الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بؤس الغد على وجوه الأطفال

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 10 / 27
المجتمع المدني


اطفالنا في تونس يصرخون بوجع مكتوم. من المفترض ان يكون الوالدان أقـرب الناس و لكن يبدو ان جل الاطفال اليوم أيتام. يعاني الطفـل وجع الانـفـصال القصري عن الوجود الحميمي و الزج به قصرا بين احجار المؤسسات التربوية السجنية.
الطفل التونسي يحـس بنـفـسه قـد وطأت قـدماه ارض الجحيم مبكرا منذ اليوم الاول الذي يـقـذف به في روضة الاطفال. حتى الامهات في بـيوتهن تـقـدمن على هذه الجريمة. تمتـد هذه المعاناة و تحتد عند دخوله الى المدرسة. المدرسة الممقوتة المكروهة التي لا تحيطها إلا الارواح اللعينة بالنسبة للطفل.
الاباء بإيصالهم لأطفالهم الى المدارس يعتـقـدون مطمئنين انهم يحقـقون الرفاه لأطفالهم لأنهم كانوا يذهبون على اقدامهم دون ابائهم الى المدرسة. يتـناسى الاباء على افتراض صحة تحديدهم لهذا الرفاه انهم كانوا يتمتعـون بالمشي على القدمين و التحدث مع زملائهم و اللعب اثناء الطريق، و انهم كانوا لربما يتـسابـقـون حول الاجابات التي لم تحضر في اذهانهم اثـناء الدرس. يـتـناسون انهم كانوا في الابتدائية يدرسون ساعتين فـقـط يودعون اثرها قاعات الدرس التي لم تـكن تـثـقـل على وجدانهم مثلما هي ثـقيلة اليوم على وجدانات أطفالهم، ليستـقـبلهم وجه الام ثم اللعب الحر. فباللاهي اي عبقرية هذه صممت لتلاميذ الابتدائية الدراسة لمدة اربع ساعات متـتاليات. على اساس اي دراسات عـلمية ؟ الحقيقة ان الامر مخالف تماما لكـل الدراسات العلمية. الذهن البشري عند سن الرشد لا يمكـنه ان يمسـك بتركيزه الكامل إلا لمدة 45 دقيقة فما بالك بالطفل؟
ـ بابا. كم اكره المدرسة..
بالنسبة للأب، يعـد هذا التصريح خطير جدا، لكن اغلب الاباء يتـناسونه ثم ينسونه و بعد سنوات يتساءلون لماذا ابني يكرهني و لماذا يقوم بعكـس ما اريد و لماذا هو منحرف و ربما لماذا هو مجرم او إرهابي؟ بالنسبة للابن، النطق بالكلمات تبخير لضغط الاحساس الكريه على نفسه. الطفل تـتولد عنده رغبة ليس في التحرر فـقـط و انما في الانـتـقام، و انها ستـنام و لكنها ستـنـفجر ذات يوم. ساعتها اعـدوا انـفـسكم للدمار الكامل ايها المتحذلـقـون الغافـلون لدمار وطن. لان جل ما يقوم به مجتمع الكبار المتواطئين على الاطفال اليوم هو اعداد جيل من المتمردين بعنف لا يمكن لنا تصور مداه و تـقـنياته اليوم. ليفكر كل في نفـسه قـليلا و سيدرك انه هو بالذات ما هو إلا رد فعل على طفولته. نـفـس القاعدة تـنـسحب على اطفالكم و لكن موضوعها يختـلف.
المصيـبة ان حجم التآمر على الطفولة اليوم كبـير و من طرف الجميع بمن فيهم الاباء. ستصحون يوما على انـفجار نووي في البلد. ابنائكم الطيـبـين الان سيغدون مجرمين و عنيفين بدرجة لا تصدق لأنهم هم بدورهم يشتركون في نـفـس الحالة النـفـسية من كره الذات التي تريد الانـتـقام من هذه المدنية المعوجة الفوضوية الغير علمية.
اقسام السنة الاولى مكتـظـة. اطفال مقيدون بالكراسي لساعات اربع. الجسد اليافع الذي من المفترض ان يهرول في الفراغات مسجون بين الكراسي و الطاولات و امامه ابو الهول الحارس المقـدس لأكبر مؤسسة سجنيه في البلد.
لماذا الاطفال اليوم اكثر بذاءة ؟ لان البذاءة طريقهم الوحيد لرفض العالم. لماذا لا يشبعهم اي استهلاك؟ لأنهم وسط عالم مكـتـظ بالدعاية و يحـسـسه دوما بالنـقـصان و ليس بما توفر له. هم مكـتـئبون فـقـد ضاعت ضحكة الطفولة البريئة المنطلـقة التي نحن اليها لأننا تمتعنا بها، اما اطفالنا فـضحكاتهم اصبحت تعد على الأصابع ذلك انهم لا ينـشطون بحرية. لأنهم لا يلعبون. اللعب هو النشاط الاساسي للطفل مثلما اكد جميع علماء النـفـس التربوي و علماء نـفـس الطفل. حقيقة اللعب ان يكون اعـتباطيا و حرا غير مبرمج. لكن حتى اللعب المبرمج يغيب في ساحات المدارس و رياض الاطفال و المحاضن الكـنسية الكئيـبة اليوم.
من المفـترض ان تـتـوفر في مدن اليوم مساحات فارغة مشجرة للعـب الاطفال في كل كلمتر مربع نظرا لهجوم الاسمنت على الفراغات التي كنا ننعم بها نحن و المحروم منها اطفالنا اليوم. لكن عوض ذلك يتم زج الطفل من اسمنت المدرسة و عناوينها السجنية من مدرسين و قائمين على كبح الطفولة الى اسمنت المحاضن التي تـزج بهم كالفئران في قاعاتها كذلك. من الاسمنـت الى الاسمنـت تـضيع الطفولة و تـنـتحر الحرية و الحيوية و النشاط الاعتباطي الجميل.
كل ما تـقـوم به المدنية الفوضوية هذه هو خلق كائنات باهتة لا وطن لها لان رائحة الارض لم تمتـزج بكيمياء أجسادهم. ماذا سيوحدهم ذات يوم و ماذا سيمثل لهم موضوع نضال و تحدي غير التركيز على الذات لإظهارها، لأنهم كائنات اضاعت ذواتها بما انها اضاعت ارتباطها بالأم و الرحم و الارض بما هي هرولة حرة على ترابها و بين أشجارها. انهم وحوش المستـقبل عـديمة القيمة سوى لإثبات الذات المتألمة دوما لإحساسها الدائم بانـتـقاص الام و الوطن. سيقـومون بكـل شيء و لن تـقـف عندهم اي روادع اخلاقـية. فمن اضاع امه اضاع نـفـسه..
ان المدينة الحديثة تصنع قـاتـليها، لان اطفال اليوم المحرومين من عبق الرحم و الارض ستكون المدنية موضوع انتـقامهم الأكبر. المدنية الهمجية البربرية الجاهلية هذه بوجوهها المتصنعة الجاهـلة الفاقـدة للأحاسيس الطبيعية تصنع من ابنائها قـاتـليها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م