الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العنف و العاطفية
هيثم بن محمد شطورو
2015 / 10 / 31المجتمع المدني
عادة ما تـتهم الشخصية العربية بكونها عاطفية. هذا الحكم ملغـم من عدة أوجه منها ان الحكم ينطوي على ادماج قـصري للمجتمعات العربية في قالب واحد. ان هذا الامر فيه كثير من المغالطة من هذه الزاوية. فعلى أقـل تـقـدير هناك فارق واضح في الوصف العام في المغرب العربي الذي يتصف بشيء من الجفاف العاطفي مقارنة بالمشرق. و من جهة اخرى فان المجتمعات العربـية مختـلـفة جوهريا.
اولها اننا حين نـتحدث عن المجتمعات العربـية فـذلك ينسحب على الاقـليات فيها و التي تمثـل تمازجا مع محيطها برغم الاختلافات. فأكراد العراق مثلا يتـشابهون كثيرا مع بقية العراقيـين في طريقة التـفكير و في البنى الاجتماعية و المعتـقدات الدينية. و البربر في المغرب العربي بما انهم السكان الاصليـين إلا انه لا نجد فوارق تـذكر حتى انهم يتكلمون اللهجات العربـية المطعمة بكثير من المفردات البربرية، كما ان اكـلة الكسكسي البربرية هي الاكلة الرئيسية لجميع سكان المغرب العربي. فالتوصيف العربي لا يعني بتاتا توصيفا جامدا و واضحا لما هو عربي. و الحقيقة انه من المستحيل بناء هذا التوصيف النقي الهووي لأنه لم يكن موجودا في يوم من الايام. و ان جل ما تحصلت عليه الوصفة العربـية ما هو إلا تـفاعـل لغوي و سلوكي و اندماجي أصلا حتى انه يصعب حقيقة التحدث هنا عن العربي و الآخر بحكم التمازج الكبير الحاصل.
لذلك فانه من المستحيل الاطمئـنان الى اي تصنيف اذا ربطنا التحديدات بالواقع الحي و ليس بنزعات ايديولوجية متـناقضة. فالعروبي يجهد نفـسه لتحديد هوية عربـية سامية رفيعة عصية عن الرذائل الأخلاقية و الواقع الحي يثبت ان هذا الامر مجرد هراء و هذيان ناتج عن واقع الاضطهاد، و من جهة اخرى تجد ارادة في تميـيز البربر و كأنهم نزلوا من المريخ أو أنـتجوا آدابا و حضارة ذات عنوان بارز مثل الفارسية، التي تمكنت من الافلات من الاستحواذ العربي الاسلامي بفعل نشاطها الثـقـافي اللغـوي المتميز. فالبربر و الاكراد اظهروا براعة في الاندماج في المعطى اللغوي و الثـقافي و التاريخي العربي اكثر بكثير مما قـدموه في مناخاتهم الاصلية.
العقلية الذكورية بما انها ترسانة من المفاهيم العدوانية ليس تجاه المرأة فقط بل تجاه الذات و العالم هي التي تؤسس التـفكير العنفي المتأصل و هو ما يشكل نـفسه فيما يوصف بالعاطفية. فالعاطفية هي نتاج العقلية الحربية ان صح الوصف، ذاك ان الانسان في حالة مواجهة دائمة مع الاخر و بالتالي مع الموت و بالتالي جـيشان عاطفي يتـزين بالمقولات الدينية و الاسطورية و الخرافية المختـلـفة. ذاك ان الاصل ليس في كون الامر شخصية عاطفية و انما عـقـلية عامة محكومة بمنطق الحرب و الموت و ان كانت تعيش فعليا في حالة سلام. ذاك ان ما يؤسس التصورات و المنهجية العامة هو الاتـفاق غير المتـفـق عليه حول منطق الحرب. دليل ذلك ان ابسط التعبـيرات تدلل على صحة ما ذهبنا اليه. فمثلا حين تـنـقـد شخصا ما في فكرة لديه او سلوك، فانه لا يناقـش على اساس تحليلي و انما يباشر الى مقارنة ما ذهبت اليه بتصرف قمت به انت او كلمة قـلتها ذات مرة او فكرة. المهم ان طريقة التـفكير قائمة على المقارعة و المواجهة مع الاخر و ليس على التحليل المنطقي العقلاني لها و مدى صحتها و خطئها في ذاتها و ليس مقارنة بما سلكه الآخـر.
من هنا انبنت جميع المذاهب و الافكار الكبرى. جل هذه الافكار لا نقول انها تحيل الى العاطفية في الشخصية العربـية، و انما تحيل الى اثبات وجودها من خلال الحرب مع الاخر. منطـق الحرب الذكوري الذي يحتـفي بالعنف و ينـكر المحبة. منطق الحرب الذي لا يـؤسس للتعايـش الفعلي و انما التجاور القصري. هذا المنطق لا يمكن ان يؤسس لمواطنة حقيقية و لا يمكن ان يرتـفع الى مستوى الكلي الانساني. هذا المنطق لا يؤسس لفلسفة جمالية و ابداع اصيل في الفكر و السياسة و بناء مجتمعات جديدة.
لكن افضل ما جادت به اللحظة التاريخية الثورية العربية هو الزلزال السياسي و الفكري و الاجتماعي. جميع البنى السابقة تـتـهاوى. اللحظة التاريخية ترميك في المجهول قصرا عنك. لذلك لا بديل عن الخروج من الكهف حسب التوصيف الافلاطوني.. لا بديل اذن عن العقلية التحليلية القائمة على الوعي و المعرفة العلمية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. كواليس مؤتمر رئيس الوزراء ووكيل الأمم المتحدة على هامش -الم
.. تجمعات لخيام النازحين في حلفا الجديدة بولاية كسلا في السودان
.. اعتقال ضابط إسرائيلي بإطار قضية التسريبات الأمنية.. ما التفا
.. هاريس وترامب يحاولان استقطاب الأقليات في ولاية ويسكونسن
.. كلمة الأمين العام للأمم المتحدة خلال فعاليات المنتدى الحضري