الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقي والحيوانات

محمد لفته محل

2015 / 11 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثير ما يستعمل العراقي الحيوانات في كلامه للتشبيه والمدح والشتم، وهو ينتقي حيوانات بعينها دون بعضها تتكرر في كلامه ما يجعلني أسلط الضوء على هذه الحيوانات وابحث في سبب اختيارها وما هي الأسباب الاجتماعية الفاعلة وراء هذه التصورات عن الحيوانات، التي يسقط العراقي عليها قيمه الاجتماعية والتاريخية والثقافية ويقيمها على هذا الأساس.
الكلب أكثر حيوان يتكلم به العراقي كحيوان داجن معروف بالوفاء والتضحية لصاحبه وهي فضائل أخلاقية عند البشر نجده مذموم اجتماعيا! فهو شتيمة تقال للآخر (أنت كلب، ابن كلب) تعني الخضوع والتبعية والاحتقار كونه حيوان مطيع بدون حدود وكرامة، وكثير من الأمثال تضرب على الكلب وأشهرها (قل للكلب حجي كليب، حصرت الكلب بالجامع)الخ والثرثار نشبهه (ينبح مثل الكلب) والغدار والجبان نشبهه بعضت الكلب وهي جميعها شتائم.
أما الحمار الذي يمتاز بالكد بالعمل والصبر ويخدم صاحبه وهي فضائل أخلاقية عند الإنسان نجده أيضا مذموم اجتماعيا، فهو رمز الغباء والعبودية والاستغلال واسمه أيضا شتيمة (انت مطي، زمال) وله اسماء عديدة (الخضير، ابو صابر، أبو اذان، حمار، زمال، مطي) وهناك أمثال كثيرة على الحمار وأشهرها (ليسوك المطي يتلكه ضراطه) وهذا الحال ينطبق ذاته على البعير والبغل والخروف والماعز.
الحصان يحتل مكانة مزدوجة فهو رمز جنسي نصف به الرجل بأنه (كالحصان) للدلالة على فحولته الجنسية أو قوته البدنية، وهو أيضا رمز التهور والاندفاع الأعمى فيكون عندها شتيمة، وهو أيضا كما هو معروف زينة للطبقات الغنية للترفيه وسعره غالي مقارنة بالكلب والحمار، وهو وحدة قياس لقوة الماطورات (القوة الحصانية). والثور له نفس ازدواجية الحصان فهو رمز جنسي ورمز للتهور والاندفاع.
أما القرد هذا الحيوان الأقرب شكلا وتصرفا وذكائا للإنسان نراه أيضا مذموم اجتماعيا فهو رمز التقليد الأعمى وقبح الشكل وأشهر مثل على قبح القرد هو (القرد بعين أمه غزال).
أما الخنزير فهو الحيوان المحرم لحمه عند المسلمين والذي يستخدم للإشارة للقبح ونعت أتباع الأديان الأخرى به كالشتيمة المعروفة (وجه الخنزير، أو خنازير).
والطيور ايضا لها رمزيات اجتماعية فالغراب والبومة والططوة يرمزان للشؤم والفأل السيء والبلاء والقبح، أما الطاووس فهو رمز للانوثة والجمال، والصقر فهو الطير الوحيد المحمود ويشبه به العراقي نفسه ودائما الدولة تحمل صورة الصقر في إشارة للقوة الجوية.
هنا بعد أن عددت الحيوانات الأليفة انتقل إلى الحيوانات المفترسة وابدأ بالذئب، فهذا الحيوان المفترس عدو الإنسان والذي يتميز بالمكر بالصيد، نراه محمود اجتماعيا! فالذي يقال عنه (ذيب) فانه يعني شجاع، ذكي، ناجح، أما الأسد فهو كالذئب عدو للإنسان وهو محمود اجتماعيا ويتميز بمكانة عاليا تفوق كل ما عداه، حتى سمي الوحيد باسم صفة إنسانية (السبع) حتى صارت كلمة (سبع) تعني الأسد وليس الإنسان!. إلا الأفعى هي الحيوان المفترس ومذموم اجتماعيا إذ ترمز للحيلة والغدر التي يسلكها الجبان والداهية وهي تقرن دائما بالمرأة كونها كانت المحرض على الخطيئة في أسطورة التكوين الدينية عندما أغوت الأفعى حواء على الأكل من الشجرة المحرمة، وهذا الحال نفسه ينطبق على العقرب والثعلب.
وهناك عشائر تنسب أصولها لأسماء حيوانات مثل بني أسد، ذيابات، آل بزون، بني كليب، آل بو فهد، آل بو نمر، آل بو غزال الخ وهذا يذكرنا بالديانة الطوطمية حين كانت تنسب العشيرة أصلها لسلف حيواني، فهل هذه التسمية هي بقايا ذاكريه للخبرة البدئية؟ وهذا يعضده اعتقاد الناس بأن الحيوانات كانت تتكلم اللغة العربية وإنها تسبح باسم الله ولها القدرة على رؤية الجن؟ وهو يعني رمزيا وتاريخيا إن الأجداد الأسلاف كانوا من رجال الدين والسحرة الذين حلت أرواحهم بالرمز الحيواني بعد موتهم فقدسوا ثم تراجعت هذه المعتقدات بظهور التوحيد فبقيت ذكريات سحيقة في اللاشعور الجمعي. وكانت العرب قديما تعتقد بقدرات خارقة للحيوانات مثل الأرنب والغراب والبوم الذي يجلب الفقر والسوء ولازال هذا سائدا إلى اليوم، وهناك حيوانات كانت مباركة كبعض الطيور الداجنة مثل الحمام وكثيرا ما يشّبه الملاك بالحمام(1) الذي أصبح عالميا رمزا للسلام، وهو الحيوان الوحيد الذي يسمح لها بالتواجد في المزارات المقدسة اعتقادا منهم انه لا يخرج فضلاته على القبة. وهو الحيوان الأكثر شعبية حيث يربى في مجاميع بأسطح المنازل (مطيرجي) كما يسمى بالعامية العراقية، ولازال للهدهد عظم مبارك يجلب الخير، وللقنفذ أداة يجلبها لكسر الحاجز المضروب على صغاره تجلب الخير أيضا وكلها معتقدات عربية قديمة. فهل قدرة هذه الحيوانات على التأثير هي بقايا أرواح الأسلاف من سحرة ورجال دين التي حلت فيها بالماضي؟.
اعتقد أن القارئ قد أحس بالملل من مع سرد معلومات يعرفها القاصي والداني، لكن تمهل صديقي ليس هذا كل ما لدي، بل تحليل هذه التصورات هو جوهر المقال، من الواضح أن العراقي ينظر للحيوانات الأليفة باحتقار! وينظر بإعجاب للحيوانات الوحشية التي تهاجمه! وهذا فيه مفارقة طبعا لماذا يحب العراقي الحيوانات التي تأكله ويكره الحيوانات التي تخدمه؟ هل هو سادي بطبعه أم ماسوشي؟ هنا نلتجئ لنظرية عالم الاجتماع (علي الوردي) حول صراع البداوة والحضارة، فالبداوة القائمة على الغزو والغلبة كما يقول (علي الوردي)، اسقط العراقي على الحيوانات هذا المبدأ، فالحيوانات المغلوبة على أمرها أي الداجنة هي مذمومة كونها بلا كرامة عكس الحيوانات المتوحشة التي لا يٌغلب عليها فأصبحت محمودة في نظر العراقي الذي راح يشبه نفسه بها، وراح يشتم ويذم خصومه بالحيوانات الداجنة، باستثناء الطيور فهي غير داجنة أولا ولها تاريخ أسطوري في الذاكرة العراقية والعربية.
يقول عالم الاجتماع علي الوردي (والذي يلفت النظر فيها أن الكثير منها مأخوذ من أسماء الحيوانات الضارية او المؤذية، وهذا أمر قلما نجده في الأمم الاخرى. فهنالك نجد أسماء أسد وسبع وليث وذئب ونمر وفهد ودب وكلب وثعلب وهر وضبع وحية وحنش وسرحان (أي الذئب) وأسامة (أي أسد) وأبي جهل (أي نمر) ونزك (أي كركدن) وفرز (أي ببر) ودلدل (أي قنفذ) وحريش (أي أم سبعة وسبعين) الخ...
والغريب أن البدو على الرغم من شدة حبهم للخيل، قليلا ما يتسمون بأسمائها. فلم نجد بينهم من اسمه حصان مثلا. وكذلك يندر أن يتسموا بأسماء البعير او البغل او اي حيوان آخر يستخدم في الركوب والحمل. والظاهر أن الحيوان الذي يسمح لغيره أن يركب عليه أو يحمل اثقالا عليه، هو في نظرهم لابد ان يكون ذليلا. انهم يحترمون الحيوانات الأبية التي تعتدى على الغير ولا تسمح للغير بأن يعتدي عليها، كأن يركبها أو يضربها او يستخدمها في منافعه الخاصة.
احقر الحيوانات في نظرهم هو الحمار، اذ هم يعدونه أكثر الحيوانات تحملا للذل وصبرا على الأذى. ان اشد شتيمة يُجابه البدوي بها هي أن يقال له "حمار")(يخيل لي أن حقارة الحمار في نظر البدو جعلتهم يحتقرون أي انسان يشبه الحمار في سلوكه، اي الذي ينفع ولا يضر. ان الرجل الذي يريد ان ينال مكانة محترمة بينهم يجب أن يكون قادرا على النفع والضرر في آن واحد.)(1).
ـــــــــــــــــــــــــــ
1_يوسف شلحت، بنى المقدس عند العرب، قبل الاسلام وبعده، تعريب خليل أحمد خليل، دار الطليعة_بيروت، ص131، 132.
2_الدكتور علي الوردي، دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، إصدارات دار الحوراء، 2005، ص65، 66.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: الكوفية الفلسطينية تتحول لرمز دولي للتضامن مع المدنيي


.. مراسلنا يكشف تفاصيل المرحلة الرابعة من تصعيد الحوثيين ضد الس




.. تصاعد حدة الاشتباكات على طول خط الجبهة بين القوات الأوكرانية


.. برز ما ورد في الصحف والمواقع العالمية بشأن الحرب الإسرائيلية




.. غارات إسرائيلية على حي الجنينة في مدينة رفح