الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية.... حاجة متجددة و حوار مستمر...

محمد امباركي

2015 / 10 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العلمانية.... حاجة متجددة و حوار مستمر...

محمد امباركي

لماذا يعرف النقاش حول العلمانية راهنا انتعاشه ملحوظة من مواقع مختلفة و خلفيات متعددة و رهانات متباعدة؟ هل تعبر هذه الانتعاشة عن فشل تاريخي للمشاريع الماضوية التي اشتغلت ليل نهر لوأد أي ولادة محتملة لنزوع علماني هنا أو هناك في عالمنا العربي ؟ اليس هذا الانسياب في النقاش هو بشكل من الأشكال إعادة للاعتبار للعقلانية في بعديها الكلامي و الفلسفي ( المعتزلة، ابن رشد...) و لمجهودات العديد من الرواد و الفلاسفة و المثقفين الذين انتصروا للعلمانية دون مواربة أو تردد و بمقاربات مختلفة و غنية تعبر عن امتلاكهم لوعي نقدي لشروطها التأسيسية و مستلزمات وعوائق استنباتها محليا أمثال " فرح أنطون و علي عبدالرازق و محمد أركون و عبد الله العروي ، هشام جعيط، محمود طه و فؤاد زكريا و عزيز العظمة..."؟ أ م أن هذا الحوار حول العلمانية لا يعدو أن يكون عابرا من حيث ارتباطه بالصحوة التي يشهدها " الإسلام الساسي " بمختلف تعبيراته التنظيمية و الحركية ؟
لا شك أن التطورات المتسارعة للوضع الدولي و الإقليمي على الأقل خلال العشرية الأولى من القرن الواحد و العشرين جعلت من مسالة العلمانية موضوعة شائكة و مثيرة للاهتمام سواء في العالم العربي و الإسلامي من حيث الشروط التاريخية المعيقة لاستنباتها و ماسستها عموديا و أفقيا، أو بأروبا حيث اتساع النقاش حول علمانية تنزاح يوما بعد يوم عن أرضيتها التأسيسية الأنوارية في ظل عدم احترام الأقليات و تنامي الميز العنصري و انتهاك حقوق المهاجرين و الإسلاموفوبيا وكذلك انخراط معظم الدول الأوربية في سياسة امبريالية توسعية شكل فيها الخيار العسكري و دعم جماعات التطرف الديني أهم الأسلحة لمصادرة إرادة الشعوب في التحرر من أنظمة الريع و التسلط و الاستبداد، و هذا ما يفسر تعقد مسارات الحراك " الثوري " في عدة مناطق من العالم العربي وصولا الى مرحلة " عسكرة " الثورة و تطاحن الطوائف و الجماعات الدينية والقبائل و العشائر و قوى النفوذ المحلي بعيدا عن الأهداف الأصلية للحراك التي لم يكن من الممكن تحقيقها في ظل غياب مشروع مجتمعي تحرري و بديل سياسي ديمقراطي قادر على قيادة تحقيق تلك الأهداف و ذلك المشروع .
إن حيوية النقاش و الحوار حول العلمانية سواء من موقع الدفاع عنها أو مناهضتها أو الوقوف موقف " الحياد "؟؟؟، تفسره العديد من الاعتبارات يمكن حصرها في انبعاث " إسلام جهادي " يشكل التعبير الأمثل عن إفلاس الأنظمة المستبدة التي مارست عسفها و هيمنتها و تسلطها باسم الحق الإلهي بدعوى أن طاعة الناس لها واجب من حيث أنها حارسة لدينهم و مؤتمنة على حمايته، و هذا " الإسلام الحركي " تحكمه استراتيجية عولمة الدعوة و الدولة الدينية تحت مسميات متعددة تعكس الفرز الحاصل في تنظيماته و شبكاته و مشتقاتها : القاعدة، داعش، أنصار الشريعة، بوكو حرام...الخ و التي لم تعد فقط تمارس حربا بالوكالة في مسلسل إفشال حراك الشعوب العربية و تطلعاتها الى ديمقراطية حقيقية قوامها العدل و الحرية و الكرامة و الانعتاق من براثن الفساد و الاستبداد، بل أصبحت عملياتها الإرهابية تمتد الى قلب أوربا مما أجج من شعور الحقد و التمييز وعداء بعض الأوساط اليمينية للإسلام و المسلمين و استثمارها كورقة انتخابية الى أبعد الحدود. و اعتبار ثاني يتجلى في استفادة تنظيمات " الإسلام السياسي " من مسارات و منعرجات الحراك "الثوري " في العديد من البلدان العربية و بلوغ مراكز السلطة سواء بطريقة منفردة كحالة الإخوان المسلمين في مصر أو في إطار توافقي كحالة تونس. و من البديهي أن صعود هذه القوى هو نتاج عوامل ذاتية و موضوعية متداخلة و مترابطة خاصة إفلاس أنظمة الفساد و الاستبداد و فشل نماذجها التنموية التي لم تنجح إلا في تغذية الفقر و البؤس و القهر و التهميش و قمع الحقوق و الحريات و تحويل الدولة و أجهزتها البيروقراطية الموالية و الموازية الى بنية معقدة من شبكات الريع و الزبونية و الرشوة و النهب بدون رقيب أو حسيب أمام سلطة قضائية إما تابعة أو ضحية التخويف و القمع بشكل يمكن القول معه أن الأنظمة الديكتاتورية في البلدان العربية عملت تاريخيا و بمختلف الوسائل على خلق حالة ثقافية و مجتمعية متصالحة و مطبعة مع الفساد و المحسوبية عن طريق المنظومة الأمنية والتربوية و الإعلامية و الدينية و السياسية و النقابية و الجمعوية...إالخ، أي ما يمكن أن نصطلح عليه ب " استراتيجية الترييع عموديا و أفقيا عبر شراء النخب السياسية و وولاء "الاتنلجنسيا"، بلقنة المشهد السياسي و ترييع المجتمع المدني عن طريق تشجيع نسيج جمعوي تحت الطلب و إدماجه في مشاريع تنموية تفقده استقلاليته و يصبح عاجزا عن الحياة بدون حليب الدولة. كما أدى تعثر المشاريع السياسية البديلة ( القومية و الاشتراكية و رأسمالية الدولة..) و الضعف البنيوي لقوى اليسار العربي و تراجعه و دعم أنظمة الريع الخليجية و القوى الامبريالية في إطار مشروع " الشرق الأوسط الجديد " لإعادة بناء المنطقة و توزيع مجلات النفوذ بين القوى الامبريالية للتحكم في ثرواتها و الحفاظ على الأمن الاستراتيجي للكيان الصهيوني و بالتالي إجهاض أية تطلعات ديمقراطية للشعوب و مصادرة حقها في تقرير مصيرها و بناء سيادتها ( فلسطين، لبنان، العراق، اليمن، ليبيا ، سوريا..).
قد لا تحيط هذه القراءة بمختلف العوامل التفسيرية للدينامية الحوارية و الحركية المحاطة بالعلمانية إما صراحة أو تحت مسميات عديدة كالحريات الفردية و حقوق الإنسان و المساواة بين الجنسين و علاقة الدين بالدولة خاصة و السياسة عموما و تجربة الأحزاب " الإسلامية " في الحكم ...الخ، لكن ما ينبغي تسجيله هو أن الحضور اللافت لقوى الإسلام السياسي في المشهد السياسي الحالي من خلال تطوراته الأخيرة و المتلاحقة باعتبارها طرفا أساسيا في معادلة الصراع السياسي من أجل نموذج للدولة و المجتمع ، وازاه أن جانب مضيء هو أنه شجع و فرض التعامل مع قضايا أساسية من مثل الديمقراطية و العلمانية و حقوق الإنسان على تلك القوى التي كانت الى وقت قريب تعتبر معاداة العلمانية نقطة برنامجية و استراتيجية في مشروعها السياسي القائم على تحقيق الدولة الدينية تحت شعار " الإسلام هو الحل "، و ظل فهمها للعلمانية كما كرسته قراءات و فتاوي زعمائها وفقهائها مؤطرا ب " نظرية صراع الأديان ومؤامرة الغرب المسيحي على الإسلام و المسلمين و من ثمة فالعلمانية "غزو استعماري ثقافي ينضاف الى الغزو العسكري.".. .... كما ظل في حدود فهم غير قادر على تجاوز النظر الى العلمانية باعتبارها آالية تعبوية و تحريضية ضد اليسار و التقدميين و المتنورين من الفقهاء و المثقفين و الساسة؟..
إن محمد عبده الذي رغم خلافه مع فرح أنطوان المنافح البارز عن الفصل بين سلطة الدينية و السلطة الدنيوية لم يمنعه ذلك من الٌإقرار بإمكانية التوفيق بين الإسلام و متغيرات العصر...لدرجة أنه اعتبر في النهاية أن الانحطاط الحاصل في واقع الأمة هو تأخر المسلمين و لا علاقة له بالإسلام المعياري و كذلك حسن حنفي الذي اعتبر أن الإسلام دين علماني في جوهره رغم نقده للعدة المفاهيمية المهيكلة لفكر و فلسفة الأنوار، و " علي عبد الرازق " الذي تصدى للذين دعوا الى إحياء مؤسسة الخلافة حيث أقر بضرورة الاحتكام في مجال السياسة الى أحكام العقل و تجارب الأمم و قواعد السياسة (1). و تبقي مقاربة " فرح أنطوان للعلمانية جديرة بالتنويه و الاعتراف و الذي دعا الى ضرورة استقلال السياسي عن الديني و الفصل بين السلطتين الدنيوية و الدينية من خلال استناده الى الاعتبارات التالية :
• إطلاق الفكر الإنساني من كل قيد خدمة لمستقبل الإنسانية
• الرغية في المساواة بين أبناء الأمة، مساواة مطلقة بقطع النظر عن مذاهبهم و معتقداتهم.
• ليس من شؤون السلطة الدينية التدخل في الأمور الدنيوية لأن الأديان شرعت لتدبير الآخرة لا لتدبير الدنيا.
• ضعف الأمة و استمرار الضعف فيها ما دامت جامعة بين السلطتين المدنية و الدينية.
• استحالة الوحدة الدينية. (2)
بغض النظر عن مضامين الدعوة الصريحة ل" فرح أنطوان " الى العلمنة فإن تأكيده على استحالة الوحدة الدينية هو وعي نقدي مبكر لمشاريع سياسية مختلفة من حيث الزمن و التسمية لكنها موحدة في الدعوة لانبعاث حكم الخلافة و الدولة الدينية و الجهاد العالمي و عولمة الشريعة الإسلامية...بمعنى بناء المستقبل من خلال الانتماء الى الماضي و البقاء فيه....إنه
في اعتقادنا و انطلااقا من الملاحظات أعلاه نرى أنه بقدر ما يجب استبعاد أي تقديس للعلمانية و رفع شعار سياسي مغلق يقول ب العلمانية هي الحل ( رأي محمد أركون ) بقدر ما منطق التاريخ يفرض قراءة النصوص الدينية قراءة تاريخية و النظر الى قوى الإسلام السياسي باعتبارها ليست شرا مطلقا أو مرادفة للشيطان لأن هذا التقدير يسقط في التأويل القائم على أحكام القيمة ، بل إنها جزء من التطور المجتمعي محكوم عليها بالتحول و التغير و التكيف مما قد يحدث عملية فرز مفتوحة و مقاومات مضادة داخلها. ماهي دواعي هذه الخلاصة أو القناعة ؟
من جهة أولى ف" الإسلام هو الحل " كما نظر له سيد قطب و أبو علاء المودودي و ابن تيمية...أصبح شعارا باليا و غير مغري إلا لشباب تم تجنيده في تنظيمات " الإسلام الجهادي " مستغلة فقره و جهله و خيبة أمله و انسداد آفاق العيش الكريم أمامه، و من جهة ثانية فسيرورة التحولات و الانتقال الديمقراطي المعاق لم تدع أي اختيار لبعض قوى الإسلام السياسي للاستفراد بالسلطة و استبعاد الحوار مع اليساريين و العلمانيين و التوافق حول قضايا ظلت الى حين من المحرمات في أجندات تلك القوى، و يمكن في هذا السياق تأمل الوثيقة الدستورية التوافقية لتونس و التي تحوي مضامين حقوقية متقدمة على مستوى توزيع السلط و الحريات الجماعية و الفردية.
التقاش في المغرب حول قضايا الحريات الفردية كحرية الاعتقاد و التفكير و الضمير و الإجهاض و مسودة القانون الجنائي و عقوبة الإعدام و الفن و الرقص في ظل حكومة يصطلح عليها الإعلام بالحكومة الملتحية ليس عديم الجدوى. أية رهانات لهذ النقاش؟.
الرأي الذي ينظر الى هذه القضايا باعتبارها هامشية و تتحكم فيها خلفية التغطية على القضايا الأساسية كالحريات و الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية هو رأي مغلوط غالبا ما يردده ذوو الرهانات الانتخابية و الحسابات الظرفية كقادة بعض الأحزاب السياسية الذين لا يشغل بالهم سوى توسيع الوعاء الانتخابي و استقطاب نخب و أصوات قد لا تنظر بعين الرضى الى هذا الصنف من النقاش، و بالتالي فقضايا التنمية و الديمقراطية و الحقوق الفردية و الجماعية لا يمكن إخضاعها للمنطق الانتخابي الضيق ، كما أن معظم مكونات " الإسلام السياسي " أصبح واعيا بأنه غير قادر على الحكم أو تعبئة الرأي العام باسم نظرية الحق الإلهي أو تفويض من السماء لان تغيرات سوسيوثقافية عديدة وقعت و مشاكل اقتصادية و اجتماعية تراكمت و يجب البحث عن أجوبة لها في الأرض و ليس في السماوات. من هنا نفهم دعوة جماعة العدل و الإحسان الى ميثاق و التواقف حول أطروحة الدولة المدنية و مراجعات رموز السلفية الجهادية لأطروحاتهم التكفيرية للمجتمع بأحزابه و جمعياته بغض النظر عن حسابات اللحظة المرتبطة بترتيبات المشهد السياسي مستقبلا.
من هنا يجب على القوى اليسارية و الحداثية الدفع بهذا النقاش الى مداه دون خطوط حمراء ترجع هذه القضايا الى دائرة الاستشارة المغلقة و هي دائرة تنتصر للقول الماضوي بشكل غير معلن و تجهض حوار عمومي باسم الحفاظ على قيم ومعتقدات و تقاليد المجتمع. ماهي هذه القيم و المعتقدات و العادات؟ , و هل من الصواب القول أن مناقشتها و اختلاف التقدير إزائها يهدد الأمن الروحي للمجتمع و يهدده بالتفكك و الفتنة؟....هذه كلها فرضيات لا يمكن القياس بها و بلورة موقف مجتمعي جماعي....و هنا تتجلى جسامة المسؤولية الملقاة على قوى اليسار و الحداثة في الدفاع أولا عن الحوار و النقاش و الحق في الاختلاف و التدبير السليم و الديمقراطي له و التموقف الواضح من أية محاولة لمصادرته، و ثانيا المنافحة عن وجهة نظرها إزاء هذه القضايا و الترافع حول مضمونها الحقوقي و الديمقراطي نشدانا للدولة العلمانية الديمقراطية و مجتمع الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.
إن الدفاع عن الحوار الديمقراطي و تعميق المضمون الحقوقي للمشاريع و القوانين المطروحة للتداول يقع في صلب الدفاع عن العلمانية باعتبارها إعمالا للعقل و تحرير للدين من الدولة أو أية جماعة سياسية تسعى الى احتكاره أو ادعاء تمثيله طالما أن الدين من المنظور العلماني الصحيح هو ملك للمجتمع و جزء لا يتجزأ من وجدانه و ووعيه الجمعي يجب إحاطته بالرعاية اللازمة و إتاحة مساحات التعبير عنه و ممارسة الطقوس و الشعائر المرتبطة به بشكل حر و بعيدا عن أية رقابة أو مصادرة أو أحكام, و ذلك في إطار رؤية فكرية و سياسية تعتبر أن الدفاع عن العلمانية لا ينفصل عن النضال من أجل الديمقراطية الشاملة من جهة، و من جهة ثانية عن مناهضة الإمبريالية و حلفائها الرجعيين على اعتبار أن هذا التحالف يشكل العدو الرئيسي للعلمانية من خلال احتضانه و دعمه لقوى الإسلام السياسي " و أنظمة الحكم باسم الدين و العشيرة خدمة لمصالحه الاستراتيجية مما يكذب أي مسعى للإمبريالية العالمية الى " دمقرطة " الأنظمة في العالم العربي أو" تحديث" مجتمعاتها كأنها رسالة نبوية تستوجب السكوت عن المجازر و المآسي و الويلات الناتجة عن التدخلات العسكرية .من هنا فالانتصار للعلمانية هو في العمق نشدانا للقيم الحقوقية و الإنسانية الكونية و لشعار " مختلفون و قادرون على التعايش ".
عموما نعتقد أنه من المفيد جدا توسيع دائرة الحوار و النقاش الذي يحاول حصر العلمانية في علاقتها بالدين من خلال الدعوة الى حياد الدولة عقائديا و فصل الدين عن السياسة و علمانية المنظومة التربوية و الإعلامية...حقيقة فهذه هذه مقومات ضرورية، لكن سيكون من الأهمية البالغة الدفاع عن فكرة أن العلمانية هي في كنهها الإيمان بأن الحقيقة ليست بالضرورة دينية بل و قد توجد خارج الأديان.
وجدة ...............غشت 2015

(1) كمال عبد الطيف " التفكير في العلمانية. إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي. الطبعة الأولى 2007. ص : 173
(2) نفس المرجع. ص : 169








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا