الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية مصدر الحياة

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2015 / 11 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اوشاج
العلمانية مصدر الحياة

طالعنا السيد مبارك الدويلة في مقال له منشور بجريدة القبس الكويتية في الأول من نوفمبر بعنوان "العلمانية مصدر للإرهاب". واحتوى المقال على كثير من المغالطات التاريخية والعلمية والأخلاقية حول مفهوم العلمانية ودورها الفلسفي والعلمي والحضاري في المساهمة بتمدين الإنسان الحديث، وإتاحة الفرصة للتعدديات الدينية والثقافية والفكرية في أن تجد الحاضنة والمناخ الملائمين للاستقرار والتعايش السلمي والأخلاقي بين اتباع مختلف هذه التوجهات. وكعادة التيارات الإسلامية ودعاتها، أن يتم تشويه كل ما من شأنه بلوغ الوعي الي محدداته وأطره الحقيقية القائمة على العقلانية والتفكير بدلا من الوحشية والإرهاب والميتافيزيقيات الغيبية، ولهذا، وبعد أن فرخت المدارس الدينية المتطرفة وقنوات الإعلام الديني ومناهج التعليم ومنابر الفتنة والدم، وحوشا بشرية تتستر بالدين وتنطلق منه في القيام بممارساتها العدوانية ضد الأبرياء والعزل، خرجت أبواق الدجل الديني لتنعق على العلمانية وتهاجم مكتسباتها واستحقاقاتها الانسانية والحضارية. فلم يشهد التاريخ البشري دموية أكثر من دموية الحروب الدينية والمذهبية، ولم يشهد التعليم اي انحطاط وتراجع علمي وقيمي، إلا إذا كان متسترا بالدين والتراث والماضي. فعند أي محاولة تصحيحية للمناهج الدراسية، وفي أي مجتمع عربي، إلا ويتم نسف تلك الجهود ومحاربة الداعين والقائمين على الإصلاح ولعل تجارب الكويت حافلة بالصراعات حول المناهج، وتحفل الصحف اليومية والمقابلات على التخوف الذي يصدره المسؤولون، ولعل آخره ما صرح به وزير التربية من أن "الوزارة حريصة على تنقية المناهج الدراسية من الشوائب للابتعاد عن التطرف والقبلية مؤكدا ان المجتمع الكويتي ليس طائفيا ولا قبليا". والشواهد الأخرى تأتي من اعترافات غالبية المتطرفين بأنهم قد التحقوا بالتيارات الاسلامية الجهادية بعد أخذ دروس مكثفة في المدارس الدينية، حيث ذكرت جريدة الشرق الأوسط في تقرير عن التعليم في باكستان ما يلي" تتبنى الغالبية العظمى من المدارس الدينية في باكستان، والتي يقدر عددها بنحو 20.000 مدرسة منهجا معتدلا، عدا بضع مئات من المدارس، التي تعلم صورا من الإسلام المتطرف، يقول الخبراء إنهم يقدمون تدريبا على القتال والجهاد أو الحرب المقدسة، وجامعة الحقانية التي تقع في إقليم الحدود الشمالي الغربي، على بعد 30 كيلومترا شرقي بيشاور".
ان هذه الأجيال التي قبلت الانخراط في التنظيمات الاسلامية، او في الجامعات وكليات الشريعة، هي أجيال مفرغة ضعيفة جدا، ليس لديها مستوى من التعليم يحفظها ويحميها، ويخلق فيها الوعي الانساني الذى يؤمن بقيم التسامح والأخلاق وقبول الآخر. بل تم زراعة وعي الموت والحور العين والحياة الابدية في النعيم.
كما وذكر الدكتور عبدالله المحارب في لقاء مع جريدة الأهرام المسائي "أن ما تعايشه الأمة العربية الآن من مشكلات ظهر على أثرها تنظيمات متطرفة أساءت بتصرفاتها، وحطمت الكثير من مكتسبات الحضارة العربية والإنسانية، سببه مخرجات التعليم الرديء على مدى أكثر من 30 سنة". وعلى رأس إخفاقات التعليم العربي جاءت التصريحات الخطيرة للإدارة الأمريكية في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث اتهمت الإدارة الأميركية مناهج التعليم الديني والمناهج العربية، عامة، بأنها المسؤولة عن إنتاج الفكر المتطرف، وطالبت بتغيير المناهج وتجديد البيئة التعليمية والأوضاع السياسية والاجتماعية. في الحقيقة لا أود الاسترسال أكثر في تفنيد مغالطات السيد مبارك الدويلة حول المناهج التعليمية ودورها في اخفاقات بناء الانسان العربي لأنها كثيرة ومؤلمة وتحمل ارقاما واحصائيات عديدة تصب جميعها في عجز التعليم الديني، رغم كثرة الموارد المرصودة له، ورغم الهيمنة الطويلة لعلماء الدين والدعاة على المناهج والمنابر والمفاصل المجتمعية والتوجيهية والدعوية، عن التحصين الديني لشبابنا من أمراض التطرف والكراهية والتعصب. فقد فشل هذا التعليم فشلا ذريعا في تقوية الروح المدنية للأجيال العربية وتحصينها من فيروسات الفكر الإرهابي التي نجحت في غزو نفوسهم وعقولهم، وحولتهم إلى أدوات للقتل والتفجير والتدمير، وإلى قنابل رخيصة تستغلها التنظيمات المتطرفة.
في ضوء هذه الرؤية يمكن القول إن التعليم الديني، بما يحمله من بذور ارهابية تراثية وشرعية لم يتم تنقيتها او التخلص منها، هو المحرض الأول على الإرهاب بعد ان فشل في ان يكون الحصن الأول للوقاية منه؟ وبما أنه محتاج للإصلاح بالضرورة، فإن إصلاحه السياسي في ضوء هاجس الإرهاب، من قبل التيارات الاسلامية والمناهج الدينية سيزيد من ارهابه وتطرفه في الحقيقة. كما وفشل التعليم الديني في أهم وظائفه، ألا وهي تقديم صورة مدنية عن الإسلام إلى العالم المعاصر والشعوب الأخرى، بل قدم صورة منفرة وغارقة بالوحشية والعنف والإقصاء والكراهية للإسلام والمسلمين، فأصبح العالم يتوجس خيفة من المسلمين أينما حلوا أو ارتحلوا.
ان الحقيقة التي يحاول ان يخفيها السيد الدويلة هي ان التعليم حينما يكون مبنيا على التعددية والاختلاف والتساؤل والتفكير النقدي، يكون هو الأقدر على التطور الانساني والحضاري. ومن الجدير بالذكر أن نسترجع موقف الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات حيث لاحظوا تدنى مستوى الطالب الأمريكي عن الطالب الأوروبي، فشكلوا لجانا تناقش وتحدد مشكلات التعليم وخرجوا بتقرير أطلق عليه "أمة في خطر" وهو تقرير صغير ومشهور وترجم إلى عدة لغات، وحدد الخطر الذى تواجهه الأمة متمثلا في تدنى مستوى التعليم.
ان العلمانية التي يحاربها رجال الدين والفقهاء وطبقة الكهنوت الإسلامي، إنما هي محاربة للتقدم الانساني وصيرورة التاريخ في التطور. لقد أزعجهم ان المسلم يأخذ حقوقه كاملة في المجتمعات العلمانية الغربية، من حقوق دينية وقضاء عادل ومحاكمات انسانية، بينما الفرد المسلم وغير المسلم في المجتمعات العربية والإسلامية يعاني الأمرين من هيمنة ووصاية دينية وقمع ديني وتمييز عنصري يقوم على العرق والدين والمذهب والجنس. لقد خلقت العلمانية وأفكار الحداثة والتنوير انسان اليوم المحب للسلام والتعايش، بينما خلقت أفكار الجهاد والغزو والسبي إنسان متطرف يسعي للقتال والموت. ولهذا استطاع الانسان، بعد مخاضات طويلة من الجهل وتسيد الخرافة والاوهام الدينية، الي التوصل الي الحقيقة الخالدة بأن فصل الدين عن الدولة، هو من يصنع الحياة والتقدم والسلام.

عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]
Azizalqenaei@








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت