الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الأحياء الشعبية..

محمد البورقادي

2015 / 11 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



تجد هناك أحياء شعبية ملتصقة أزقتها ، مكدسة بناياتها كأنها أدخلت في صندوق لا يتسع لها ..
مساحاتها صغيرة ودورها أصغر ومنها الأكبر لكن الغالب فيها لا يكاد يتسع إلا للقليل من الأنفس..
إذا رأيتها من مكان بعيد حسبتها متراكمة بعضها فوق بعض كالحلزون في إناء الطهو ..
وإذا اقتربت منها شاهدت زحاما شديدا وتزاحما على كل المرافق ، المقاهي ملئ عن آخرها .. والأسواق مكتظة .. والشوارع لا يرى منها مكانا خاليا إلا وفيه موضع قدمين ..هناك حركة دائبة في جميع الأنحاء .. هناك حياة .. حياة ليس كالحياة ..هناك تدافع على أصحاب الأكل .. أصحاب الملابس .. الكل يريد يشتري وأن يستهلك لكن منهم من تسعفه الحال للشراء ومنهم من يكتفي بالنظر والتمني فقط..
وأنت داخل إلى حي من الأحياء يستوقف سمعك صراخ الأطفال وهم يلعبون ، ويجذب نظرك وقوف الشباب في ملتقى الطرق ..وتلمحك نظرات البنات والأمهات من شرفات المنازل..
وأنت مار من ذلك الزقاق الضيق تسمع صوت التلفاز .. وتشم رائحة الطعام .. وترى شبابيك النوافذ تشف عن ما بداخلها ..
ترى الأبواب غالبها مفتوح نصفه والآخر ليس له باب من الأصل ..تلمح فتاتا من الخبز على الطريق قد ألقي به إطعاما للطير والنمل ...وتعيق منظرك من الناحية الأخرى ركام أزبال قد تناثرت في كل مكان ..
وإذا كنت غريبا ، تخطفتك العيون ورصدت خطاك وأبت إلا أن تتبع ممشاك وتعرف مرادك .. لا شيئ مستور هناك .. الكل محل للنقاش ..والكل جائز الخوض فيه وإن تيقنت تماما أن الزقاق خال والموضع مستور فاعلم بأن هناك عين تطالعك من مكان خفي ..إنها عين الفضول .. العين التي لا تنام أبدا .. العين الحارسة ليلا ونهارا ..
إن كنت من المقيمين الجدد هناك ، رأيت حرارة الإستقبال ورأيت أنسا لم تعهده من قبل ، أنسا نذر وجوده إلا بين ما نذر من الأخلاء.. الكل يريد كسب ودك والتعرف عليك والتقرب منك .. وأنت حديث قد تستغرب من النظرات الحادة التي تكتنفك ومن البسمات التي تأسرك ..ولكن هذا هو نوع الضيافة في هاكذا أحياء.. فضول واستغراب وشوق ملهوف إلى اكتشاف هذا القادم الجدييييد..
لكن سرعان ما قد يألف الجديد مع عائلته الكبيرة .. عائلة اجتماعية وليست بيولوجية ..الطلب على الإجتماع هنا هو مطلب واحد وعام ..
ليس هناك أسرار أو خبايا ..فالكل يعرف مهنتك واسمك ويعرف زوجتك وأطفالك ..الكل يشهد دخلاتك وخرجاتك ..الكل يرقب حركاتك ..فأنت في وسط العائلة ليس لك من مهرب إلا لها ..أطفالك يلعبون مع أطفالهم ، وزوجتك تسامر مع زوجاتهم ، وأنت تلتقي مع البقية في المقهى وفي المعمل وفي السوق ..ليس لك الحق حتى في الصراخ أو الخصام مع زوجتك أو العتاب على أطفالك .. لأن العائلة مقيمة معك وليست معك.. ما أن يسترق أحدهم السمع فيسمع ما بكم حتى يُفشى الأمر بين أفراد الحي كلهم ويصير الكل عليما بأحوالكم ..
هناك تضامن لا محدود بين العائلة الكبيرة وهناك تقاسم للمتلكات وتراض تام بين غالب الأطراف ..فيكفيك أن تطرق باب جارك إن احتجت لشيء ما قد نسيت إحضاره من السوق أو نفذ لك على حين غرة ..فيؤتيك سؤلك ولا يردك خائبا وإن آثرك على نفسه ..
لا تحتاج الذهاب إلى محكمة الأسرة لفض النزاع بينك وزوجك .. فالمحكمة بجانبك وفضولها أكبر من حنكة الأمن في تعقب أمرك ..ماأن تعلم ما حل بكما حتى يطرق بابك نخبتها ..أشخاص ممن تعودوا على إصلاح ذات البين وممن لهم باب في الأدب والأخلاق وبث روح الإنسجام ونبذ الكره العنف..
إن كنت من ذوي الأثاث القليل وفاجأك أحد أقربائك بقدومه إليك ، فيكفيك أن تشعر جارا آخر ليمدك بما عنده من أثات مكملا بذلك قوامة منزلك ، ومساهما في مجاملتك المفضوحة وتكلفك المعهود أمام هذا القادم الجديد .. حتى أن القادم قد ألف قبول هذا التكلف حتى صار عادة وأساسا ولم يعد إحراجا ..
هنا تكون العلاقات الإجتماعية وجها لوجه ..هنا معمل اجتماعي .. هنا العائلة الإجتماعية ..هنا إنتاج للإجتماعي وإعادة الإنتاج له ..
هنا إفشاء السلام على الشباب الواقف ، وهنا تقديم العطف للصغار بالضحك معهم وبإعطاء المال لهم .. هنا استجابة الدعوات ..وهنا إقراض المحتاج .. وهنا مساعدة الأرملة .. وهنا حمل الأطفال لقفة مقتنيات جارتهم وإيصالها حتى داخل المنزل ...هنا الأخت عريسة لإبن الجار والأخ عريس لأخت الجار..هنا مواسات الجار وتهدئة روعه ...هنا الهموم مشتركة .. والأنفس صفية ..هنا الألفة والمحبة .. هنا الأنس والخلّة والحميمية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسعى لمنطقة عازلة في جنوب لبنان


.. مسؤولون عسكريون إسرائيليون: العمليات في غزة محبطة وقدرة حماس




.. ما أبعاد قرارات المجلس الأمني الإسرائيلي المصغر الخاصة بالضف


.. صحيفة إسرائيلية: نتنياهو فقد السيطرة ما يدفعه إلى الجنون وسق




.. ما أبرز العوامل التي تؤثر على نتائج الإنتخابات الرئاسية الإي