الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عهد قديم وعهد جديد -4- وسمع الإله دعائي وباركني

طوني سماحة

2015 / 10 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ. وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: «اجْلِسَا أَنْتُمَا ههُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا». فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: «يَا أَبِي!». فَقَالَ: «هأَنَذَا يَا ابْنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟» فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا» فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ. (تكوين 22:1- 13)

لطالما حيّرتني هذه القصة. فطلب الله من ابراهيم تقديم ابنه اسحق ذبيحة يبدو غير مألوف خاصة لنا نحن الذين نحيا في عصر الحضارة وحقوق الانسان. أما كان يستطيع الله أن يطلب من ابراهيم أن يظهر حبه له بطريقة مختلفة؟ أو ليست وصية "لا تقتل" الوصية السادسة من الوصايا العشر؟ هل يناقض الله نفسه؟ أو ليس الله يشبه آلهة ذلك الزمن عندما يطلب من ابراهيم تقديم ابنه ذبيحة؟"

كانت تلك الاسئلة ما تزال تعيش على الرف المنسي في ذاكرتي عندما وقعت من خلال مطالعتي للحضارات القديمة على موضوع الذبائح البشرية. كانت شعوب الشرق المتوسط تمارس تقديم الاطفال ذبائح لآلهتهم لغايات متعددة، منها طلب البركة والحماية من الاعداء والتعبد. يكتب المؤرخ فيلو الجبيلي (من مدينة جبيل اللبنانية) في القرن الاول عن الحضارة الفينيقية أن القرطاجينين، الذين هم أحفاد الفينيقيين، "كان لقدمائهم تقليد، أن يقدموا أكثر أبنائهم حبا لهم، ذبيحةَ فداءٍ للشياطين الذين يريدون الانتقام، من أجل إبعاد الخطر عن المدينة. وكانت هذه الذبائح تتم بطقوس غريبة وسرية." ويكتب المؤرخ بلوتارك في القرن ذاته " أن أهل قرطاجة، وبوعي وإدراك كاملين، كانوا يقدمون أبناءهم ذبائح، فيما كان اولئك الذين لا أبناء لهم يقومون بشراء أطفال وحز رقابهم كالأغنام او العصافير." ويضيف بلوتارك أن "الامهات كن يقفن شاهدات على الذبح دون ان تصدر عنهن أنة او دون ان تذرف لهن دمعة وإلا لذهبت الضحية سدى. وكان لاعبوا الآلات الموسيقية يملأون المكان بأصوات الناي وقرع الطبول وهم يلعبون أمام تماثيل الآلهة كي لا تصل أصوات النحيب الى مسامع الناس."

لم تكن الحضارة الفينيقية/الكنعانية هي الوحيدة التي أحلت تقديم الذبائح البشرية، بل تشاركت الكثير من الامم في هذه الطقوس المريعة. فمن مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين، الى ممالك أفريقيا، الى أواسط أوروبا حيث الايطاليين القدماء وشعوب السلتيين Celts الذين تحدر منهم الجنس الايرلندي وبعض الشعوب الانكليزية، الى حضارات الصين واليابان، وصولا الى شعوب أميركا الجنوبية الاصليين مثل المايا والازتك، كلها حضارات مارست التضحية بالاطفال او بالعبيد.

على ضوء هذه المعلومات يأخذ طلب الله من ابراهيم تقديم ابنه ذبيحة بعدا جديدا. فتارح والد ابراهيم كان وثنيا من مدينة أور الكلدانية. ومن المعروف ان الانسان يتأثر بثقافة والديه وثقافة مجتمعه. لذلك عندما طلب الله من ابراهيم تقديم ابنه ذبيحة، لم يجد ابراهيم الامر مستغربا ولم يعترض. لا بل، ربما كان الامر طبيعيا جدا بالنسبة له. لكن أهمية القصة لا تتوقف عند الحبكة والنهاية السعيدة التي تتمثل بإيجاد كبش بديل لاسحق، إنما بما تظهره القصة عن طبيعة الله المختلفة كليا عن آلهة ذلك الزمان والتي كانت متعطشة للدماء. قصة ابراهيم تأخذ منعطفا جديدا، أورثتنا إياه التوراة، ألا وهو أن الله هو إله محب، يرفض الذبيحة البشرية والدماء، ويرفض ان يموت الاطفال كي يرضى هو عن الانسان. تفيض التوراة بالآيات التي تدين الذبائح البشرية. مثلا نقرأ في تثنية 18: 10 " لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار، ولا من يعرف عرافة، ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر". ويعلن الله عن موقفه من هذا الموضوع بشكل صريح في سفر اللاويين 18: 21 "وَلاَ تُعْطِ مِنْ زَرْعِكَ لِلإِجَازَةِ (تقدمة) لِمُولَكَ (إله كنعاني) لِئَلاَّ تُدَنِّسَ اسْمَ إِلهِكَ. أَنَا الرَّبُّ." وفي سفر إرميا، يدين الله بني يهوذا بالكلمات التالية لأنهم ساروا على طريق الكنعانيين في تقديم أبنائهم ذبائح " وبَنَوْا مُرْتَفَعَاتِ تُوفَةَ الَّتِي فِي وَادِي ابْنِ هِنُّومَ لِيُحْرِقُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ بِالنَّارِ، الَّذِي لَمْ آمُرْ بِهِ وَلاَ صَعِدَ عَلَى قَلْبِي."

عندما كان القرطاجي يقدم ابنه ذبيحة كان يكتب على اللوحة الحجرية التي تعلو القبر العبارة التالية "وسمع الإله الفلاني (بعل مثلا)دعائي واستجاب لي وباركني." أما اللافت في قصة ابراهيم ان النهاية اتت على الشكل التالي " ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا» فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ." وتمر السنون، ويولد المسيح وتأخذ الذبيحة معنى آخر مختلفا كليا، إذ هذه المرة يأتي الإله كي يموت فداء عن الانسان وليس الانسان فداء عن الإله، كما قال يسوع لنيقوديموس الرئيس اليهودي "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah