ويتذكر المسلسل الذي يروي قصة السلطان العثماني وخليفة المسلمين وأعني به عبد الحميد القانوني، ذلكم المسلسل الذي يمكن اعتباره واحد من بين تلك الأعمال الفنية التي اكتسحت نظيراتها خصوصا بكمه الهائل من الحلقات وبنسب مرتفعة للمتابعة والمشاهدة من قبل جميع الفئات العمرية. وهنا تكمن خطورة المشكلة فالمسلسل يمكن توصيفه بالسذاجة والسطحية بكل ما تحمل الكلمتان من معان، إذ أنه يروي قصصا للجواري وما ملكة أيمان السلطان زير النساء وشارب الخمر وهامل مصالح العباد والبلاد للصدر الأعظم (الوزير الأول بالعرف السياسي الحاضر)، تلكم النساء اللواتي جمعهن في قصره واجتمعن في قصره للتنافس على الفوز بحب السلطان بالرغم من كونهن نساء أوتي بهن عن طريق السبي من أوطانهن، كما تم القضاء على أغلى ما يملكن وهي أسرهن بما فيهم الزوج والأب والأخ على يد جيوش خليفة المسلمين، ليتم تمرير الرسالة بإقناع المشاهدين بأن النساء يقعن في حب من يضطهدن وكأنهن التجسيد الحي لما يعرف بالإصابة بمتلازمة ستوكهولم، أيضا معظم حلقاته لا تخلو من أحداث الكيد ووقائع التآمر والمؤامرة التي تحوكها الشخصيات ضد بعضها، وهذا هو مكمن الخطر في رأيي.
للأتراك الحق في صناعة قوتهم الناعمة أي إنتاج المسرحيات والأفلام والمسلسلات، لكن أن تقوم بتصوير خليفة المسلمين والترويج له بإظهاره في صورة السلطان الذي لا يظلم عنده أحد والذي يرجع الحقوق لمستقيها وينصفهم بل أيضا بأن جميع نسوته ونسائه يتعشقون به و فيه، والأنكى وهذا حق الأتراك بجعله ملائكي الأخلاق والأفعال؛ لكن السؤال الملح والفارض لنفسه هو هل شغف وافتخار، 150 مليون مشاهد ومتابع لهذا المسلسل في محله بالرغم من تعمده إظهار وتبيين أن أصحاب الفضل في نشر الدين الإسلامي في العالم العربي هم الأتراك، طبيعي!؟
وهل يجوز التشجيع والمدح والتزلف بمن كان مستعمرا وعدوًا ومستوطنا؟ ثم ما هو السر في انجذاب المتابع لهذه المسلسلات؟ الوجوه الجميلة؟! هل تفتقر وتعاني الدراما في العالم العربي من الخصاص في إيجاد ممثلين ميزتهم الوسامة فحسب؟! وهل نَحِنٌ للاستعمار العثماني وتصْدُقَ فينا مقولة مالك بن نبي في كتابه المعنون (شروط الحضارة) بأن الشخصية العربية لديها قابلية للاستعمار، هذا الاستعمار ليس من عبث السياسيين، ولا من أفعالهم، بل النفس ذاتها، التي تقبل ذل الاستعمار، والتي تُمَكِن له في أرضها.
حقيقة لا أستطيع خلق جواب ولا إعطائه، ليبقى الأمل الوحيد في المتابع والمشاهد العربي هو أن يعي ويتثقف حتى يستطيع مجاراة الأعمال الدرامية على أسس صحيحة وقواعد متينة دون إعطاء أهمية لجنسية صانعيها، فلا يمكنني الترخيص للأطفال والمراهقين من الشباب بمشاهدة مسلسل يتم النطق بجملة " افصل رأسه" مصحوبة بتصوير هذه اللقطة لقطع الرأس بالسيف أو بالسكين، وأيضا لا يمكن السماح للشباب بمتابعة الهجوم على دول آمنة هادئة لا لسبب إلا للغزو وسبي النساء اللواتي يؤخذن كعبيد وجواري بعد كونهن كن أحرارا، ليتم بعثهن لخليفة المسلمين يفعل بهن ما يريد ويشاء.
إن الدراما التركية لا تعير أدنى احترام للدين والدنيا، إنها بذرة الإرهاب التي تُقدم للشباب فوق طابق من فن داعشي، إنها تعمل على تحويل المسلسل إلى واقع حقيقي يُعلِم الإنسان كيفية قتل من يخالف معتَقَده وعقيدته، دون إدراك ووعي وفهم المشاهد والمتتبع عربي للتناقض الصارخ بأن خليفة المسلمين، العظيم، البطل، محبوب النساء، الفاتح، نصير الفقراء صديق الضعفاء، والدكتاتور هو نفسه قاطع الرؤوس والذي يقوم بما يقوم به خليفة الدواعش، ليقوموا بالتهليل لهذا وليسبوا ويلعنوا الأخير.
المراد قوله هنا هو كيف لنا محاربة الفكر التكفيري الداعشي والفكر التفجيري المذهبي، في حين أن الفن يقوم بتعزيز وتمجيد ثقافة النحر والذبح وذلك من خلال المسلسلات الغير المسؤولة، وبما أن البعض منا اليوم يهلل للأتراك الذين استعمروا البلاد واستعبدوا العباد لقرون فلا تعجب عزيزي القارئ أنك تعاين وستعاين في العقود القادمة مسلسلات تبجل الاحتلال الإسباني لسبتة ومليلية وتهلل للاستعمار الثقافي والاقتصادي الفرنسي باعتباره حدثا تاريخيا عظيما.
أخيرا، أتفق تماما مع مقولة المنظر الأمريكي نعوم تشومسكي التي صاغها في كتابه "أسلحة صامتة لحروب هادئة" واصفا بدقة ما نعيشه وتعَوٌدْنا التعايش معه من عمليات الإلهاء بقوله: حافظ على تشتت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية. اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقية الحيوانات.
الإنسانية هي الحل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال


.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر




.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي