الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية : في إمكانية تحديد المفهوم

عمر بن بوجليدة

2015 / 10 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلمانية
في إمكانية تحديد المفهوم

ما فتئ مفهوم العلمانية يعود ، محمّلا، في كل مرة ، بدلالات وأسئلة ومواقف ، متعددة ومختلفة ، تعلن اصطداما روحيا بأفق تاريخي و انهيار رؤية للعالم تقليدية ، وإنه علينا أن نشّد العزم للكشف عن تلك المنطقة المتمنعة حيث يثوي المعنى الموجب للعلمانية إعادة لبناء المفهوم في ضوء المستجدات و النوازل و ما طرأ من تحوّلات ، حتى لا نظلّ خارج الإمكان التاريخي الذي تفتحه الإنسانية الحالية لنفسها ، بل قل خارج عالم البشر الذين يصنعون تاريخهم بأنفسهم. و لن يتأتّى لنا مثل ذلك إلاّ إذا آلينا على أنفسنا أن نتدبّره بطريقة أشد صرامة بهدي مما حدث ومما نعرف عن أهمّيتها.
إنّ العلمانية مشروع لا ينفكّ منذ أول أمره ، يؤسس ذاته ويعيد تأسيس ذاته ، ولعل ما يكون بيانا لذلك أن الفكر العربي قد تطرق إلى قضايا كانت قد فرضت نفسها وأحدثت ردود فعل متباينة ، لذلك ينبغي لنا إذا ما ابتغينا التفكير النقدي – والنقد من عزم التفكير نفسه - أن نتعقب عوائق وصعوبات استيعاب الخطاب العربي المعاصر للعلمانية ، فما نحتاجه هو التدّرب عل نمط من تلقي وتدّبر للمسألة جديد ، ذلك أن الحديث عن العلمانية ما يزال عند من يريدون إعادة إنتاج الماضي لغوا.
و ليكن منا على بال في هذا الموضع أنّ معالجة العلمانية - في ما نقدر- حتمية لابد من تدارسها في واقعنا بجرأة ، لأنها متغلغلة فينا ذلك أن لغتها أصابت وهزّت العقول هزّا عنيفا ، وتأثيرها يزداد بقدر انفتاحنا على الحداثة . هو ذلك الذي تستحيل عنده العلمانية أمر مستشكلا في حدّ ذاته وهو الذي من شأنه أن يحملنا حملا على التساؤل:
عما هي العلمانية ؟ و هل تؤدي العلمانية إلى استبعاد للدين كلي أم أنها تدفع إلى إعادة النظر في مفهوم الطبيعة والإنسان والتاريخ ؟ ثمّ لماذا ينحو خطاب التسلط والاستبداد منحى مهادنا للمعتقد ؟ وهل يقود القول بإخفاق التحديث وضمنه العلمنة إلى رفض كل تحديث؟

وقصد الإفصاح عن مبتغانا فإنه أصبح من الواجب علينا أن نسارع إلى تلمس احتمال جذري لمهمّة السؤال عن معنى الوجود الذي هو "نحن" ، في عالم لم يعد يستمد من منطقة "النحن" التي بحوزتنا بنيته الخاصة .
ولعل أول ما ينبغي التذكير به أن تعارضيّة العلمانية بالإسلام ، والعلم بالدين ، والحداثة بالأصالة ، والمستقبل بالماضي ، والديمقراطية بالشورى إنما هي في أسعد الحالات مظهر من مظاهر" ثقفنة" الصراع التي تصب في تبرير الأوضاع والعلاقات القائمة والمحافظة عليها (1) . فلا يخفين على الأذهان أن الغربيين قد انتبهوا إلى أهمية الصياغة المنهجية للوعي الرافض لسيادة الفكر الديني مجسدا في المؤسسات الكنسية والاتساع المطرد لهيمنتها التي غدت في تماس عضوي مع المؤسسة السياسية وأنظمة الحكم ، كما حاولوا إيجاد تركيب أولي متصاعد نحو انجاز بناء نقيض للغيبية التي تتحكم بطرائق التفكير السائدة.
وكان ذلك من بواعث الإصلاح الديني ، وليس ما يحتاج إليه بيان ، تنامي تأثير فلاسفة عصر الأنوار إذ شكّلت مصنفاتهم وأفكارهم أرضية جديدة اعتمدها العلم في محاربة الفكر الديني ومقاومة الاستبداد السياسي.
وما يلفت النظر أن الآراء تباينت حول تحديد المفهوم الدقيق للعلمانية في المؤلفات العربية المعاصرة ، وإذا كان الأمر محسوما في الغرب أو يكاد فإننا ما زلنا نقرأ فهوما تعتبر العلمانية أمرا دخيلا ، وتوقعنا في مطبات كثيرة، فالقول بأنّ العلمانية إنما هي فصل


الدين عن الدولة ، ينزاح بالعلمانية إلى شعار إيديولوجي ويلقي بها في زخم السجالات السياسية ،غير أنّ ذلك لا يبيح إمكان الغفول عن أن العلمانية إنما يطرأ عليها التاريخ من جهة ما هي سيرورة تتغيى غاية مفادها فصل الدين عن المؤسسة السياسية والاجتماعية والثقافية ونزع أردية التقديس عنها ، ولا ينبغي أن يذهب بنا الأمر إلى حدّ التفكير في إمكان تجاهل البعد الديني والحيلولة دونه ومعانقة التاريخ ، ذلك أن سيادة العقل إنما هي مناسبة لإظهار تاريخية العقل نفسه الذي أنتج التمثلات الدينية وأنشأ المقدس والمتعالي. وإنّه لفي الإمكان حقا تبيان أن الرهان الأعظم للمسار التاريخي للعلمنة إنّما هو التمييز بين السيادة العليا والسلطة السياسية ، فالسيادة العليا تتعلق بالإقناع وبتحول الوعي طوعيا ، إلى كل ما يخلع المعنى عن وجود الشخص البشري ، فهنا توجد حركة حرة للقلب ، كما يقول القرآن ، من أجل تقديم الطاعة لصوت عظيم وإذا نحن قلبنا النظر فسنلاحظ وجود حدّ أقصى من التواصل بين ذاتيتين اثنتين : أو بعبارة لامعة لـ "مارسال غوشيه" "دين المعنى" ، فأنا مدين بالمعنى الحقيقي الذي خلعته على وجودي إلى سيادة عليا أكبر ، تصبح مرشدة لي ، وأدين لها بالطاعة ، وأنا أستبطن وصايا المرشد القائد ، وأطيع سلطته ما دامت هذه السلطة ممارسة ضمن حدود المعنى الذي أبانه لي بصفته سيادة عليا .
لقد بان مما فات أن "أركون" يصرف جهدا غير يسير من تفكيره بخصوص "إسلام إبراهيم"، وإنه ها هنا ينكشف ملمح من معنى كشوفاته الباهرة، ذلك أنه يفترض أن أديان الوحي اتخذت مفهوم "الميثاق" الذي يربط بين الخالق والمخلوق بصفته دينا للمعنى: أي المحل الذي تتم فيه المبادلة بين السيادة العليا والطاعة العاشقة بضرب من الاعتراف المتبادل بالجميل، ووحدها السلطة التي تمارس ضمن إطار هذا الميثاق تكون:الشرعية (2).

وهكذا ينتهي "أركون" إلى هذا الزعم الرائع الذي مفاده أنه لا يوجد سوى فرق لطيف طفيف بين المجتمعات المتولّدة أو المنتجة عن الكتاب الموحى، وذلك أمر يدفعنا شديدا أن نكتشف رفقة "أركون" أمر أكثر أهمية وهو أن الحديث عن فصل ذروتي السيادة العليا والسلطة السياسية إنما هو ضرب من ضروب انشطار الوعي على نفسه ذلك أنه علينا أن نحترس من تلك الأطروحة التي تضادّ الإسلام بالمسيحية وتقول إن المسيحية قد فصلت بين الذروتين الدينية والدنيوية في حين أن الإسلام خلط بينهما منذ البداية فهي أطروحة متسرعة وسطحية وغير مقبولة . و إنّه ضمن هذا الأفق يستدرك "أركون" في تساؤل طريف ولكنه بعيد الغور: ما الذي حصل تاريخيا لذروتي الروحي والزمني ؟ لماذا ينغلق العقل الإسلامي ويهزم أمام تحديات الحضارة المعاصرة ؟



الهوامش:
جاد الكريم الجباعي ، مجلة الوحدة ، السنة السابعة ص 125 . -1-
(2) محمد أركون ، الفكر الإسلامي ، نقد واجتهاد ترجمة وتعليق ، هاشم صالح ، الطبعة الثانية ، دار الساقي بيروت ، لبنان 1992 .
انظر أيضا : محمد أركون ، حول مفهوم العلمانية ، مجلة الفكر ، باريس عدد4 ديسمبر 1990 .

- Emile Poulat , liberté -;-laïcité -;- la guerre des deux France et la principe de la modernité -;-Cerf ,Paris , 1987 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس #السيسي يستقبل سلطان البهرة ويشيد بدور الطائفة في ترم


.. 116-Al-Baqarah




.. 112-Al-Baqarah


.. سي إن إن تكشف عن فظائع مروعة بحق فلسطينيين في سجن إسرائيلي غ




.. نائب فرنسي: -الإخوان- قامت بتمويل الدعاية ضدنا في أفريقيا