الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صنم المَثل الأعلى

رائد حسين

2015 / 10 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



للإنسانِ عامةً ,وللطفلِ خاصةً , يُعد المثل الأعلى الرمز المُلهم والمحرك الدافع الذى يروى بذرة الأمل فى القلوب,
وكغيره من الأشياء التى نخلقها بأيدينا فتخنقنا ,
يتحول المثل الأعلى الى صنم أعظم ,يحملُ فأساً يعرقل به كل محاولات التطور والتقدم,ومهما صرخت فى أذن خالقه لا يسمع .

عندما كنتُ فى المرحلة الإعدادية ,عرضت إحدى القنوات مسلسل مُدبلج عن "جنكيز خان" ,مؤسس إمبراطورية المغول ,
وحين يُذكر إسم المغول يتردد فى آذاننا جميعاً سقوط الخلافة العباسية والتخلص من تراث علمى وأدبى عظيم للعالم أجمع كانت تحفظهُ مكتبة بغداد حين كانت عاصمة الدنيا,
نتذكر جميعاً ماحلَّ على دار الإسلام والعرب من مذابح مروعة ومهالك مهولة.
تابعتُ "جنكيز خان" منذو كان طفلاً صغيراً يُدعى "تيمو جين " ,ينمو فى بيئة قاسية منقسمة متصارعة ,
فيأكل من قسوتها ويشرب من مرار دمائها ,يكبر الفتى ليجتث أسباب الخلاف مع معظم قبائل المغول فيوحدهم بعبقرية وحزم ,
ثم ينقضَّ على إمبراطورية الصين فيفتك بها ,ويدمر الإمبراطورية الخوارزمية الإسلامية فيبيد المدن بأطفالها ونساءها وحيوانتها ليرسل رسائل للمدن المجاورة :
(هذه نهاية كل مقاوم لغضب الله فى الأرض ).

إعتقد "جنكيز خان" أنَّ اله الريح يتحدث إليه وأنه ليس الإ غضب الإله الذى أرسلهُ على عباده الظالمين ,
وإعتقدت أنا أنه لم يخطئ فى أى جريمة ارتكبها ,فالموسيقى التصورية, وبروز التفاصيل فى حياة البطل رسمت الغشاوة على عينى فلم أرَ سوى البطل العملاق مؤسس الإمبراطورية ,
ولم أرَ رغم الدماء والجثث ,لم أرَالقاتل المجرم ,فالكاميرا تصور الانتصار فرحة فى قصر المنتصر ,وعلامات الرضى تأخذ محلها فى وجهه الناصع النقاء ,
ولا تقف الكاميرا دقائق معدودة على طفلٍ ينوح على جثة أمه ,
أو فتاة تم إغتصابها حتى الموت , لا لم تقف الكاميرا .. ولم يقف عقلى ولم يكُف عن عبادة الصنم ,
فكان لى القدوة والمثل الأعلى الذى أقيس بالنسبة له ما هو واجب وما هو جائز
مات جنكيز خان فى الحلقة الأخيرة لأبكِ عليه بكاءً حاراً ,فقد عشت معه وإنفعلتُ لإنفعالهِ ,فرحتُ لنصره وأزعجتنى مقاومة الناس له !
,كان جنكيز خان _ ومعناها الحاكم الشرعى _ يعاقب بالقتل من يلوثُ الأنهار ومن يضرب الفرسَ على رأسه ,
أنا ايضاً لا يجب أن ألوث إلأنهار ,ويجب أن أرأف بالحيوان ,
كان جنكيزخان إذا دخل مدينة ,أباد من فيها من الرجال والأطفال وإغتصب جنده من فيها من النساء ..ماذا أفعل الآن ؟
هل أنا مجبرٌ على قبول تشريع غاية القسوة من هذا الصنم ؟
الأيام وخدها خلعتنى من حبى لسفاك الدماء هذا , الأصنامُ كثيرة فى حضارتنا ,
إنها محلية الصنع ولها جاذبية تصبغها بها القومية والعصبية الدينية .. فكما يرى المغول "جنكيز خان" بطلاً كما كانت تقول أغنية تِتر المسلسل
( جنكيز خان هو ذا البطل ..فى شعبهِ قصة أمل ..)
يرى البعض نماذج مقاربه له فى إجرامه, أبطالاَ قوميين ومؤسسين عظام ,
لكنى أعود فأقول ,إنَّ الماضى قد خلق هؤلاء جميعاً فى ظروفٍ قاسية ..
فلننظر للحاضر وللمستقبل بعيوننا نحن ,مُثُلنا العُليا لم تُخلق بعد ,فالماضى بشعٌ بشعُ الى أقصى مدى ,
ولا يمكن إستخلاص نموذج مشَّرف منه الإ على جثث الآخرين ,
إنَّ المجتمع التقدمى _ الذى يهدف للتقدم للإمام _ لا يمكن أن يضع أُطراً عتيقة وأسواراً عالية ليمنع ترعرع زهوره فى بيئة نظيفة
حرة ,محايدة ,تتوقف فيها الكاميرات على كل آهةٍ لمظلوم لا على فرحة الظالم ,
تنصتُ فيها الكاميرات لوجع المهزوم ,لا لمعان الخمر فى كأس المنتصر ,
تبحث فيها العقول عن حلول تحفظ الارواح لا حلولٍ تتم فوق جثث الآخرين اياَّ كانت عقيدتهم أو قوميتهم أو أعراقهم ,
صنم المثل الأعلى يجب أن يهوى بفأس الإنسان لأجل الإنسان .
فلتشمل نظرية المثل الأعلى كلَّ الكبار ,كل من لهم حق التبجيل والإحترام ,
أنا لا أحترم الكبار ,فهم يستغلون إحترامنا لهم فى تشريع قوانين عقيمة عتيقة, ليقتلونا بها كما قتلهم آبائُهم ,
لا يجب أن نحترم الكبار الإ إذا حافظوا على عقولٍ شابة ,وقلوبٍ عاشقة ,أو خللوا بيننا وبين من نراهُ صالحاً لحاضرنا ومستقبلنا,
ولنُسقط الأصنام كلها فلكل صنمٍ وجهان ,وجهٌ رحيمٌ يحافظ على الأنهار ويرأف بالحيوان ,ووجه قبيحٌ ,يسفكُ الدماء ويغتصب النساء ,
لستَ مجبراً على تقبل "فلان" بكل تناقضتهِ ,لستَ مُجبراً على تقديس شخصِ كان من الممكن أن تكون أحد ضحاياه ,
ولا داعى لإحترام الكبار الإ إذا كانوا كِباراً حقاً برؤيتهم وتجدد الدماء فى عروقهم ,
فإن حادوا فالنقدُ اللاذُعُ هو أكسجين المجتمع الحى ,النابض بالحياة ,الهادف للتقدم للأمام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال