الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاعتصام بحبل الله ....

بشرى ناصر

2005 / 10 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتحلق ابنتاي حول (عمرو خالد) دون أن يعكر انسجامهن أي طارئ مهما كان ؛ بينما أتابع محاكمة صدام حسين دون أيضاً أن يقاطعني طارئ ؛ يمجّد عمرو خالد غزوات المسلمين وحروبهم وابنتاي بشغف غير متناهي يستمعن ؛ لأمضي نحو متابعة (تقرير ميليس) الذي فتح الباب لسوريا على عزلة قادمة ومزيد من صراعات وربما عقوبات دولية ؛ تقرير ميليس هذا أعادني رغماً عني ( لتقرير بليكس) الذي قلب منطقتنا العربية لمنطقة متفجرة بالصراعات وحزمات من أسئلة بما فيها الأسئلة الوجودية؛ وإذ لا يزال عمرو خالد يتغنى بترخيص الدنيا والزهد بها ويمجد ثقافة الموت مؤكداً في كل مرة للمتلقي عبر خطابه : (يا اخواننا) ؛ بينما أمضي بذهني للتفكر في مناسبة يوم الثامن عشر من رمضان التي يعود المسلمون للاحتفال بها مجدداً كيوم تاريخي بطولي يسجل لصالح (غزوة بدر).... تلك المناسبة التي أضاعت أهدافها في عصرنا الحالي واستخدمها أو انتهزها متطرفون ودعاة الدولة السلفية لخدمة أغراضهم السياسية ؛ شئ ما لا علاقة له بالهذيان ... شئ أشبه بسخرية نحن نمونها ... أن نمضي اليوم للاختفاء خلف الجماعة أوالتاريخ الإسلامي والفتوحات وأمجاد أسلافنا العظماء بينما تصيرالكرة الأرضية بالنسبة لأمريكا المبجلة أشبه بناد للصيد .... فهل الاختلاف الذي نعيشه اليوم اختلافاً على رسالة إلهية مجردة كما حدث في العصر الجاهلي ؛ الجاهلية تلك الوصمة العار الأولى في تاريخنا العربي .... أننا كنا جاهليون والجاهلية كمصطلح إسلامي يراد به الجهل بكل فوضاه وخرابه ؛ فهل تصلح دعاوى حماسات عمرو خالد ما يخربه الآخر وما يفعله في أرواحنا من نبش للذات العربية ومن ثم تقديمها للعالم كذات تحتاج وصاية لأنها غير مسؤولة ؟ طالما أمريكا تمسك بصدام في لحظة تاريخية وتقدم (رأسه) للعراقيين على صينية من فضة فيحاكموه تحت وصايتها ؟ ثم تعود للبحث عن قتلة وفيق الحريري وحل اللغز والالتباس الذي نعجزنحن عن حله حتى بعد مئة عام .
نعم جاء الإسلام ليقضي على الجاهلية .... جاء بكل تسامحه وقيمه النبيلة الخيّرة ؛ وانقسمت الدعوة الإسلامية لمرحلتين كلنا نكاد نعرفها : المرحلة المكية التي تميزت بشعار: إدع الى ربك بالحكمة والموعظةالحسنة ) ... والمرحلة المدنية : مرحلة تأسيس ( دولة) الإسلام وظهور الجهاد لنشر الدعوة بالفتوحات والغزوات ... واستطاع العرب بذلك تمثيل الصراع الحضاري المستمر المتمثل في فكرة : أن يسيطر أحد ما ... ليذعن الأخر ؛ فقط ليصيرالله وحده يقف فوق التاريخ ويحوله لأكثر من مجرد سجل حافل بالصراعات أو الهزائم فقد انتشر من خلال الإسلام نور المحبة والتواضع والأخوة الإسلامية ... تلك الخطوات الأولى في مسيرة التوحيد وليصعد (العبد) الفقير هاتفا فوق الكعبة (الله أكبر ) ولاحظ هنا الدلالة المباشرة لهذا الرمز التاريخي المفعم بالحرية والتوحيد تحت لواء الخالق .... حتى جاءت الآية ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) لتنسف أفكاراُ كانت سائدة وقتها وتعززت في القرن الثامن عشر مثل : ابن من أنت؟ أوماذا تملك ؛ وحين اكتمل الرباط وصرنا شعوباً وقبائل نزلت الوصية الإلهية الهامة المطالبة (بالاعتصام بحبل الله وعدم الفرقة) ؛ لكن معرفتنا بالآيات الكريمة لا يتجاوز حدود حفظها والتباهي بحفظ أكبر قدر ممكن من (السور) ؛ والا فما معنى أن يصير حبل الله : حبال كثيرة أو مجموعة حبال متشعبة لدرجة التشابك ؟ فبعد وفاة النبي ؛ أو حتى قبلها والمسلمون يبزون في خلافهم وصراعاتهم ؛ وكل يحاول الإمساك بحبل من الله يخصه وحده شيعة علي وطائفة معاوية ؛ وكأن حبل الله لا يعني قوانين الشريعة الإسلامية السمحاء التي يفترض أنها صالحة لكل زمان ومكان ؛ وهكذا حتى نصل لحبال متعددة من الله كل حبل حسب الطائفة والملة والمذهب .... ولا عجب طالما الإسلام نفسه قد أصبح ( إسلامات) متعددة ومتفاوتة لا تنتهي في تفاوتها وتضاربها ... فإسلام الشيعة يختلف عن إسلام السنة ؛ وإسلام أندونيسيا يختلف عن إسلام باكستان ؛ وإسلام دول الخليج لا يشبه إسلام مسلمي الصين ؛ وقس على ذلك إلى ما لا نهاية المعمورة حتى اكتشفنا وفي حاضرنا الراهن أن الإسلام أصبح محاصراً ومطارداً ليس لارتباطه بالإرهاب فقط ...بل لتركنا الباب مفتوحا منذ البداية لجماعات تفسر النص الديني المستغلق أساساً على هواهم ) ولا نزال نبتلى بالسياسي الذي يوظف الإسلام لخدمة أغراضه ؛ وهاكم مثلاً صدام (الطريدة) يدخل قاعة المحكمة ممسكاً بكتاب الله ؛ في إشارة واضحة ومعروفة حد الابتذال الى أنه رجل تقي وورع ..... رغم إصراره على التشبث برئاسة العراق أمام القاضي لكن العراق يحكمه ملوك الطوائف الذين مدوا حبلاً خاصاً بهم مع الله ؛ يقطعون دابر كل من لا يتمسك بحبلهم .... رغم ما يشاع ويقال عن العراق الجديد والدستور.... تستطيع التقاط العكس من أفواه المواطنين العاجزين أمام حصار ذوي العمائم لهم في لقمة عيشهم ؛ ولدرجة وصلت حد السخرية تتبدى في مقولتهم اليومية :( صدام لا يزال يحكمنا لكنه لبس الجبة والعمامة) ؛ وإذا اعتاد العراقيون على التلفظ بكلمة سيدي قبل كل جملة .... فقد استبدلوها الآن بكلمة مولاي .... هذا يحدث الآن ؛ لقد حكم شيوخ الطوائف العراق ؛ اولئك الذين مدوا حبلاً خاصاً بهم نحو الله كما يؤكدون ؛ ذلك الحبل الذي يعتبر مطروداً من الفردوس كل من لا يتمسك به ؛ فهل نظل نهتف لتمجيد حروبنا الإسلامية بينما حبال الله تعددت و(الإسلامات) نفسها تعددت ياعمرو خالد
كل هذا وأمريكا قابضة على المبادرة التاريخية واللحظة التاريخية ... فهل نحن بحاجة فعلاً لتذكيرنا بالماضي السعيد والتليد ... أم نحتاج لهزة كبيرة أو صحوة توقظنا من خدر الماضي وإغفاءته اللذيذة لننظر في أي واقع مخز نعيش ؟ ونضع الجيل الجديد من الشباب والفتيات أمام قيم العدالة والخير والحق تلك المتمثلة في دعوة (الحق) جل وعلى في الآية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وتوضيح دلالة حبل الله الخالية والمنزهة من كل الأغراض والمطامع الشخصية ؟










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah