الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كربلاء .. المأتم الذي لا ينتهي

راضي العراقي

2015 / 10 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الان وبعد ان شارفت مراسيم عاشوراء على الانقضاء ، لابد ان نتحدث بصراحة رغم اني عاهدت نفسي ان لا اتعرض لهذه المناسبة لاني اكتشفت انها تمثل خطاً احمر بالنسبة للكثيرين بما فيهم نسبة كبيرة من الملحدين .. فالتعرض للاله وحتى للنبي محمد يمكن ان يغتفر ، لكن الحديث عن عاشوراء وكل ما يمت بصلة لهذه المناسبة يعتبر جريمة شنعاء .. على ان هذه القضية يتم تناولها بمبالغة شديدة لا تقارن بأي مناسبة دينية اخرى بما فيها الحج وبقية الشعائر الاسلامية الاخرى . فأصبحت قضية الحسين هي القضية المحورية بالنسبة للمسلمين الشيعة . فلا صوت يعلو فوق صوت عاشوراء ولا قضية تقارن بهذه الفاجعة فكل التراث والتاريخ الاسلامي بكفة وهذه القضية في الكفة الاخرى .. وتكاد الطقوس الاسلامية الاخرى تبدو ثانوية امام شعائر وطقوس عاشوراء .. وهذا ما نلاحظه على ارض الواقع فالمسلم الشيعي يحيي ويتفاعل مع هذه الطقوس ، وهولا يصلي ولا يصوم ولا يؤدي اي فريضة من فرائض الدين الاسلامي .. لا اقول كل هؤلاءالمتحمسين لشعائر عاشوراء لا يصلون او يصومون لكن نسبة كبيرة جداً لا يعرفون من الاسلام الا عاشوراء والحسين .. وهذا ليس ذنبهم ، بل ان السبب يرجع الى تركيبة المذهب الجعفري التي قامت على مبدأ المعارضة للحكومات المتعاقبة وعلى رفع شعار المظلومية ولهذا تم التركيز على قضية الحسين على انها مناسبة لكسب قلوب الموالين لاهل البيت ورجال الدين الذين تبنوا منهج اهل البيت والتي اصبحت لكثير منهم طريقاً للتكسب والربح خاصة بعد ان اصبح مبدأ جمع الخمس طريقاً الى الثراء وحياة الرفاهية بالنسبة للكثير منهم .. يضاف الى ذلك ان قضية الحسين والتشييع عموماًيمكن استخدامها كقضية سياسية بأمتياز خاصة .. وهذا ما حصل فعلا عندما اصبح الصراع بين الدول مكشوفاً فقد استغلت الدولة الصفوية المذهب الجعفري لتقابل به نفوذ الدولة العثمانية ذات التوجه السني واصبح العراق ساحة لذلك الصراع المرير الذي ما زالت اثاره ممتدة الى هذه الساعة . فقد استطاعت الدولة الصفوية نشر المذهب الشيعي في عموم ايران خلال القرن السادس عشر الميلادي بعد ان كانت في غالبيتها تتبع مذهب اهل السنة .. ولعبت الدولة الصفوية دوراً حاسماً في ترسيخ المذهب الجعفري والمبالغة في اظهار شعائر وطقوس عاشوراء ويكفي ان نذكر ان التراث الديني الشيعي بكل مبالغاته وسقطاته خلال هذه الفترة من خلال كتاب ( بحار الانوار ) للشيخ محمد باقر المجلسي الذي يضم مئة وعشرين مجلداً يحتوي على الكثير من القصص والروايات التي لا تخلو من الخرافات والمبالغات التي عادة يستعين بها خطباء المنابر الحسينية في اثارة مشاعر الشيعة .. والمعروف ان المجلسي الف هذا الكتاب الضخم باللغة العربية بتكليف من اسماعيل الصفوي شخصياً .. ومنذ العهد الصفوي تحول المذهب الجعفري الى التشدد والتعصب حتى اصبح للتشييع الصفوي صورة راديكادلية متشددة تختلف عن ما كان يعرف عن التشييع الذي يسمى عادة التشييع العلوي . ويبدو ان هذا الامر كان ضرووياً لتوازن القوى بين الفرس والعثمانيين .. وتحولت بذلك طقوس عاشوراء الى ما يشبه المهرجانات الاحتفالية لابراز قوة وحضور الشيعة امام العثمانيين ( السنّة ) . وكما قلنا كان العراق هو المكان الامثل لاستعراض هذه القوة .. مستفيدة من وجود مراقد الائمة وخاصة كربلاء فيها اضافة الى حصر المرجعيات الدينية الشيعية بالعنصر الفارسي والذي كانت وما تزال الدول الفارسية المتعاقبة على ان تبقى حصرية برعاياها .. فمنذ تأسيس الدولة الصفوية لم يستطع مرجع عربي ان يتصدى لزعامة الحوزة الدينية الشيعية . فتحولت قضية الحسين وثورته الى مجرد شعارات سياسية ومهرجانات استعراضية ،لم يكن الهدف منها الا استقطاب الاتباع واثبات الوجود . واستمر الحال بعدسقوط نظام صدام الذي منع هذه الطقوس خوفاً من استغلالها سياسياً ..وبعد صعود الاحزاب الاسلامية الشيعية ازادادت الممارسات والطقوس لتأخذ منحى اكثر تنوعاً وانتشارا. بعد ان تحول الصراع بين الفرقاء السياسيين من السنة والشيعة الى مدى متقدم .. فاصبحت الحكومات تدعم هذه الطقوس بالاموال وبالمساعدات اللوجستية بما فيها تسخير كافة إمكانات الدولة لغرض تشجيعها واستمرارها . وتحولت احياناً هذه الممارسات الى جرعة تخديرية للشعب الذي ظل محروما منها لسنوات طويلة ، فيما كانت تمتد ايدي السراق واللصوص لسرقة المزيد من اموال الشعب وإفراغ خزينته .. ولم يقتصر الامر عند ذلك الحد مع تطور الصراع الاقليمي بين ايران من جهة وامريكا وحلفاؤها من جهة اخرى ومع ازدياد التوتر الطائفي الذي نشأ بسبب طموحات ايران القومية واستغلالها المذهب في بسط نفوذها على دول الحوار في العراق ولبنان والبحرين واليمن وما نتج عنها من صراع علني بين السعودية وما تمثله من ثقل طائفي سني وايران الشيعية وما تمثله للشيعة في عموم العالم ..
باختصار لم تكن ثورة الحسين مثلما تصورها الادبيات الشيعية على انها ثورة ضد الظلم بل هو صراع سياسي وقبلي قديم بين فرعي قبيلة قريش الامويين والهاشميين .. تحول من صراع على زعامة قريش صراع عقائدي طويل ومرير اكل الاخضر واليابس وتحول الى صراع قومي وإقليمي شديد الخطورة .. لذلك كان استغلال قصة مقتل الحسين وتحويلها الى قصة أسطورية تتجسد في طقوس عاشوراء السنوية طريقاً الى تحقيق الكثير من المكاسب المادية والسياسية والقومية .. والمصيبة الكبرى ان يبقى العراق هو مركز ومكان هذا الصراع القديم الجديد الذي سندفع ثمنه غالياً من وحدة ومستقبل العراق .. وسيبقى العراق مأتماً دائما لا يسمع فيه الا اصوات الموت والنواح وستبقى كل ايام العراق عاشوراء وكل ارضه كربلاء .. ولتبقى مدن دول الجوار التي تراعى هذه الطقوس تنعم بالرفاهية والبناء .. وسنبقى ننزف دماً ونذرف دموعاً ما دمنا نرفع شعارات الثأر والانتقام والفرقة والتشرذم ، بينما تبقى الشعوب الاخرى تنعم بالامن والطمأنينة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها