الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يتحول الدين إلى شر ؟ -2-

هادي بن رمضان

2015 / 10 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نشرت منذ أيّام الفنّانة اللّبنانية "نجوى كرم" صورة ترتدي فيها صليبا حول عنقها , وقد أثارت هذه الصّورة والتي يفترض أن تكون أمرا طبيعيّا ضجّة في العالم العربي حيث تسود اللاّعقلانيّة والبهيميّة الطّائفيّة . فقد ذهب بعض المسلمين في تهجمهم عليها إلى نعتها بالصّليبيّة المشركة الضّالّة . وأعلن اخرون مقاطعتهم لأعمالها الفنية . وأعلنت فئة أخرى عن إمتنانها لإعتناقها لدين الإسلام . وقد ذهب البعض في تطرّفهم إلى إخبارها بأنّها بصورتها تلك تعتدي على إيمانهم الدّينيّ ! ( هكذا بكل كلبيةّ)

وهذه الحادثة وإن كانت في تمظهرها المتطرّف حكرًا على العقل الإسلاميّ فهي تفصح لنا عمّا تحمله العقيدة الدّينيّة من خطر نظري يتحول تحت الظّروف المناسبة إلى إرهاب .

يقدّم الدّين نفسه في ثوب -الحقيقة المطلقة- والتي تحمل في مضمونها أنه هو (أي هذا الدين) -الصّواب- وأن ما دونه -الضّلال المبين- وتحليل تبعات هذا الإعتقاد لا بدّ أن تفهم في إطار عناصر الدّين الأخرى كالخلود والمكافأة والعقاب . حتّمت العقيدة الدّينيّة على معتنقها إتّخاذ موقف عدوانيّ من المعتقد الاخر , فهذا الاخر -الضّالّ- وفور أن يعلن عن حججه وعن وجوده يضرب مباشرة صلب العقيدة الدّينيّة وصلب العقل الدّينيّ وأدوات تعامله مع العالم . فإفصاح هذا المعتقد الاخر عن نفسه وتقديمه لها كصواب وطريق اخر نحو -السّعادة الأبديّة- معناه أن كلّ ما اعتنقه المتديّن المتعامل مع هذا المعتقد الاخر كان محض أوهام بنى عليها كلّ أحلامه وامانيه وأدوات تعامله مع الأحداث والعالم . وإذا ما توعّد المعتقد الاخر الضّالين بالعقاب الأبديّ فلا بدّ لهذا المتديّن أن يتّخذ موقفا عدوانيّا لاواعيا من هذه الأطروحة الجديدة , فهو يخشى قصّة العقاب الأبديّ وهو في عجز وجبن معرفيّ عن اِستيعاب هذا المعتقد الجديد بشكل سليم لا ينطلق من الدّوغما الدّينيّة . وهو لظروفه الإجتماعيّة والقبائليّة الإسلاميّة على علم بأن مجرّد محاولة الإطّلاع والبحث المنهجيّ السّليم في هذا المعتقد الاخر وطرح إحتمال إعتناقه إذا ما تبّين صلابة حجّته فإن ذلك معناه إتّهامات الرّدّة والكفر والملاحقة الأمنيّة . وهذه الحقيقة تجد لها موطئا في لاوعي العقل الإسلاميّ الجمعيّ . فهذا العقل ينطلق (دون أن يعي ذلك) من عجزه عن التّلائم مع القضايا الخطرة التي يواجهها الإسلام بالعقوبة الجسديّة إلى رفض الاخر حفاظا على أمنه الذّاتيّ . وهذه الحالة أشبه بأنثى مسلمة أعجبت بنمط الحياة الغربيّة ولكنها سارعت مباشرة لإنكار إعجابها حفاظا على قيمتها في سوق الزّواج الإسلامي بكل تفاصيله القائمة على العفّة والشّرف والحياء . وكذلك يتعامل العقل الإسلاميّ الجمعيّ مع الأراء والمعتقدات المخالفة . فكلما تصدّى لها بشكل أكثر عنفا وعدوانيّة كلما إزدادت قيمته المعنويّة في مجتمعه المتديّن بتفاصيله القائمة على الفحولة والعزّة والولاء ...

فالعقل الإسلامي الجمعي يتّخذ موقفا عدوانيّا إذا لسببين :

- السّبب الأول وهو إنطلاقه اللاّواعي من حقيقة أنّ مجتمعه المحليّ سيواجهه بعداوة إذا ما تقبّل أو أظهر تسامحا مع معتقد ما . وهو يصبغ أسبابه اللاّواعية تلك بصبغة عقليّة فاهميّة يعيد فيها رفضه لهذا المعتقد الاخر لأسباب إستنتاجيّة بحتة .

- السّبب الثّاني وهو زعزعة هذا المعتقد الجديد لحاضره وماضيه ومستقبله , فهو قد أقام كل تفاصيل حياته لتوافق معتقده الدّيني . وإذا ما ثبت بطلان هذا المعتقد بطلت وإندثرت كل تلك التفاصيل وكل الجهد الذي بذل لأجلها من طقوس وتضحيات جسيمة يعزّ عليه أن تصير بلا أيّ معنى . وهذه آليّة تعامل العقل الجمعيّ الإسلاميّ مع المعتقدات الدّينيّة الأخرى , وأمّا آلية تعامله مع الإلحاد فهي أكثر إختلافا فإذا كان الدّين الاخر يقدم نفسه طريقا اخر إلى الخلود فالإلحاد يعلن أنه لا موجود غير وجودنا المادي هذا وأنا الحياة صائرة إلى الفناء . والإلحاد بذلك يضع الفرد عاريا للتّعامل مع وجوده منعدم الغائيّة المعنويّة . وهو يلقي به في دوّامة من الشّكّ والإرتياب والقلق والخوف والدّوغما الدّينيّة أعجز من التعامل مع تبعات ذلك . والإلحاد هنا يواجه أسباب نشأة الإيمان الغيبيّ ما يجعل مسلكه في الإقناع في غاية الصّعوبة والتّعقيد .

إنّ ميكانيكيّة عمل العقل الدّينيّ تنطلق من مسلّمات ميتافيزيقيّة للتّعامل مع أيّ فكرة أو ظاهرة , فالعقل الدّينيّ عقل ميكانيكيّ إجرائيّ جامد وغير جدليّ لا يعترف بحركة الفكر تزامنا مع حركة الطّبيعة والمعرفة البشريّة . وهذه اللاّعقلانية الدّينيّة لا بدّ أن تتحوّل إلى عنف وكراهيّة . إنّ كل الدّعوات لمطالبة المتديّنين بإحترام مخالفيهم هي محاولات فاشلة وغير موضوعيّة ما لم يقع تفكيك العقيدة الدّينيّة وطمسها فالكراهية اللاّعقلانيّة هي من صلب المعتقد الدّيني نفسه .

يتبع ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24