الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أميّة بن ابي الصلت .. النبوة الضائعة .

راضي العراقي

2015 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من يقرأ سيرة حياة الشاعر المخضرم ( أُميّة بن أبي الصلت ) يكتشف بما لا يقبل الشك ان النبوة ليست تكليف إلهي او رسالة سماوية ، وانها ثمرة يمكن لاي من تسنح له الظروف ان يقطفها .. واليكم التفاصيل .. فقد كانت ظروف الجزيرة العربية تمور بأرهاصات اجتماعية وفكرية عنيفة تنبأ بظهور نبي جديد وكانت جماعة الحنفية هي التي تصدت وبشرت بظهور هذا النبي .
والفكر الحنيفي هو الذي يدعو الى التوحيد ونبذ عبادة الاصنام وعرف عن المنتمين اليه الفضيلة والاستقامة وقد عرف منهم الكثير فمنهم ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن ابي الصلت .. وهذا الاخير سيكون محور بحثنا هذا نظراً لاهميته فهذا الشاعر ينتمي الى قبيلة ثقيف التي كانت تسكُن الطائف، وكان أبوه أيضًا شاعرًا، كما كانت له أخت تسمَّى: "الفارعة"، وبنتان وعدة أبناء بعضهم شعراء، وأخٌ اسمه: "هذيل" أُسِر وقتِل أثناء حصار الطائف، وهو من الحنفاء الذين ثاروا على عبادة الأصنام وآمنوا بالله الواحد واليوم الآخر، وأزعجَهم التردِّي الخُلقي الذي كان شائعًا في الجزيرة العربية، وتطلَّعوا إلى نبي يبعث من بين العرب، بل إنه هو بالذات كان يرجو أن يكون ذلك النبي، وكان أمية يخالِط رجال الدين، ويقرأ كتبَهم، ويقتبِس منها في أشعاره، وكان رجل أسفار وتجارة، كما كان يمدَح بعض كبار القوم، وينال عطاياهم وينادِمهم على الخمر، وإن قيل: إنه قد حرَّمها بعد ذلك على نفسه، وتُجمِع المصادر على أنه مات ( كافرًا ) حسدًا منه على النبي لانه سبقه بأدعاء النبوة وتقول كتب التاريخ الاسلامي انه ما ان بلَغه مبعَث النبي محمد حتى ترَك الطائف فارًّا إلى اليمن ومعه بنتاه اللتان تركهما هناك، وأخذ يجول في أرجاء الجزيرة ما بين اليمن والبحرين . ويقول المؤرخ العراقي الكبير جواد علي : إن أمية حرم على نفسه الخمر ، وتجنب الأصنام ، وصام والتمس الدين ، وذكر إبراهيم وإسماعيل ، وكان أول من أشاع بين القرشيين افتتاح الكتب والمعاهدات والمراسلات بعبارة :
( باسمك اللهم ) التي استعملها ( النبي محمد) ثم تركها واستعمل بسم الله الرحمن الرحيم ، وقد روي الإخباريون قصصا عن التقاء أمية بالرهبان ، وتوسمهم فيه أمارات النبوة ، وعن هبوط كائنات مجنحة شقت قلبه ثم نظفته وطهرته لمنحه النبوة ومن يقرأ شعر أمية يدرك المسافة الفاصلة بين شعره وما ورد في القرآن فهو القائل في رب الحنيفية الخلاق :
إله العالمين وكل أرض ورب الراسيات من الجبال
بناها وابتني سبعا شدادا
بلا عمد يرين بلا حبال
وســـــواها وزينهـا بنور من الشمس المضيئة والهلال
ومن شهب تلألأت في دجاها مـــــراميها أشـد من النصال
وشـق الأرض فأنجبت عيونا وأنهارا من العذب الزلال
وبارك في نواحيها وزكي بها ما كان من حرث ومال..
و يعتبر أمية أحسن الحنفاء حظاً في بقاء الذكر ، فقد بقي كثير من شعره وحفظ قسط لا بأس به من أخباره ، وسبب ذلك عند ( جواد علي ) بقاؤه إلى ما بعد البعثة واتصاله بتاريخ النبوة والإسلام اتصالاً مباشراً ، وملاءمة شعره بوجه عام لروح الإسلام ، برغم أنه حضر البعثة ولم يسلم ، ولم يرض بالدخول في الإسلام ، لأن كان يأمل أن تكون له النبوة ، ويكون مختار الأمة وموحدها ، ولذلك ، برز كنموذج للاستقامة والإيمان والتطهر والزهد والتعبد . يقول جواد علي ما نصه :
" وفي أكثر ما نسب إلى هذا الشاعر من أراء ومعتقدات ووصف ليوم القيامة والجنة والنار ؛ تشابه كبير وتطابق في الرأي جملة وتفصيلاً ، لما ورد عنها ف القرآن الكريم ، بل نجد في شعر أمية استخداما لألفاظ وتراكيب واردة في كتاب الله والحديث النبوي قبل المبعث ، فلا يمكن – بالطبع – أن يكون أمية قد اقتبس من القرآن ؛ لانه لم يكن منزلاً يومئذ ، وأما بعد السنة التاسع الهجرية ؛ فلا يمكن أن يكون قد اقتبس منه أيضاً ؛ لأنه لم يكن حياً ؛ فلم يشهد بقية الوحي ، ولن يكون هذا الفرض مقبولاً في هذه الحال .. ثم إن أحداً من الرواة لا يذكر أن أمية ينتحل معاني القرآن وينسبها لنفسه ، ولو كان قد فعل لما سكت المسلمون عن ذلك ، ولكان الرسول أول الفاضحين له ..
ولكي ندرك مدى التشابه بين القرآن وشعر أُمية نورد بعض الابيات من شعره الذي تميّز بالحس الديني الواضح ونقارن بين شعره والقرآن ونأخذ قصة المسيح عيسى بن مريم نموذجاً
شعر أُميّة بن ابي الصلت القرآن
وَفي دينِكُم مِن رَبٍ مَريمَ آيةٌ مُنَبِّئَةٌ بِالعَبدِ عِيسى اِبنِ مَريمِ (1) اَنابَت لِوَجهِ اللَهِ ثُمَّ تَبتَّلَت فَسَّبَحَ عَنها لَومةَ المُتَلَوِّمِ (2) فَلا هِيَ هَّمَت بالنِكاحِ وَلا دَنَت إِلى بَشرٍ مِنها بِفَرجٍ وَلا فَمِ (3) ولَطَّت حِجابَ البَيتِ مِن دُونِ أَهلِها تغَيَّبُ عَنهُم في صَحاريِّ رِمرِمِ (4) يَحارُ بِها السارِي إِذا جَنَّ لَيلُهُ ولَيسَ وإِن كانَ النَهارُ بِمُعلَمِ (5) تَدّلى عَليها بَعدَ ما نَامَ أَهلُها رَسولٌ فَلم يَحصَر ولَم يَتَرَمرَمِ (6) فَقالَ أَلا لا تَجزَعي وتُكذِّبي مَلائِكَةً مِن رَبِ عادٍ وجُرهُمِ (7) أَنيبي وأَعطي ما سُئِلتِ فاِنَّني رَسولٌ مِن الرَحمنِ يَأتِيكِ بابنَمِ (8) فَقالت لَهُ أَنّى يَكونُ ولَم أَكُن بَغيّاً ولا حُبلى ولا ذاتَ قَيّمِ (9) أَأُحرَجُ بالرَحمنِ إِن كُنتَ مُسلِماً كَلامِيَ فاقعُد ما بَدا لَكَ أَو قُمِ (10) فَسَبَّحَ ثُمَّ اغتَرَّها فالتَقَت بِهِ غُلاماً سَوِيَّ الخَلقِ لَيسَ بِتَوأَمِ (11) بِنَفخَتِهِ في الصَدرِ مِن جَيبِ دِرعها وما يَصرِمِ الرَحمَنُ مِلأَمرِ يُصرَمِ (12) فَلمّا أَتَمَتَّهُ وجاءَت لِوضعِهِ فآوى لَهُم مِن لَومِهم والتَنَدُّمِ (13) وَقالَ لَها مَن حَولَها جِئتِ مُنكَراً فَحَقٌّ بأَن تُلحَي عَلَيهِ وتُرجَمي (14) فَأَدرَكَها مِن ربّها ثُمَّ رَحمَةً بِصِدقِ حَديثٍ مِن نَبيٍّ مُكَلَّمِ (15) أَنيبي وأَعطي ما سُئِلتِ فاِنَّني رَسولٌ مِن الرَحمنِ يَأتِيكِ بابنَمِ (16) وأُرسِلتُ لَم أُرسَل غَويّاً ولَم أَكُن شَقيّاً ولَم أُبعَث بِفُحشٍ وَمَأثَمِ (17)
كهيعص (1)…وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَ
وتذكُر لنا الروايات ( الاسلامية ) الغير محايدة ، أنه وفَد على ( النبي ) ذات مرة وهو لا يزال في مكة واستمَع منه إلى سورة "يس" وأبدى تصديقه به مؤكِّدًا لمن سأله من( المشركين ) أنه على الحق، وتدعي المصادر الاسلامية ايضاً أن ( حقده الدفين ) منَعه من أن يُعلِن دخوله في الإسلام رسميًّا وبصورة نهائية، رُغم أنه - كما جاء في إحدى الروايات - كان قد اعتزَم أن يذهب إلى المدينة للقاء الرسول مرة أخرى وإعلان دخوله في الدين الجديد، لكن اهل قريش أثاروا نار حقده على محمد من خلال تذكيره بأنه قتَل أقاربه في بدر ورماهم في القليب، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه بعد أن شقَّ هدومه وبكى وانشد شعراً في رثائهم ، وأخذ يحرِّض الناس على الثأر لهم منضمًّا بذلك إلى وظلَّ هكذا حتى لقِي حتفَه، على خلاف في السَّنة التي مات فيها ما بين الثانية للهجرة إلى التاسعة منها قبل فتْح النبي الطائف ..
بقي ان نقول ان الموضوع طويل ويستحق المراجعة والتدقيق .. لكن الاكيد ان النبوة كانت قاب قوسين وأدنى من هذا الرجل لولا الظروف التي خدمت محمد وجعلته يستأثر بهذا ( الشرف ) الذي كان يسعى اليه اكثر من شخص في تلك الظروف التاريخية التي مرت بها الجزيرة العربية في حينها .. اتمنى ان لا أكون قد اسهبت في الموضوع وان تكون الفكرة قد وصلت اليكم .. ويمكن الاطلاع أكثر على شخصية أمية بن ابي الصلت وعلى شعره الذي يبدو اكثر فصاحة من الكتب المقدسة التي تدعي لنفسها الكثير من الاعجازات البلاغية .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سلمت يداك
محمد لفته محل ( 2016 / 1 / 5 - 17:30 )
مقال ممتع وروعة فيه معلومات كثيرة اجهلها عن هذه الشخصية التي قرأت عنها القليل، احسنت حجي.

اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-