الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نضرة في العلاقات الإجتماعية في وقتنا الحاضر

محمد البورقادي

2015 / 11 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ماذا جرى للعالم الإجتماعي حتى يتحول إلى سرداب عميق تختفي ورائه كل أنواع الأقنعة والوجوه لتستبدل بأخرى عقيمة ومشلولة الحس والذوق والجمال ..
عالمنا اليوم بما فيه من روابط إنسانية ومثل وقيم عليا يكاد ينهار ويندثر من فرط سطوع آفات النفوس وأمراض القلوب ليتحول بذلك إلى غابة تسود فيها نوازع الشر والغدر والتآمر ..ولا عيب في سلوك عالم الغاب فهناك نظم أخرى وعلاقات أخرى تستلزم آليات وميكانيزمات معقلنة تبرر تصرفها وسلوكها ، حيث يأكل القوي الأضعف ليستمر الكل ويعيش الكل في حبكة وحكمة بالغة ومعقدة.. لكن عالم الإنسان يختلف باختلاف الضرف والحال ، فهنا الخير كله موجود لا يحتاج إلا للكشف والإجتهاد ، والحكمة جلية وواضحة تدعو كل ذي لب وترحب بكل مجتهد وساع ..
علاقاتنا الإجتماعية أمست غامضة ومشوشة ، لا يأتّت لوجودها سوى ما تواطئ عليه الجمع وصدقه الأعراف والتقاليد وأكده الطبع وأيدته المصلحة ، أما خارج هاته الدوائر فلم تكن لتجد المستقر ولا الإستضافة ،ولتحول الكائن الإجتماعي إلى آخر فضائي يعيش كما تعيش النجوم في سمائها وتدور الكواكب في فلكها والكل يسبح في حساب دقيق لا مجال فيه للحرية ولا للإختيار..
إنسان اليوم سئم مهموم ، يمل من كل شيء حتى من نفسه بل ويلومها إن لمْ تجدِ انتباهه وتوقضه من بلادته ، يعيش في ضنك وضيق حتى ليكاد ينحسر عليه الأفق ويضيق بما حمل من روح ومعنى .. فلا يكاد يضفي المعنى على شيء لأن إدراكه مشوش وآليات استجابته معطلة وإمكانياته وطاقاته مكبلة ومغلولة في أغلال تفكيره وهواه الذي لم يبذل أي جهد يذكر في سبيل تزكيته ونزع شوائبه ومعيقات انطلاقه وتوسيع مداركه ليكون أشمل وأعمق ويبدي نظرة عميقة ذات روح ومعنى..
فقد يدعي الإنسان الكمال والمروؤة والشجاعة والكرم والجود ، ويبرئ نفسه من الكبر والعجب والشر والغدر والتآمر والحقد ..وقد يدعوك للإلتزام بمثل هاته الصفات ويحضك عليها حتى تراه نعم الصلاح ونعم الصدق والوفاء ..
لكن شتان شتان بين ما ندعيه وبين ما هو سر في أنفسنا لا تطلع عليه سواها ولا يراها إلا مولاها وبارئها ، وقد يفتضح أمر سرها إن هفت هفوة أو عفلت غفلة فتنكشف بوادر سرها وتضهر حقيقتها .. ففي علمنا أن القلب ملك الجوارح وقائدها لكن العقل ماكر وذهي وسريع في إسدال الستائر وتغطية الحجب ، ورغم تكلف العقل في عدم مطاوعة القلب والتمثل في السلوك فإن له نداء آخر يزعجه ويهدد نجاحه ، وهو الطبع..وما أدراك ما الطبع..
فقد يجتهد الإنسان في كتم أمراض نفسه اجتهادا كبيرا ، وبينما هو كذلك قد تتسلل حركة أو تعبير مباغت يفشل ادعاآته ويسقط قناعه لغلبة الطبع عليه ولضعف سيطرة العقل من جهة أخرى،..
ولهذا فإنسان اليوم يعيش في صراع داخلي مرير ، ونزاع نفسي مضن ، يكابد المرض ويتعايش معه في صمت رهيب ، كالبحر يبدو ساكنا وجميلا وفي جوفه اضطراب وموت وحياة ..
قد يبصر الإنسان أخاه فيدير له وجهه كي لا يراه، أو قد يسقط بصره إلى الأرض كأنه تائه في مشاغل الحياة وهمومها فيتجنب بذلك لقاء الصدف الذي لم يحسب له حساب وينئى بنفسه عن تكلفها وتطبّعها المفضوح..
أما حين تلتقي العائلة في دار الجد أو الجدة ، فالأمر قد يتخذ مجرى آخر ومواقف أخرى أهم ما فيها أن الأسلحة ضامرة والسلم ضاهر ، ادعاء للمحبة وإضمار للكره والبغض ، ادعاء للكرم والشجاعة وإضمار للبخل والجبن ، التقاء الصدور للمعانقة واختلاف الأفئدة والقلوب ..
لا المضيف يريد الضيوف أن تأتي ولا الضيوف يريدون المجيئ ، لكن صلة الرحام واجبة والأوجب منها بمخيلنا هو العرف والتقاليد ..
اللقاء لا يتم في صفاء وود دائما حتى وإن طفح النقاء والمحبة على المحيا وعلى الجبين ، ولكن لا يعلم ما في النفوس والقلوب إلا الله ..
فنجد الواحد منا يضحك مع الآخر وهو لا يستسيغه ، ويكرمه وهو لا يطيقه ، ويمازحه وهو لا يستلذ بممازحته !!!! ولماذا يطلبه للحضور ويدعوه للمجيئ من البدء !! لماذا العناء والإفتعال ...،
هكذا أصبحت علاقاتنا الإجتماعية ، تصنع وتكلف ومجاملة فارغة حتى في وجه الأحباب والأخلاء فإذا كان هذا هو حالها بالداني منا فكيف حالها بالقاصي ، وإذا كان هذا حالها مع القريب فكيف حالها مع البعيد !!!
الحديث أكثر من نصفه تكلف ومجاملة والباقي يتخلله الكذب والنفاق ، والزعم بغير ذلك باطل وغير صحيح ومن ادعى غير ذلك فاعلم أن نضره قاصر وعقله أجوف ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسعى لمنطقة عازلة في جنوب لبنان


.. مسؤولون عسكريون إسرائيليون: العمليات في غزة محبطة وقدرة حماس




.. ما أبعاد قرارات المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر الخاصة بالضف


.. صحيفة إسرائيلية: نتنياهو فقد السيطرة ما يدفعه إلى الجنون وسق




.. ما أبرز العوامل التي تؤثر على نتائج الإنتخابات الرئاسية الإي